رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يقرأ الباحثون التغيرات المناخية فى العالم العربى؟

التغير المناخى
التغير المناخى

بينما يترقب العالم انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الثامن والعشرين للمناخ «كوب ٢٨» بدءًا من الخميس المقبل فى الإمارات، ووسط آمال متجددة بإمكانية التوصل إلى حلول تحد من آثار الانهيار المناخى المستقبلية، يناقش عدد من الباحثين، عبر كتابين، آثار التغير المناخى على العالم العربى، والتحديات التى تواجهها دول عربية مثل مصر والجزائر وتونس والمغرب والسعودية والعراق والأردن بسبب موجات الحر الحادة والمتكررة وفترات الجفاف المطولة التى تنذر بكوارث مستقبلية. 

فضلًا عن ذلك، يناقش العملان ما قاد إليه التغير المناخى من صراعات سياسية داخلية لا سيما فى بلدان شرق إفريقيا، واستغلال دول الشمال ثروات الجنوب، قديمًا وحديثًا، وارتباطه بأزمة المناخ، علاوة على التطرق إلى المطامع الرأسمالية التى قد تجعل من التخلى عن مكاسب اقتصادية مقابل الحد من الأزمات المناخية مطلبًا صعب المنال. 

«تحدى الرأسمالية الخضراء»

خطورة القضايا البيئية على المنطقة

على الرغم من المحاولات العالمية والإقليمية للحد من آثار التغير المناخى، فإن تعقيدات المسألة وتشابكاتها تحول دون حلول سريعة وسهلة قابلة للتنفيذ ببساطة. فى كتاب «تحدى الرأسمالية الخضراء.. العدالة المناخية والانتقال الطاقى فى المنطقة العربية»، الصادر عن «دار صفصافة»، يلقى مجموعة من الباحثين الضوء على بعض من العوامل التى تضفى سمة التعقيد على قضايا المناخ فى المنطقة العربية، وما يحتاج أن يضعه الجميع فى اعتباره بصدد الحلول المقترحة للأزمة. 

يضم الكتاب، الذى حرره حمزة حموشان وكايتى ساندويل، مجموعة من المقالات لكاتبات وكتّاب من مختلف دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، تتناول جوانب مختلفة من شروط نجاح الانتقال الطاقى، وتهدف إلى تسليط الضوء على خطورة الأزمة المناخية فى المنطقة العربية مع إبراز الحاجة إلى تحليلات متكاملة وتغيرات هيكلية كبرى. 

العدالة المناخية وتسديد الديون

القضية الأساسية التى يُركز عليها جانب كبير من المقالات تتعلق بما تعنيه العدالة المناخية وما يتطلبه تحقيقها، على اعتبار أن تطبيق هذا المفهوم كفيل بكسر الوضع الراهن فى مبادرة نحو تحول اجتماعى وإيكولوجى وعمليات تكيف جذرية وشاملة. يجادل الباحثون بأن دول الجنوب تحتاج إلى تعويضات مناخية أو تسديد الديون المناخية من الشمال الأكثر ثراء، إذ على مدار التاريخ أسهمت إمدادات النفط والغاز من شمال إفريقيا وغرب آسيا فى التحول الكبير بنظام الطاقة العالمى، فمنذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى النصف الثانى من القرن العشرين، أجبرت المنطقة على الاندماج بالاقتصاد الرأسمالى العالمى من موقع التبعية حين تدخلت القوى الاستعمارية فى المنطقة وأجبرتها على قبول بناء اقتصاداتها بالأساس حول استخراج وتصدير الموارد التى عادة ما كانت تقدم رخيصة فى صورة خام، مقارنة باستيراد السلع الصناعية عالية القيمة، وهو ما نتج عنه نقل واسع النطاق للثروة إلى المراكز الاستعمارية على حساب التنمية والنظم البيئية المحلية. ويطالب باحثون بأن تركز المناقشات حول الانتقال العادل على واقع التنمية غير المتكافئة التى تسبب فيها الاستعمار، وتوضيح أهمية التصدى لبنى الاقتصاد الرأسمالى العنصرى لحل المشكلات البيئية من خلال تغيير أنماط نقل الثروة والتكنولوجيا وإلغاء الديون ووقف تدفقات رأس المال غير المشروعة، وتفكيك التجارة الاستعمارية الجديدة ووقف نهب الموارد وسلبها.

