رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«هسس» إسرائيلى من مصر

 

 

كنت أتابع التقارير المتتالية ضد مصر فى إسرائيل، ووجدت نفسى أهمس هذه حالة «هسس» واضحة.. تقول العرب «هس» الشخص أى حدث نفسه.. وهذا توصيف دقيق للحالة الإسرائيلية تجاه مصر.. تقارير متتالية تحذر من قوة مصر تارة، وتتحدث عن الجيش المصرى تارة، وتتهم مصر بتسليح حماس تارة ثالثة، وتطالب بإلغاء كامب ديفيد تارةً رابعة.. الطريف أن مجلة وزارة الدفاع الإسرائيلية كتبت تطالب بإلغاء كامب ديفيد مع مصر فى نفس اليوم الذى أصدر فيه شاب فلسطينى جاهل وثقيل الظل مقطع فيديو يزايد فيه على مصر ويطالبها هو أيضًا بإلغاء المعاهدة مع إسرائيل.. وكان قدر مصر أن يزايد عليها الجهلة من الجانبين، وأن يراها كلاهما عدوًا له لا لسبب سوى لعجزه عن مواجهة عدوه الرئيسى أو الحقيقى.. آخر مظاهر «الهسس» الإسرائيلى كانت مقالًا لمجلة جيش الدفاع يقول «إن قوة مصر أصبحت تشكل تهديدًا لأمن إسرائيل، وإن مصر أصبحت مؤخرًا مستعدة لمواجهة إسرائيل عسكريًا، وإن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة لمثل هذه المواجهة»، والحقيقة أنه لا جديد فى هذا الجزء من المقال، وقوة الجيش المصرى حقيقة واضحة ومعلنة، وهى موجهة ضد أعداء مصر بشكل عام إذا حدث ما يستدعى القوة، وليست ضد إسرائيل بشكل خاص.. لكن كاتب المقال ينتقل إلى مجموعة من التهيؤات فى الجزء الثانى منه، حيث يقول «إن الشرق الأوسط قد نشأت فيه جيوش من القتلة بدعم من مصر وإيران وسوريا ولبنان! وإنه قد تم مؤخرًا تزويد حماس بكميات من الأسلحة غضت مصر الطرف عنها! فى حين أنه يتم حبس أى سائح إسرائيلى يتم ضبطه وهو يحمل رصاصة واحدة فى سيناء».. انتهى هذا الجزء الملىء بالهلاوس، والحقيقة أن أى بلد فى العالم يحبس السائح الذى تضبط فى حوزته أسلحة أو رصاص وليس مصر فقط، يدّعى المقال المنشور فى مجلة الجيش الإسرائيلى أن مصر انتهكت اتفاقية السلام مع إسرائيل دون رد إسرائيلى خوفًا من إسرائيل على اتفاق كامب ديفيد، فعلى خلاف نص الاتفاقية القديم نشر المصريون قواتهم فى رفح، وبنوا ثلاثة مطارات كبيرة فى سيناء، وحفروا ستة أنفاق ضخمة تربط الوادى والدلتا بشبه الجزيرة، وأصبحت لديهم معسكرات كبيرة للفرق العسكرية فى سيناء، وثلاث محطات رادار ضخمة.. ويمضى كاتب المقال ليقول إن الرئيس السيسى يعمل ضد إسرائيل بإصرار- هذا وسام شرف على صدر الرئيس السيسى فى عيون ملايين المصريين لكن الحقيقة أن الرئيس يعمل لمصلحة مصر وليس ضد مصلحة أى بلد إلا إذا تعارضت مع مصلحة وطنه- ويواصل كاتب المقال قائلًا: «الرئيس المصرى يعمل ضدنا رغم أن مترجمينا يحرصون على الإشادة باتفاقية السلام معه، ويحذرون من أن (نقل أهالى غزة لسيناء مؤقتًا!! سيؤدى لإفساد الاتفاقية..)»، فى باقى المقال يدعو كاتبه لتغيير الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية على جبهة مصر، التى يسميها الجبهة الجنوبية، ويواصل إثارة المخاوف تجاه قوة مصر وتعاونها مع دول العالم المختلفة.. والحقيقة أن هذا هو المقال الرابع الذى يتم نشره فى أسبوع واحد بنفس المعنى وبنفس البناء الذى يخلط الأكاذيب بالحقائق، ويحاول إلقاء مسئولية الفشل الإسرائيلى مع حماس على قوة كبيرة ضد مصر وهى رسالة تبرير للداخل الإسرائيلى أولًا، ورسالة شكوى واستعطاف الرأى العام الأمريكى والأوروبى ثانيًا، ورسالة تحريض خبيثة ضد مصر ثالثًا، وهو انعكاس لقلق إسرائيلى حقيقى رابعًا.. ولعل الإسرائيليين يجب أن يسألوا أنفسهم إذا كانت مصر قد أدخلت كل هذه القوات لسيناء فى وجود الاتفاقية، فكم من القوات ستدخل إذا تم إلغاؤها؟!! ومع ذلك فلا يخلو الهجوم الصهيونى من فائدة، وهو أنه رد غير مباشر على قطعان الذباب الإخوانى التى تزايد على الدولة المصرية، وتشكك فى مواقفها، فى حين تشكل مواقف مصر سببًا دائمًا لكل هذا الرعب الإسرائيلى.. المسألة واضحة.. لكنهم عُمى لا يبصرون.