رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عملية تفكيك غزة.. المحاولات مستمرة

هى ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة قطعًا.. هذه ليست أول مرة يحاول فيها الصهاينة إجلاء الغزاوية من بيوتهم وأراضيهم، حدث ذلك وعلى مدار ما يزيد على نصف قرن أكثر من مرة.. وفى كل مرة بذريعة مختلفة.. وعلى الذين يحملون المقاومة تهمة توريط المدنيين فى فلسطين دون غطاء وقدرات تحميهم أن يعودوا إلى تاريخ تلك المحاولات.. آل صهيون يحلمون ويرسمون الخطط منذ سنوات طويلة والهدف معلوم.. حرق الأرض بمن عليها.. وبعدها سيناريوهات أخرى، بعضها مكشوف، وأغلبها لم يحن موعد الكشف عنه بعد.. وأمريكا ومن معها يعرفون ذلك ويدفعون فى اتجاهه بكل الطرق، لكن أصحاب الأرض، رغم كل هذه المحاولات لا يزالون هناك يستقبلون جثث أهاليهم بابتسامة راضية ويقين لا يتزحزح. 

فى عام ١٩٧٠ كان عدد سكان غزة حوالى ٣٠٠ ألف مواطن.. أعلنت حكومة الاحتلال عن نيتها الصريحة فى تهجيرهم.. وقتها كان العرب منقسمون، ومصر جريحة تحاول لملمة بعضها واستعادة روحها فى حرب استنزاف قاسية ومجهدة وعظيمة فى آن واحد وتستعد فى الوقت ذاته لحرب تحرير كامل الأرض.. سوريا كانت جريحة كذلك.. وباقى العرب كل يغنى على ليلاه.. وقتها استغلت سلطة الاحتلال الأمر وحاولت تنفيذ مخططها ولم تفلح.. واستمرت فى بغيها واستيطانها وحرقها الأخضر واليابس، حتى فاجأهم جنود مصر فى أكتوبر العظيم ولقنوهم الدرس الأعظم، فاستكانوا إلى حين. 

بلع آل صهيون هزيمتهم وراحوا يبحثون فى دروب أخرى.. بكل الطرق التى تؤدى لإضعاف مصر وتفكيك العرب ودس الوقيعة بينهم.. وحققوا الكثير مما أرادوا، فعادوا إلى سيرتهم الأولى فى عام ٢٠٠٨ وأمطروا غزة وأهلها بنيرانهم فى عملية الرصاص المصبوب.. مات الكثيرون واستُشهد الآلاف من أهلنا.. ولم تتم عملية التهجير كما أراد لها آل صهيون والأمريكان من خلفهم.. صمود أهل غزة وقتها أوجعهم، وأوجعهم أكثر تلك النساء التى تلد فى البطن الواحدة أكثر من مقاوم وشهيد محتمل.. فعاودوا الكرة مرة أخرى فى عام ٢٠١٤ والهدف واحد قديم متجدد.. تهجير أهل غزة إلى رفح أو غيرها.. ولم يتحقق لهم ما أرادوا مجددًا.. فهل انتهى الأمر؟ أبدًا.. ها هم يعودون.. وها هم يستخدمون حماس ذريعة لقتل الأطفال والنساء فى المستشفيات.. لقد صار الغزاوية كثيرين بما يهدد حلم الاحتلال.. صاروا أكثر من مليونين، وهذا هو الكابوس الأعظم لبنى صهيون. 

الآن يتحدث جنرالات الحرب مثلما تحدثوا أيام احتلال العراق.. يربطون بين حماس وداعش والإرهاب.. فى العراق قالوا سنحارب الإرهاب وسنبحث عن النووى.. صدقهم وقتها من يريد أن يصدق وسارت كذبتهم التى دمرت جيشًا وبلدًا وحضارة.. اليوم يتحدث هؤلاء الجنرالات عن ترسانة أسلحة ومراكز قيادة لحماس تحت المستشفيات الكبرى ويضربونها ليهرب الجرحى لكنهم لا يهربون. 

أربعون يومًا مضت ويزيد.. وهم يراهنون على أن العالم سيزهق.. والعرب سيصمتون.. والجرحى ستلاحقهم النيران.. سيهرب أهل غزة أخيرًا.. عشرة آلاف شهيد ويزيد.. وهم لا يهربون.. عشرة آلاف أمثالهم جرحى بعضهم فى المستشفيات يقاسى ويقاوم الموت، لكنهم لا يهربون.. فمتى تنتهى هذه الكارثة؟.. نعم آل صهيون الآن يعيشون المأساة. 

العالم لم يزهق بعد.. بل إن أغنية فلسطينية كتبها ولحنها مهاجر من الناصرة يعيش فى السويد منذ سنوات لفتت العالم كله.. لم تمنع اللغة أحرار العالم من ترديدها فى مظاهرات تجوب شوارع معظم دول العالم فى الشرق والغرب.. وزراء فى بعض الدول الغربية يتركون مناصبهم لأنهم فى جانب الحق الفلسطينى.. صار الأمر معقدًا لدى ساسة بنى صهيون.. فماذا يفعلون.. كيف تنقذهم أمريكا مجددًا بعد أن فقدوا ما يزيد على ثلاثة آلاف مقاتل فى تقديرات لبعض صحف الغرب؟

الآن أمريكا وبعض دول أوروبا تفتح أبوابها للفلسطينيين من أهل غزة المحاصرة.. نعم هذه هى الخطة الجديدة، إغراء أهل غزة بتأشيرات مجانية وفرص عمل آمنة ومريحة فى أمريكا وأوروبا.. إنهم يبحثون بكل الطرق عن نجاة لخطة الاحتلال من الفشل لمرة رابعة.. إغراء أهل غزة بالتوطين فى أمريكا وأوروبا وبمميزات بديعة.. بعد أن أفشلت مصر خطة تهجيرهم قصريًا.. يبحثون عن خطة بديلة لتفكيك غزة.. وليس تفكيك حماس كما يدعون.. والأيام المقبلة حبلى بما هو أكثر من القصف فى الداخل والتلويح بجنة الغرب فى الخارج.