تراتبيات استعمارية جديدة

على الرغم من أن عهد الاستعمار قد انتهى، فإن استغلال بلدان الشمال الاستعمارى لموارد الدول العربية وترحيل الثروات من الجنوب إلى الشمال لم يتوقف، وهو ما يعتبره بعض الباحثين سببًا فى الحفاظ على علاقات هيمنة استعمارية وتراتبيات استعمارية مستمرة. واحد من الأمثلة على ذلك يتمثل فى النظام المهيمن على السياسات الزراعية بدول المنطقة، إذ تغلب الزراعة الرأسمالية كثيفة استعمال الطاقة ورأس المال والموجهة أساسًا للتصدير، وهى عاجزة عن مواجهة التغيرات المناخية والأزمة البيئية، كما أنها غير قادرة على تحقيق السيادة الغذائية لدول المنطقة وتزيد من إفقار قطاع كبير من العاملين بالزراعة. يوضح كاتب المقال: دول المنطقة تتعرض لتبادل غير متكافئ مع الشمال العالمى، خاصة مع الاتحاد الأوروبى، عبر اتفاقات تجارة تسمح للشمال بالحصول على منتجات شمال إفريقيا الزراعية بأسعار مخفضة، ويرى أن شمال إفريقيا فى حاجة إلى إصلاح سياساته الزراعية والبيئية والغذائية، وتقديم بدائل تركز على المستوى المحلى بصورة مستقلة عن المصالح الأوروبية. 

الاستعمار الأخضر والغايات المزعومة

يشير حمزة حموشان، فى مقاله، إلى مسألة استيلاء بعض دول الشمال على الأراضى والموارد لغايات بيئية مزعومة مثل مشاريع الحفاظ على البيئة، فتُنزع الأراضى من جماعات السكان المحلية وتصادر أراض جماعية لإنتاج الوقود الحيوى وتشييد محطات لإنتاج طاقة شمسية وأخرى ريحية على أراض زراعية ورعوية دون موافقة السكان المحليين، ويعتبر أن هذه المشروعات بصورة أساسية مخططات للنهب والسلب. ويحاجج الباحث بأن مشروعات مثل الطاقة المتجددة فى المغرب تستخدم بتواطؤ من رءوس الأموال والشركات الأجنبية، لترسيخ هيمنة المغرب على منطقة الصحراء الغربية ومن ثم ضمان مصالحهم، كما ترى إيمان بوخاتم، فى مقالها، أن الانتقال الطاقى الأخضر فى الجزائر تعرض أيضًا إلى ظلم لا يختلف كثيرًا فى ظل التبعية الاقتصادية للأرباح الهيدروكربونية واتفاقات تصدير الوقود الأحفورى طويلة المدى. ينوه الباحثون بأن أزمة المناخ ليست كامنة فى مسألة الوقود الأحفورى بحد ذاتها، بل فى ارتباط استخدامها بالآلة الرأسمالية التى توفر غطاء لشركات الطاقة الكبيرة وأنظمة النفط والغاز، بما يتيح لها تقديم نفسها على أنها حامية للبيئة مع إخفاء حقيقتها ككيانات مجرمة وملوثة للبيئة. 

