رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القفز فوق الألغام 4..

محمد الباز يكتب: «احتواء الغضب».. الأعمدة السبعة لموقف مصر من حرب غزة

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز

- بشهادة الجميع كانت مصر هى صاحبة النصيب الأكبر فى جمع المساعدات والشاحنات التى وقف وراءها التحالف الوطنى ومؤسسة حياة كريمة

- التعنت الإسرائيلى لم يجعل مصر تتراجع أو تستسلم بل دفعت بقرارها بعدم فتح المعبر أمام الرعايا الأجانب

فى المواجهات السابقة بين جيش الاحتلال الإسرائيلى والفلسطينيين فى غزة وغيرها، كان موقف الشارع المصرى يسبق موقف النظام، لكن فى المواجهة التى تشكلت بفعل «طوفان الأقصى» ٧ أكتوبر ٢٠٢٣ كان للنظام السبق فى بلورة موقفه وإعلانه وتسويقه والإصرار عليه. 

اللافت أن موقف النظام المصرى لم يكن سابقًا فقط، ولكنه كان مستجيبًا وملبيًا لتوقعات الشارع المصرى الحقيقى، ولن أفارق الواقع إذا قلت إنه فاق هذه التوقعات بمراحل، للدرجة التى جعلت معارضًا كبيرًا للنظام المصرى يقول لى عندما سألته عن توصيفه لما يراه من حوله: «الحقيقة الموقف المصرى مما يجرى فى غزة لا يوجد به خدش واحد». 

فى زحمة تسارع الأحداث وتعاقب الوقائع وتصاعد الصدام وتوالى البيانات وتعدد اللقاءات وتواصل الاتصالات التليفونية، كان مهمًا أن تكون خريطة الموقف المصرى واضحة، وأعتقد أنه منذ اللحظات الأولى لاندلاع الصراع كانت لدى صانع القرار فى مصر رؤية واضحة ومحددة للموقف، وهى الرؤية التى يمكن أن أوجزها لحضراتكم فى نقاط محددة كانت حصيلة نقاشات متعددة مع عدد من المسئولين المصريين الكبار: 

أولًا: ضرورة الحفاظ على الأمن القومى المصرى.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مصر لا تنتظر أحدًا ليحدد لها أولوياتها فى الحفاظ على أمنها القومى، بل تعرف جيدًا حدود هذا الأمن وتملك الآليات للحفاظ عليه، دون مزايدة من أحد، ودون خضوع لابتزاز ممن يريدون تحقيق مصالحهم سواء من الداخل أو الخارج، وكما أن لهذا الأمن ثوابته الواضحة، فإنه يتجاوب بمرونة شديدة مع المتغيرات على الأرض. 

ثانيًا: من المهم الحفاظ على اتفاقية السلام مع إسرائيل، فقد دفعت مصر ثمنًا كبيرًا وغاليًا جدًا، حتى تصل إلى هذه المعاهدة، وتعرف مصر جيدًا قيمة السلام الذى ساعد ويساعد فى استقرار المنطقة، والذى مكنها من تجاوز التحديات التى واجهتها خلال العقود الماضية، وعلينا أن نتخيل فقط إذا واصلنا الحرب مع إسرائيل حتى الآن، حتمًا ما كان لنا أن نصل إلى ما وصلنا إليه من استقرار، ثم إن هذا السلام نفسه، هو الذى أتاح للإقليم كله أن ينعم بحالة الاستقرار، فعندما تكون مصر فى حرب، فإن المنطقة كلها شاءت أم أبت تكون فى حرب. 

ثالثًا: تتركز جهود مصر التى تبذلها على مستويات مختلفة فى دعم القضية الفلسطينية بشكل عام، فالدعم ليس لفصيل بعينه، ولا لحركة معينة، لذلك فإن مصر تؤكد أنها تقوم بما تقوم به ليس انتصارًا لحركة حماس التى وقفت فى قلب عملية «طوفان الأقصى»، ولكنها تسعى جاهدة إلى أن تكون جهودها موجهة بالأساس إلى دعم القضية الفلسطينية، وعدم تعريضها لخطر التصفية، ومن أسباب رفض مصر خطة التهجير أنها ترى أنه فى جانب من جوانب هذه الخطة إنهاء للقضية بشكل كامل. 

