رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حماية النساء أولوية

فى يوم الخميس الموافق الرابع عشر من ديسمبر 2023، عقدت مؤسسة المرأة الجديدة مؤتمرًا كبيرًا وحاشدًا حول «سياسات الحماية التشريعية لمواجهة العنف ضد النساء»، وذلك مع نهاية الاحتفال باليوم العالمى لمناهضة العنف ضد المرأة، الذى يستمر على مدى 16 يومًا، حيث يبدأ فى الخامس والعشرين من نوفمبر، ويستمر حتى العاشر من ديسمبر 2023، الموافق الذكرى الخامسة والسبعين للإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر من الأمم المتحدة فى 10 ديسمبر 1948.
وينص الدستور المصرى الصادر فى 2014 فى المادة 11على المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتزام الدولة بتوفير الرعاية للأمومة والطفولة والمرأة المعيلة والمسنة، والنساء الأشد احتياجًا. كما ينص فى الباب الثالث «الحقوق والواجبات والحريات العامة» فى المادة 53 على أن المواطنين أمام القانون سواء وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة لا تمييز بينهم، وأن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، أما المادة 59، فتنص على «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها».
وتنص المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان على «لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة فى هذا الإعلان، دون تمييز من أى نوع، لا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أوالجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأى سياسيًا وغير سياسى، أو الأصل الوطنى أو الاجتماعى، أو الثروة، أو المولد، أو أى وضع آخر. فضلًا عن ذلك لا يجوز التمييز على أساس الوضع السياسى أو القانونى أو الدولى للبلد أو الإقليم الذى ينتمى إليه الشخص، سواء كان مستقلًا، أو موضوعًا تحت الوصاية، أو غير متمتع بالحكم الذاتى، أو خاضعًا لأى قيد آخر على سيادته».
كما تنص المادة الرابعة منه على «لكل فرد الحق فى الحياة والحرية والأمان على شخصه». وانطلاقًا من هذه المواثيق ومن الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان التى أطلقتها مصر فى سبتمبر 2021، تكون «حماية النساء أولوية»، وهو شعار مؤسسة المرأة الجديدة، والتى يرأس مجلس أمنائها الأستاذة نيفين عبيد.
واشتمل المؤتمر، الذى عقدته المؤسسة، على أربع جلسات تحت عنوان «جهود مناهضة العنف ضد المرأة.. إلى أين؟».
تناولت الجلسة الأولى تقريرًا مشتركًا «بين مؤسستى المرأة الجديدة، وإدراك للتنمية والمساواة»، حول رصد وتحليل مضمون إعلامى لجرائم عنف ضد المرأة على المشاع.
أما الجلسة الثانية فكانت عن نتائج العمل البحثى فى تتبع مسار الحماية التشريعية لمناهضة العنف ضد النساء، وتم من خلالها تقديم تجارب منظمات المجتمع المدنى فى وحدات الرصد والتوثيق.
وفى الجلسة الثالثة تم عرض تجارب دعم ومساندة قانونية وتحديدات العدالة الناجزة فى قضايا تقاطعية، وفى الجلسة الرابعة تم تقديم أهم التوصيات الخاصة بمناهضة العنف ضد المرأة.
ويهمنى أن أشير إلى بعض الكلمات والمداخلات والنقاشات فى المؤتمر:
قدمت الأستاذة منى حميدة، عضو مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة، تقريرًا عن العنف القائم على النوع الاجتماعى، ودور وسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا» فى التأثير على المجتمع وفى الحراك الاجتماعى، من خلال «المرصد» الذى تم تأسيسه على يد الشهيدة الفلسطينية مى جمال «التى استشهدت فى العدوان الصهيونى على قطاع غزة فى حى الشيخ رضوان».
تم من خلال المرصد رصد الآراء فى قضايا قتل ضحايا من الفتيات والنساء، حيث تم رصد الآراء، سواء مع أو ضد فى أقاليم مختلفة، كما تم رصد دور الإعلام الحكومى والمستقل فى تناوله هذه القضايا، وأشارت السيدة منى حميدة إلى أن الإعلام الحكومى لا يتناول معظم القضايا، ويمنع نشرها حتى لا يؤثر النشر على التقاضى، فى الوقت الذى تنتشر فيه الآراء على التواصل الاجتماعى، ومنها هاشتاجات «أوقفوا قتل النساء» و«أنا الضحية القادمة» و«دمنا مستباح»، بجانب آراء كثيرة تهاجم الضحية وتبرر القتل.
كما تناولت فى كلمتها الحديث عن البحث الميدانى ورصد قضايا العنف على مدى 3 سنوات 2020- 2023، وتم تقسيم الجرائم وفقًا للقاتل: فرد من أفراد الأسرة، أم غريب عن الأسرة، كما تم رصد أنواع جرائم العنف «التشويه بمياه النار، الانتحار، الجرائم الألكترونية، العنف الاقتصادى عن طريق الحرمان من الميراث، الحد من الحريات عن طريق الحبس داخل المنزل».