صعود الخليج وتحديات الانتقال العادل

يركز آدم هنية، فى مقاله، على تحليل دور الدول الخليجية فى قضية الطاقة المتجددة وحل أزمة المناخ، فيوضح أنه لا بد من فهم صعود الخليج فى ضوء التغيرات الكبيرة التى طرأت على الرأسمالية العالمية على مدار العقدين الأخيرين، فمكانة الخليج فى قلب الرأسمالية الأحفورية المعاصرة هى التى ستحدد سمة أى انتقال أخضر فى الشرق الأوسط أو عالميًا. ويوضح كريستيان هندرسن أن دول الخليج ليست أطرافًا منتجة للنفظ والغاز ولا حيلة لها فيما يخص التغير المناخى، وإنما تعمل على ضمان بقائها فى قلب نظام الطاقة العالمى، ما يستلزم منها اتباع سياسة مزدوجة، إذ تستثمر فى قطاع الوقود الأحفورى وفى نفس الوقت تستثمر فى قطاع الطاقات المتجددة، فبلدان مجلس التعاون الخليجى لن تتخلى عن استخراج النفط والغاز ومنتجاتهما الثانوية الأدنى، وإنتاجها وبيعها، إلا أنها فى الوقت ذاته تسعى لاكتساب موطئ قدم فى أسواق الطاقات المتجددة وتطوير الوقود البديل. ورغم أنها عرضة لنفس الأخطار البيئية التى تهدد دول الشرق الأوسط، فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجى تستثمر فى بنية تحتية توفر بعض الحماية من الأزمات، إذ عززت السعودية والإمارات وقطر استثمارها فى الطاقة المتجددة، وأعلنت عن برنامج للتحديث البيئى اشتمل على خطط لنفط وغاز منزوعى الكربون واقتصاد تدويرى. 

«التغير المناخى»

حقيقة اللاعب الخفى فى صراعات شرق إفريقيا

يكتسب كتاب «التغير المناخى وأثره على الصراعات فى شرق إفريقيا»، للباحثة نسرين الصباحى، أهميته من تركيز اهتمامه على النظر فى عدد من الصراعات التى تحكم مناطق ملتهبة فى إفريقيا بعيدًا عن السياقات المعتادة فى تناولها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو جيوسياسية، إذ تحلل الباحثة هذه الصراعات من منظور دور التغير المناخى فى تأجيجها ووصولها إلى ما باتت عليه. يُلقى الكتاب، الصادر هذا العام عن «دار العربى»، الضوء على تأثير التغير المناخى من جفاف وتصحر وارتفاع بدرجات الحرارة على منطقة شرق إفريقيا وتحديدًا دول السودان وكينيا والصومال وإثيوبيا، وتأثيره على تدهور سُبل العيش فى بعض المناطق وتضرر بعض المناطق أكثر مما سواها مثل إقليم دارفور بغرب السودان، وحوض بحيرة توركانا بشمال غرب كينيا، وحوض نهر أواش بشرق إثيوبيا. 

السودان

فيما تغفل كثير من التحليلات دور التغير المناخى فى بلورة الصراع فى دارفور، تشير الباحثة إلى أن الجفاف والتصحر أديا إلى احتدام المنافسة على موارد المياه والمراعى والأراضى الزراعية فى دارفور مؤدية إلى مجاعات ثم صراعات متتالية اكتسبت بُعدها السياسى. 

خلال الفترة ١٩٨٢- ١٩٨٤ انتقل العرب البدو من شمال دارفور فى منافسة حادة على مصادر المياه والمراعى مع قبائل ومزارعين آخرين إلى وسط وجنوب دارفور، ثم جاءت المجاعة الأكثر حدة فى ١٩٨٤- ١٩٨٥ مع تحركات لعدد كبير من السكان بين الشمال والجنوب بأثر من التغيرات المناخية، وهو ما أدى إلى تحريض الجماعات المختلفة ضد بعضها البعض وضد الحكومة السودانية وتفاقم الوضع السياسى والاجتماعى فى إقليم دارفور، إلى أن وصل فى عام ٢٠٠٣ إلى صراع مسلح بين القبائل المختلفة حول الموارد الطبيعية من مياه وأراض نتيجة الضغوط البيئية وانهيار الهياكل والمؤسسات الاجتماعية. 

كينيا

تشير الإحصاءات إلى أن ٢٠٪ فقط من الأراضى صالحة للزراعة فى كينيا، وأن شمال شرق البلاد وكثيرًا من المناطق الجنوبية مناطق قاحلة بسبب الظروف الجوية من موجات الجفاف. أدت هذه الظروف البيئية إلى تأجيج الصراعات هناك فى شكل أعمال عنف وهجمات مسلحة وتدفق الأسلحة الصغيرة عبر الحدود الوطنية، إذ تتكرر الصراعات العنيفة بين المجتمعات المحلية من جماعات الرعاة والمزارعين بشأن المراعى وموارد المياه فى مناطق من كينيا، وتتحالف الميليشيات الرعوية مع الجماعات الإرهابية فى ظل تهميشها، ما أدى إلى سباق تسلح فى المنطقة فاقم من انعدام الأمن واكتسب بعدًا إقليميًا. 