رابعًا: لدى مصر مرجعياتها الواضحة فى صياغة موقفها، وهذه المرجعيات تتمثل فى اتفاقية السلام، والقرارات الدولية، وتحديدًا قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وبنود اتفاقية أوسلو، والمبادرة العربية التى صاغها الملك عبدالله عام ٢٠٠٢، فهى تعتبر أن هذه المرجعيات تمثل الإطار العام الذى تتحرك من خلاله مسترشدة بها فى تحديد النظرة الكلية والزاوية التى تصيغ من خلالها موقفها، وهو ما يمنح هذا الموقف شرعيته التى يحددها القانون الدولى. 

خامسًا: لن تتأخر مصر فى تقديم أى شكل من أشكال الدعم والمساعدة لأهل فلسطين فى أى ظرف وفى ظلال أى تحديات، لكن بشرط أن يكون هذا الدعم وهذه المساعدات داخل فلسطين وليس خارجها، ففى الوقت الذى يخرج فيه الفلسطينيون من ديارهم إلى الخارج أيًا كانت وجهة هذا الخارج، فإن ذلك يعنى نهاية القضية وتصفيتها، وهو ما يسعى له الآخرون، لكن مصر لا تريده ولن تسمح به، ففى وجود الفلسطينيين داخل أراضيهم إبقاء على القضية «حية ومشتعلة»، كما أن تواجد الفلسطينيين فى أراضيهم يعنى أننا نملك كتلة صلبة يمكن على أساسها الوصول إلى حل الدولتين، طال الزمن أو قصر. 

سادسًا: فى إدارتها للأزمة قررت مصر عدم التورط فى أى صراع إقليمى أو الدخول فى حرب بالوكالة عن أى طرف من الأطراف، فمصر ترى نفسها وتتعامل على أساس أنها دولة قائدة وليست تابعة، فموقع مصر الجغرافى الذى يمنحها قوة خرافية ليس للإيجار، كما أن جيشها ليس أبدًا جيش مرتزقة، فهو يدافع عن حدودها ويحمى أمن بلده القومى، وليس مطروحًا أبدًا أن يقاتل خارج حدوده، إلا إذا استدعى الأمر ذلك، فساعتها لن يتأخر، بل كما قال قائد الجيش الثالث الميدانى اللواء أركان حرب شريف جودة العرايشى، فى تفتيش حرب الفرقة المدرعة فى ٢٥ أكتوبر ٢٠٢٣: «جاهزون لطى الأرض فى أى مكان يتم تكليفنا بالانطلاق إليه». 

سابعًا: عدم تديين الصراع، وبالتالى تخليص الخطاب الخاص بالقضية الفلسطينية من المسحة الدينية، لأن هذه المسحة تحديدًا هى التى ألحقت أضرارًا بالغة بالقضية ومسارها عبر العقود الماضية، فالصراع الذى يحدث على الأرض ليس إلا صراعًا سياسيًا، ولا بد من التعامل معه بالأدوات السياسية، وبذلك يمكن قطع الطريق على جماعات الإسلام السياسى التى استغلت القضية خلال العقود الماضية لحشد مؤيدين لها، حققت من خلالهم مصالحها الخاصة، دون أن تقدم شيئًا حقيقيًا أو ملموسًا للقضية، بل إن هذه الجماعات كانت تواصل الهتاف من أجل القضية فى أوقات سيولتها، وتختفى تمامًا فى لحظات الصدام الخشن، وهو ما كشفت عنه عملية «طوفان الأقصى»، فلا نكاد نرى من بين هذه الجماعات من أخذ موقفًا فى صالح القضية، بل اكتفوا عبر منصاتهم بالإدانة والشجب وتشويه أصحاب المواقف الحقيقية. 

هذه البنود السبعة التى صاغت مصر موقفها على أساسها، كانت وراء الإجراءات المصرية على الأرض، وهى إجراءات كانت مفصلية طول الوقت، كل إجراء من بينها كان يمثل نقلة نوعية فى سير الصراع المتصاعد والذى لا يريد أن يهدأ. 