وفى عام 2023 تم رصد 471 جريمة عنف ضد المرأة «158 جريمة قتل، و41 جريمة شروع فى قتل، و45 جريمة ضرب، و17 جريمة اغتصاب و35 جريمة تحرش و24 جريمة سرقة، و74 جريمة انتحار، و30 جريمة محاولة الانتحار، و46 جريمة ما بين ترك الزوج المنزل أو الهجرة الزوجية».
وأشار الدكتور خالد عبدالفتاح، أستاذ مساعد علم الاجتماع فى جامعة حلوان، إلى أهمية المعرفة وتداول المعلومات، لنصل إلى الحقائق والإحصاءات، التى تؤدى لنتائج دقيقة تمكننا من رصد الظاهرة ووضع الحلول لها، كما أشار إلى أن ازدياد قضايا العنف والقتل على المشاع يرجع إلى الثقافة المجتمعية السائدة، وأضاف أن المؤسسة التشريعية مرتبطة بالتركيبة الاجتماعية والثقافية.
وفى الجلسة الثانية، تحدث كل من الدكتورة مى صالح، مديرة برنامج النساء والعمل والحقوق الاقتصادية فى مؤسسة المرأة الجديدة، والدكتورة سها عبدالعاطى، نائب مدير مركز البحوث والدراسات للحلول البديلة. وفى هذه الجلسة تم التركيز على أهمية تمكين المرأة اقتصاديًا وتوفير بيئة آمنة للعمل مع مد الحماية القانونية للعاملات فى المنازل وللعمالة غير المنتظمة مع ضم فئات عاملات المنازل والزراعة إلى قانون العمل الجديد ورفض استثنائهم من القانون.
وأود أن أضيف إلى أنه منذ صدور اتفاقية حماية العاملات فى المنازل رقم 189 لعام 2018، واتفاقية مناهضة العنف فى أماكن العمل رقم 190 لعام 2019، الصادرتين من منظمة العمل الدولية ونحن نطالب بأن توقع الدول عليها، ومنها مصر، من أجل سن تشريعات وقوانين لحماية العاملين والعاملات.
وفى الجلسة الثالثة المخصصة للدعم القانونى للمرأة، تحدثت الأستاذة جواهر الطاهر، مديرة برنامج الوصول للعدالة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية حول أهمية المساندة وتقديم الدعم القانونى للنساء والفتيات المعنفات بجانب تقديم الدعم النفسى، والدعم الاجتماعى، وأشارت إلى أن مؤسسة قضايا المرأة المصرية، تعمل من خلال عدد من مكاتب المساندة القانونية، فى مناطق القاهرة الكبرى وفى سوهاج وقنا، وكان معظم القضايا حول زنا المحارم، والحرمان من الميراث، والزواج المبكر، كما أكدت من خلال تجربتهن فى هذا المجال أنه لا بد من توعية المختصين بمكاتب الدعم القانونى بكيفية التعامل مع الحالات المعنفة؛ لتوصيلها لمكان آمن، عن طريق التواصل مع أجهزة الحكومة المعنية، وأنه لا بد أيضًا من التعاون مع لجان فض المنازعات.
وفى الجلسة الأخيرة تحدثت الأستاذة نيفين عبيد عن أهم التوصيات التى طالب بها الحضور من خلال الحوار والنقاش منها:
مناقشة مجتمعية للقانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة، مع الإسراع بمناقشته داخل مجلسى النواب والشورى تمهيدًا لإصداره.
توقيع الدولة المصرية على اتفاقيتى حماية العاملات فى المنازل رقم «189»، ومناهضة العنف فى أماكن العمل رقم «190» الصادرتين من منظمة العمل الدولية.
حماية بيانات المبلِّغين فى قضايا العنف، وخاصة فى حالات العنف الجنسى.
تفعيل وتنفيذ أحكام التعويض «جبر الضرر» مع تقصير مدة التقاضى.
إنشاء قسم مختص فى النيابة العامة لجرائم العنف ضد النساء.
حرية المعرفة وتداول المعلومات. 
خلق بيئة عمل آمنة للنساء.
توعية الفتيات والنساء بأهمية الإبلاغ عن حالات العنف، وعدم التنازل عن حقوقهن فى التقاضى. 
تحمّل الدولة مسئولياتها الاجتماعية فى توفير أماكن سكنية للمعنفات.
نحن نتمنى ونحن فى نهاية عام وبداية عام جديد، أن تتم مناقشة القانون الموحد لمواجهة العنف ضد النساء، وقانون العمل، وإدراج فئة العاملات فى المنازل وفئة العاملات فى الزراعة فى هذا القانون، ونتمنى أن يتم تغليظ العقوبات فى جرائم العنف ضد النساء، كما نتمنى أن تكون حماية النساء أولوية، من أجل استقرار الأسرة والمجتمع، ومن أجل المشاركة فى بناء ونهضة وتقدم المجتمع.