الصومال

تلفت الباحثة إلى أن الصومال من أكثر الدول عرضة للتغير المناخى فى العالم، إذ أدى الجفاف وانخفاض متوسط هطول الأمطار إلى تدمير المحاصيل الزراعية ونزوح العديد من الأفراد، وشهدت جميع أنحاء الصومال أبعاد التغير المناخى من جفاف وفيضانات وعدم انتظام هطول الأمطار والأعاصير والعواصف الرملية والترابية وارتفاع درجات الحرارة. 

قادت تلك التغيرات المناخية الحادة بالصومال إلى تفاقم التوترات المجتمعية والصراعات التى وصلت إلى حدود انضمام المجتمعات المحلية إلى الجماعات الإرهابية، ليصير الصومال عرضة لمزيج من الأزمات تضم الحرب الأهلية والمجاعات والجفاف والقرصنة والإرهاب مع محدودية دور الدولة فى مواجهة التغير المناخى، ووصولًا إلى تغذية الصراع المسلح فى جنوب ووسط الصومال من خلال تفاقم التوترات بين العشائر المحلية وتعزيز نفوذ الجماعات الإرهابية.

إثيوبيا

تعتبر إثيوبيا من أكثر البلدان أيضًا تعرضًا للتغير المناخى فى إفريقيا، فلديها ما يقرب من ٤٠٪ من أراضيها تقع فوق مستوى سطح البحر، وتعتمد بشكل كبير على قطاعى الرعى والزراعة، ومن ثم فقد أدى التغير المناخى إلى تأجيج المنافسة بها على موارد المياه الشحيحة والمراعى، إذ سعت الجماعات الرعوية إلى الانتقال لمناطق المزارعين للتنافس على الموارد، ما قاد إلى تدمير سبل عيشها فى منطقة حوض نهر أواش بشرق إثيوبيا. 

السلام البيئى والخروج من النفق المظلم

تتحمل البلدان النامية، وعلى وجه الخصوص الدول الإفريقية، التبعات السلبية الكبرى الناجمة عن التغير المناخى على الكوكب، بسبب اعتماد معظمها على قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية ومصايد الأسماك وافتقارها إلى الموارد المالية والبشرية والمؤسسية للتعامل مع تداعيات المناخ، وهو ما جعل الدعوات إلى السلام البيئى تبرز فى الآونة الأخيرة بهدف البحث عن فرص التعاون والحوار بين الدول المتنافسة فى أعقاب الكوارث المناخية لتحقيق الأمن القومى، الذى لم يعد مقتصرًا على أمن الدولة وحمايتها من العدوان الخارجى، ولكنه صار مرتبطًا بالتهديدات البيئية. تشدد الباحثة على أهمية تعزيز جهود الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية لتجنب التنافس حولها أو التخفيف من حدتها، لما تشكله من تهديدات كبرى بالوقت الراهن على المستويين الوطنى والدولى، موضحة وجود ثلاثة مسارات يمكن من خلالها بناء التعاون فى إدارة الموارد الطبيعية؛ الأول: تقليل مشكلات ندرة الموارد باستخدام الحلول التقنية وتقسيم الأدوار بين أطراف الصراع وخفض حدة التوترات بين الجماعات المتصارعة سواء داخل الدولة أو عبر الحدود الوطنية، والثانى: توفير مساحات مشتركة للاعتراف بالمظالم التاريخية وتفكيك الصورة النمطية المتبادلة بين الجماعات المهمشة والدولة المركزية، وتعزيز التحوّلات السياسية ومواءمة السياسات البينية، أما المسار الثالث فيتعلق بمعالجة المسببات الجذرية للصراعات المحتملة بالتركيز على عدالة توزيع الموارد كشرط مُسبق للتنمية.