ويمكننا الإشارة من بين هذه الإجراءات إلى أربعة قرارات واضحة، لا تقبل تأويلًا فى تحقيق أثر ملموس على الأرض. 

القرار الأول كان رفض فتح المعبر من الناحية المصرية لمرور الرعايا الأجانب، إلا بعد فتحه من الناحية الأخرى لمرور المساعدات ومواد الإغاثة الغذائية والطبية لأهالينا فى غزة. 

لقد بدأت مصر منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأحداث فى حشد كل جهودها لجمع أكبر قدر من المساعدات لإغاثة أهل غزة، وكان قرارها بتحويل طاقة الغضب إلى فعل إيجابى من خلال جمع هذه المساعدات والدعوة للتبرع ومطالبة الدول الأخرى بالقيام بواجبها الإنسانى لدعم الشعب الفلسطينى عملًا مميزًا إلى درجة كبيرة، فليس من المناسب أن نكتفى بالشجب والإدانة والهتاف، تاركين الأهالى فى غزة أسرى للضياع والجوع ونقص الأدوية والوقود. 

بشهادة الجميع كانت مصر هى صاحبة النصيب الأكبر فى جمع المساعدات، والشاحنات التى وقف وراءها التحالف الوطنى ومؤسسة حياة كريمة تشهد على ذلك، فعلت مصر ما فعلته وهى تُعانى اقتصاديًا إلى مدى لا يمكن أن يتصوره أحد.

لم تلتفت مصر إلى أن هذه المساعدات يمكن أن تؤثر على مخزونها الاستراتيجى من السلع، ولكنها فكرت فقط فى أن أهالى غزة فى حاجة ماسة إلى كل وأى مساعدة. 

لم تنتظر مصر مساعدات تأتيها من الخارج، ولم تلتفت إلى أن عددًا من الدول الكبرى أرسلت مساعدات يمكن أن نعتبرها رمزية إلى درجة كبيرة، لم تفصح مصر عن ذلك، بل اعتبرت أن قدرها هو الذى يدفعها لأن تكون فى المقدمة دائمًا، حتى لو كلفها ذلك الكثير. 

وقفت شاحنات المساعدات تنتظر، ولم يكن مفاجئًا أن تتوالى تصريحات قادة إسرائيل، وعلى رأسهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه لن يتم فتح المعبر تحت أى ظرف من الظروف. 

هذا التعنت الإسرائيلى لم يجعل مصر تتراجع أو تستسلم، بل دفعت بقرارها بعدم فتح المعبر أمام الرعايا الأجانب إلى مسرح الصراع، فسيطر على خريطة المتداخلين للحل، فكان أن تحرك العالم لبذل مزيد من الجهد لفتح المعبر من الناحية الأخرى لمرور المساعدات. 

قد يكون مرور شاحنات المساعدات الذى جرى غير كافٍ، وقد تكون إجراءات العبور نفسها فيها الكثير من التعسف والتعنت، لكننا أصبحنا نمسك بمساحة من الأرض يمكننا أن نتحرك عليها، كما يمكننا أيضًا توسعتها. 

القرار الثانى كان اتفاق مصر والأردن وفلسطين على إلغاء المؤتمر الرباعى مع الرئيس الأمريكى جو بايدن والذى كان سيستضيفه الأردن فى ١٨ أكتوبر ٢٠٢٣، وهو القرار الذى تم التوافق عليه بعد أن قام جيش الاحتلال بقصف مستشفى المعمدانى مساء ١٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وهو القصف الذى كان فاصلًا فى الأحداث، فقد رأت الدول الثلاث أنه لا معنى على الإطلاق لأى كلام يمكن أن يقوله الرئيس الأمريكى، ثم إن الشعوب العربية لن تقبل منه أى تفسير أو تبرير لا يكون من شأنه وقف هذه الحرب، هذا علاوة على أن الوحشية الإسرائيلية التى يعرف الجميع أن أمريكا ترعاها كانت لا تزال تتواصل على الأرض. 

