رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى المشاركة السياسية الخير الأسمى

لعله من المفيد أن نتذكر ونذكر بمفهوم المشاركة السياسية عند أرسطو من خلال فقرة من كتابه "السياسة عند أرسطو"، من خلال مقولته "لما كان لكل الدولة، نوع من المشاركة وكانت كل مشاركة تهدف إلى الوصول للخير والنفع العام، وبالتالي فإن الخير هو هدف جميع المشاركات، ولهذا  فان الخير الأسمى هو الذي يُبنى على أساس  ضم كل ما عداها من المشاركات المجتمعية"، وقد حلل المفكرون بعد ذلك أن المقصود هنا بالخير الأسمى هو المشاركة السياسية.
في التعريف بداية بمفهوم "المشاركة السياسية"، معلوم أن تعبير المشاركة هو المساهمة الرسمية وغير الرسمية للأفراد والجماعات في كل أنشطة المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بهدف تحقيق الصالح العام، وتعني أيضًا حصول الفرد على نصيب من شىء ما، أي أن المشارك له نصيب في الشأن العام وموقف يتخذه الفرد في جميع الحالات ويشترك فيه مع الآخرين، فهي تستوجب وجود أكثر من طرف.
أما السياسية فهي لغة مشتقة من مصدر الفعل "ساس"، وتأتى هذه الكلمة بمعنى تدبير شئون الناس وتملك أمورهم والرياسة عليهم ونفاذ الأمر فيهم، وهذه الكلمة تستخدم للدلالة على العديد من  المعاني الأخرى، مثل معاني القيادة والرئاسة والمعاملة والحكم والتربية والترويض.
ويمكن تعريف السياسة على أنها: علم التخصيص السلطوي للقيم لـ"ديفيد ايستون"، وهذا لأن أي قرار ينطوي بالضرورة على تكريس وتدعيم لقيمة مادية أو معنوية محددة.
ويشير مفهوم المشاركة السياسية إلى مشاركة جميع الأشخاص المؤهلين قانونيًا لصنع القرار السياسي والإداري والتحكم في إدارة موارد الدولة على جميع المستويات، وعلى هذا الأساس فإن المشاركة السياسية ما هي إلا سلوك يمارسه الفرد بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في العملية السياسية القائمة في البلاد والهدف منها التأثير في آلية اتخاذ القرار، وعليه فالمشاركة السياسية يمكن عدها وسيلة أو آلية من آليات الأنظمة الديمقراطية في المجتمعات الإنسانية، كما أنها تعبير واضح عن المبدأ العام القاضي بسيادة الشعوب، فضلًا عن أنها تعبير عن انتماء الشخص لبلده "المواطنة".
وتعد المشاركة السياسية من المؤشرات الدالة على نضج المجتمع سياسيًا وثقافيًا، فارتفاع نسبة المشاركة في مجتمع ما يدل على تقدمه ووعيه بحقوقه السياسية، كما يدل على مستوى عالٍ من الثقافة السياسية، والمشاركة السياسية تعني انخراط الفرد، سواء رجل أو امرأة في نشاطات الحياة العامة وفي جميع مجالاتها وممارسة حقوقه المدنية المكفولة بالدستور والقوانين الناظمة للعمل السياسي، وهي تأتي بصورة طوعية من قبل الفرد، والتي تعزز قيم المشاركة الشعبية السياسية، وتحديدًا القيم الديمقراطية والتعددية وحرية الرأي.
وتمثل المشاركة السياسية أرقى أنواع الديمقراطية، من خلال مساهمة مختلف أبناء المجتمع في تحمل مسئولياتهم السياسية، سواء بالانتخاب أو بالترشيح، وقد كانت عملية المشاركة السياسية مقتصرة في البداية على الرجال دون النساء، ولكن تحت الضغط والحركات الاجتماعية والسياسية ومع ظهور الأحزاب السياسية تطور مفهوم المشاركة السياسية فلم يعد يقتصر على الرجال بل امتد ليشمل النساء أيضًا.
وهنالك مجموعة من المقومات العامة التي ينبغي أن تتمتع بها المجتمعات الإنسانية لدعم المشاركة السياسية، وهي في حقيقة الأمر عبارة عن وسائل يمكن من خلالها أن يُفعل الإنسان دوره السياسي فيها، ومن دون وجودها لا يمكن الحديث عن مشاركة سياسية بالمعنى الحقيقي، ولعل في نجاح إدارة الانتخابات العادلة الحرة النزيهة ما يتوج تلك المشاركة السياسية ويحقق أهدافها وهي عبارة عن عملية اختيار الشعب بين مجموعة من المرشحين لشغل منصب عام، وهي نمط من أنماط عملية المشاركة السياسية، وغالبًا ما تقام بموعد محدد يتم الإعلان عنه مسبقًا من قبل الحكومة، وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات هذه يشترط فيها أن تكون حرة ونزيهة لا تشوبها أي شبهة، كما أنها تمثل أداة قانونية للتغيير وللتداول السلمي للسلطة، وهي في ذات الوقت تضفي على السلطة الحاكمة صفة الشرعية، إذ إنها سوف تحكم بتفويض من الشعب وباسم الشعب.
وقد كفل الدستور المصري حق المشاركة الانتخابية، لتمكين المواطنين من المشاركة في رسم سياسة الدولة العامة، وهذا الحق الأصيل يؤكد اهتمام الدولة بالشرعية الدستورية، والتي تترجمها الانتخابات، باعتبارها الوسيلة الرئيسة لتولي سلطة إدارة شئون الدولة، وهذا أمر تقره المجتمعات الديمقراطية، وتحرص على تنفيذه، وتمتلك وعيًا سليمًا تجاهه.
وعليه، بات علينا تحية دور معظم الأحزاب التي شاركت في دعم تحفيز مجتمعاتها وشعبنا العظيم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وكذلك تحية المؤسسات الإعلامية لدورها الهائل في تهيئة مناخ انتخابي رائع عبر كل طرائق التواصل بدعوة جموع الشعب المصري بكل فئاته للمشاركة الانتخابية، فقد كان ولا يزال اهتمام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بصورة واضحة بأن يدعو مواطنيه للمشاركة في تأسيس وطن للديمقراطية من قبل شعب يعي أهمية المشاركة، ويدرك ما يتعرض له الوطن من مخاطر، لتتشكل المساندة الشعبية لكل مؤسسات الدولة، بوطنية وولاء وانتماء لوطن عظيم في مراحل نواجه فيها أنواء تحديات صعبة تعاني منها المنطقة والعالم العربي، بل والعالم.
نعم، نواجه كل التحديات بجاهزية وتعبئة صالحة للمواجهة مع قائد وربان سفينة شخَّص الداء ويعلم الدواء وحاضر للدفع والعمل الجاد لاستكمال مشروعه ومشروع الوطن ونحن على عتبات جمهورية جديدة عبر المشاركة السياسية التي هي الخير الأسمى.