رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى مواجهة فقدان المناعة الثقافية

أعتقد أنه لا ينبغى شيطنة وإنكار الكثير من إيجابيات وسائل التواصل الاجتماعى طول الوقت، بما تتيحه من فرص للتعبير عن الرأى وتقديم أصحاب المواهب والأفكار الإبداعية، وتبادل الخبرات والثقافات والحوارات، فضلًا عن اعتبارها وسيلة جيدة للترفيه والتخلص من ضغوط الحياة المتعددة والكثيرة عبر مشاهدة الفيديوهات التمثيلية القصيرة التى تتناول بالرأى وبمعالجات ساخرة لبعض القضايا والهموم اليومية، كما أنها مجال رائع لتحسين المهارات المهنية والوظيفية عبر عرض التجارب الإدارية والمهنية الناجحة، حيث يمكن للأفراد الحصول على فرص تغيير المسار المهنى والحصول على وظائف تتناسب مع خبراتهم ومؤهلاتهم وغير ذلك من فرص تتيحها وسائط التواصل الاجتماعى داعمة للجوانب الاقتصادية لدى مستخدميها..
لقد كتبت كثيرًا حول أهمية تخصيص إدارة بحثية حكومية ولتكن ضمن إدارات مركز دعم واتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ليس فقط لتكذيب أو تصحيح ما ينشر وينتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، بل ولمتابعة كل ما يكتبه ويدونه الشباب المصرى عبر مدونات وصفحات التواصل الاجتماعى وتحليل ما يكتبونه لقراءة دلالات ما يتم إثارته من قضايا فى أبعادها الإنسانية والاجتماعية والروحية والسياسية والنفسية.
لقد بات أمر بعض محتويات ورسائل تلك الوسائل مُستفزًا ومُزعجًا ومُؤلمًا وفى بعض الأحيان مُفسدًا ومُزيفًا أو مُشوهًا لثقافة ومعلومات ورؤى الشباب، والبعض منهم بات المُدمن الشغوف بسحر استخدامها والمُهدر بدأب لنصف عمره للمشاركة فى عضوية نوادى وجماعات تلك الوسائط السحرية الجهنمية، أو العكس الإيجابى من يتعامل مع منتجات تلك الأطر والأشكال المتجددة من وسائل التوصل والاستفادة من إبداعات ورؤى وإضافات فكرية واجتماعية وإنسانية يتم طرحها ويمكن الإفادة من معطياتها المعلوماتية والتنويرية.
وعليه، ونحن فى انتظار الولوج بشغف لبوابات الجمهورية الجديدة بخطوات وإنجازات رائعة على أرض الواقع، أرى أن النهوض بالثقافة المصرية يتطلب الخروج من تكرار إطلاق المبادرات الفردية إلى العمل الجماعى والاستفادة بحصاد ما يطرحه شبابنا على صفحاتهم الإلكترونية والتفاعل مع المشاركات الحقيقية التى تمثل فيها كل الثقافات المصرية، وتحفيز كل المؤسسات ذات العلاقة بالعمل الثقافى والتنويرى والتوعوى للتفاعل الإيجابى مع تلك المشاريع، وأيضًا تقديم المزيد من فرص تمثيل حقيقى وفاعل لشبابنا، وأن نؤمن ونفعل الذهاب إلى الأخذ بفكر الشباب والاعتماد على الكوادر الشبابية فى إحداث نقلة حضارية وثقافية تدفع بركب الثقافة المصرية للمقدمة والتفرد والتوفيق، والاستفادة بما حدث ويحدث عبر مؤتمرات الشباب وتفاعل الرئيس عبدالفتاح السيسى مع أطروحاتهم عبر الإنصات الإيجابى للهام والجديد والمفيد والمطور والمعاصر منها، وحصاد الدخول معهم فى حوارات بديعة، والاشتباك الإيجابى مع مقترحاتهم الطموحة والمبشرة بجيل رائع متفاعل مع كل ما يحدث فى مرحلة التحول التى نعيشها بحب وقناعة بكل آلياتها.
معلوم أن النتاج الفكرى الحقيقى هو ذاك الذى تفرزه عمليات تلاقح الأفكار المتنوعة والمتعددة، فيؤسس ذلك لحالة ثقافية إنسانية ناجحة بالدرجة الأولى، أما التمترس حول أحادية اللون الواحد فسيذهب بنا إلى تكريس حالة من العقم الفكرى والإبداعى والفقر الروحى، وهو ما تم الحرص على تجاوزه فى ورش عمل المنتديات الشبابية الأخيرة من خلال تفعيل تبادل الثقافات مع شباب العالم، وما تابعناه عبر جلسات الحوار الوطنى الرائعة من مكتسبات وطنية غاية فى الأهمية.
وفى النهاية، يبقى مصطلح الأمن الثقافى متمثلًا فى شعور الفرد والجماعة بقناعة الحفاظ على هويتهم يعيشون ملامحها فى وجدانهم، وإحساسهم بالأمان أن لديهم ما يدرء أى مخاطر من الهجوم والتهديد والمحو والتشويه، ومن هذه الغاية يكتسب مفهوم الأمن الثقافى أهميته وخطورة غيابه نظرًا لارتباطه بالثقافة التى تعدّ مكونًا رئيسيًا من مكونات الوجود، ذلك أن من لا هوية له لا وجود له، وإن ارتدى مسوح الحضارة ثقافة، ولغة، وسلوكًا على أرض الواقع.
جدير بالذكر أن تحقيق المناعة الثقافية والحضارية التى ينبغى العمل الجاد لدعم بدن الوطن بها وبآليات دفاعها تبدأ بالتعامل الوطنى الفكرى الجاد مع عناصر التعصب، وجماعات التطرف بما يحملون من مشاعر الكراهية دون تحفظ، ولا تردد، وبشكل شيطانى جاذب وقادر على تخدير العقول للوصول إلى حالة «فقدان المناعة»، ومن ثم تعطيل أسلحة الدفاعات التى يعدها البدن الثقافى والحضارى للإجهاز على جراثيم التخلف، وتداعيات عدوى أمراض الكراهية، فضلًا عن أهمية النجاح فى إدارة التنوع ولعل فيما تابعناه باستبشار وتفاؤل على مدى جلسات الحوار الوطنى، ما يؤكد أننا على درب السلامة والفلاح.