لعب قرار إلغاء المؤتمر قبل ساعات من انعقاده دورًا كبيرًا فى تنبيه العالم إلى أن الشعوب العربية غاضبة، وأنها لن تقبل كلامًا، بل تنتظر فعلًا، وأعتقد أن الرئيس السيسى لعب دورًا كبيرًا فى إلغاء هذا المؤتمر، بعد أن رأى بنفسه الصور والفيديوهات التى تسجل وتوثق لمجزرة مستشفى المعمدانى، فقد قال لمن حوله بعد أن رأى الصور والفيديوهات أكثر من مرة: «ما يحدث تجاوز مرحلة الجنون». 

القرار الثالث كان تصدير النظام المصرى لموقفه الرافض لخطة التهجير من خلال كل القنوات السياسية والدبلوماسية والإعلامية، واعتبار هذا الموقف مبدئيًا ونهائيًا ولا تفاوض بشأنه، وكان مهمًا ما فعله الرئيس عندما أشار إلى أن هذا الموقف ليس رسميًا فقط، بل هو موقف شعبى، وتأكد ذلك للعالم كله عند خروج ملايين المصريين يوم الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ فى مظاهرات حاشدة عمت الشوارع والميادين لتؤيد الموقف الرسمى، ولتكتب رسالة واضحة إلى العالم كله بأن مصر كلها تقف خلف قيادتها السياسية فى مجمل مواقفها. 

كان هذا القرار الحاسم والصارم سببًا فى تغيير الخطاب العالمى تجاه ما تخطط له إسرائيل بشأن نقل الفلسطينيين إلى غزة. 

لقد تلقى الرئيس السيسى اتصالين هاتفيين من الرئيس الأمريكى جو بايدن. 

الاتصال الأول كان فى ١٦ أكتوبر ٢٠٢٣، وتم خلاله الاتفاق على خطورة الموقف وأهمية احتوائه بما لا يسمح باتساع دائرة الصراع، وتهديد الأمن والاستقرار الإقليميين، كما تم التوافق بشأن أولوية حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. 

الاتصال الثانى جرى فى ٢٩ أكتوبر ٢٠٢٣، وفيه تحدث الرئيس السيسى عن موقف مصر بضرورة التوصل لهدنة إنسانية فورية، لتعزيز الجهود المكثفة التى تقوم بها مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة وكل الأطراف الدولية الفاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة لإيصال المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية لأهالى غزة. 

فى الاتصال ذاته حرص الرئيس السيسى على الحديث بوضوح مع الرئيس الأمريكى بخصوص خطة التهجير، وكان من بين ما قاله لجو بايدن: مصر لم ولن تسمح بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأراضى المصرية، فرد الرئيس الأمريكى بأن الولايات المتحدة ترفض نزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم. 

لم يكتف الرئيس الأمريكى بما قاله فى الاتصال التليفونى، بل قال له إنه إذا كان هذا موقفه، فلا بد أن يعلنه بشكل رسمى عبر وسائل الإعلام، وأن يتضمن بيان البيت الأبيض عن الاتصال كلامه عن خطة التهجير تحديدًا وهو ما جرى بالفعل. 

بعد يومين من هذا الاتصال وفى ٣١ أكتوبر ٢٠٢٣ أعلنت واشنطن وبشكل رسمى عن موقفها، وذلك من خلال بيان أصدرته السفارة الأمريكية فى القاهرة، حيث أشارت إليزابيث جونز القائمة بأعمال السفير الأمريكى لدى مصر إلى أن السفارة الأمريكية ترحب بالأخبار الواردة من معبر رفح الحدودى، وأن بلادها ممتنة للقيادة المصرية لتسهيل العبور الآمن للمواطنين الأجانب من غزة، وتحترم بشكل كامل سيادة مصر واحتياجات الأمن القومى. 

وضعت جونز الاتصال الذى جرى بين الرئيس السيسى وجو بايدن فى جملة مفيدة، عندما أضافت: الرئيس الأمريكى جو بايدن أكد من قبل للرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى موقف بلاده برفض نزوح الفلسطينيين خارج أراضيهم، وهذه المرة نؤكد أن الولايات المتحدة ملتزمة تمامًا بضمان عدم تهجير الفلسطينيين من غزة إلى مصر أو أى دولة أخرى. 

المكسب الحقيقى الذى حققته مصر من الإعلان الأمريكى الرسمى لرفض خطة التهجير وعدم الانحياز لنقل الفلسطينيين إلى غزة، كان فى الأثر البالغ فى تغيير الخطاب السياسى لمعظم الدوائر العالمية، فهى معظمها تابعة للقرار الأمريكى، وكان طبيعيًا بعد أن تغير الإدارة الأمريكية لهجتها ولغتها، أن تفعل هذه الدوائر ذلك أيضًا. 

القرار الرابع كان فى إصرار مصر على عقد مؤتمر السلام فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣، فقد كان مهمًا أن يستمع العالم إلى صوت القضية الفلسطينية من القاهرة، وأن تقود مصر دول العالم المختلفة إلى مائدة يتم من خلالها الحديث عما يجرى بشكل حقيقى بعيدًا عن رسم الصورة بواسطة إسرائيل وحدها، وهى الصورة التى اعتمدها الغرب وبدأ يتعامل على أساسها. 

قبل مؤتمر السلام بيوم واحد وفى يوم الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٣ ومن أمام معبر رفح وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش رسالة إلى العالم، قال: يوجد مليونا شخص يعانون بشكل هائل دون ماء أو غذاء أو دواء أو وقود، وعلى هذا الجانب الكثير من الشاحنات المحملة بالماء والغذاء والدواء، هى الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لسكان غزة، نحتاج لتحريكها إلى الجانب الآخر بأسرع وقت ممكن وعلى نطاق واسع. 

قرر جوتيريش أن يفضح التواطؤ الأمريكى الإسرائيلى ضد غزة، فأشار إلى أنه تم الإعلان مؤخرًا من الولايات المتحدة وإسرائيل عن أن المساعدات الإنسانية سيسمح لها بالدخول إلى غزة، وإلى الاتفاق بين مصر وإسرائيل بهذا الشأن، لكن هذا جاء مع بعض القيود والشروط، ونحن الآن نتواصل بشكل فعّال مع كل الأطراف، مع مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، لضمان توضيح تلك الشروط والحد من القيود لنتمكن فى أقرب وقت من تحريك الشاحنات إلى المناطق التى تشتد حاجتها إليها. 

واصل الأمين العام للأمم المتحدة فضحه لما يجرى على الأرض، فقال: لا نريد معاقبة سكان غزة مرتين، أولًا بسبب الحرب، وثانيًا بسبب عدم توفر المساعدة الإنسانية.

كان المشهد دالًا، وكان من رسموه وأخرجوه بهذه الصورة يعرفون جيدًا الأثر الذى سيترتب عليه، فقد كان أقرب إلى تسخين الأجواء لاستقبال مؤتمر السلام الاستقبال الذى يليق بأهدافه والمرجو منه، وهو ما حدث بالفعل، فقد كان لما فعله الأمين العام للأمم المتحدة دور فى تنبيه العالم إلى أن ما يتم فى غزة حرب إبادة، وليس كما تقول إسرائيل رد اعتداء. 

لم يسفر مؤتمر السلام عن بيان نهائى تستقر فيه الأطراف المشاركة على رأى واحد، وهو ما دعا رئاسة الجمهورية إلى أن تصدر بيانًا من ناحيتها توضح فيه حدود الموقف وملامحه. 

أزعج هذا الكثيرين، حيث اعتبروا أن مؤتمر السلام فشل فى تحقيق أهدافه، دون أن يلتفتوا إلى أن عقد المؤتمر فى حد ذاته يعتبر نجاحًا للجهود المصرية التى انطلقت من أرضية مبادئها السبعة فى التعامل مع القضية الفلسطينية.

أما كيف كان مؤتمر السلام ناجحًا بكل المقاييس؟ 

فهذا حديث آخر.. المخفى فيه أكثر من المعلن.