رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طَرَف من المساعدات المصرية لغزة


لا تعتبر مصر أمن فلسطين مما يخص فلسطين وحدها، بل هو أمننا القومي العربي بأسره؛ جدارنا العربي التاريخي الذي كمن وراءه الإسرائيليون، ويحاولون اختراقه دوما، بترتيبات خبيثة وباستغلال ظروف مركبة، والنفاذ من خلاله إلى دول الجوار لفرض أنفسهم عليها، بشكل أو بآخر، ومن ثم إلى البلاد العربية الأخرى، لاحتلالها الفعلي كفلسطين ودفن تراثها ونهب ثروتها.
لا تتباطأ بلادنا، في جميع الأحداث التي يمر بها الأشقاء هناك بمدى الأزمنة والأوقات، وكم تكون أحداثا مؤسفة ومقلقة- عن تقديم كافة المساعدات الإنسانية للشقيق الفلسطيني الذي تعتبره إنسانا كامل الأهلية طبعا، ككل إنسان في هذا العالم، في حين أن الإسرائيليين يعتبرونه دوما زائدة دودية، من الأحسن استئصالها تجنبا لأضرارها المحتملة!
معبر رفح هو شريان حياة كبير للفلسطينيين ومهم وشهير، ربما كان الأكبر والأهم والأشهر مطلقا، وكل مشكلة تجري عنده، في الظروف العسيرة كالحرب والعدوان، كضيق يصيب الأنفاس ومقاربة أكيدة للموت، ولكن إسرائيل لا تبالي، ولو ناداها الجيران الموثوق بهم والمنادون ذوو الحيثية أن تبالي؛ فطالما يتعنت الإسرائيليون فيبالغون في تفتيش الشاحنات الداخلة إلى البلد المحتل، مهما تكن الصعوبات بالداخل، كما أصروا على منع مواد الطاقة، في هذه المرة، بحجة أن حركة حماس هي الداعية إلى جلب الوقود وهي من تستخدمه وتنتفع به.. لا يسع المعبر ما تقدمه مصر فقط، إنما ما يقدمه الآخرون من جميع أنحاء العالم أيضا؛ وعلى هذا يكتسب صفة دولية بجانب صفته الإقليمية.
مساعدات مصر لفلسطين تشمل كل الاحتياجات الضرورية: أغذية، لحوم، مياه، دواء، مستلزمات طبية، أسرّة، ملابس، أغطية للشتاء، خيام، وبالإجمال كل ما يطلبه بشر يعيشون في ضنك شديد وأزمة تتلوها أزمة، باستثناء ما لا تتفق عليه الأطراف من البداية، وإن كنا نضغط، كغيرنا، محاولين أن نثني الجانب الإسرائيلي عن تصلب رأيه الناتج عن مخاوفه التي لا تنتهي طبعا!   
تتشارك في تقديم هذه المساعدات عدة جهات تطوعية، كالهلال الأحمر المصري والتحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي بكل ما يضمه من الكيانات الخيرية (بنك الطعام، المبادرة الرئاسية حياة كريمة، مؤسسة أهل مصر، مؤسسة مصر الخير، مؤسسة مرسال، بنك الشقاء، صناع الخير، جمعية الأورمان، صناع الحياة، مؤسسة أبي العينين، جمعية رسالة، مؤسسة الجود، مؤسسة الجارحي، مؤسسة العربي، الهيئة القبطية الإنجيلية، جمعية الدكتور مصطفى محمود)، وتتحمل القوافل ما تتحمله من الانتظار الطويل في كثير من الأحايين والأخطار المحيطة بها سرمديا، لكنها تعلم أنها تعمل في أجواء استثنائية فتحذر ما أمكنها الحذر..
لا تكتفي مصر بذلك، ولكن تستقبل في مستشفيات شمال سيناء أعدادا من الجرحى، تقوم بمداواتهم، ثم تردهم إلى القطاع معافين، هكذا لأنها تتفهم أحوال المستشفيات في الداخل الفلسطيني؛ فتمد يد العون، راضية، حفاظا على الأرواح، ولن يجد المتابع الأمين دولة تضلع بما تضلع به مصرنا الحبيبة من أدوار نبيلة متفرقة، تخفف عناء إخوتنا الذين نقدر ما هم فيه من الويل والشقاء.. من هذه المستشفيات: المستشفى الميداني بمنطقة الشلاق وهو قريب من ميناء رفح البري، مستشفى الشيخ زويد، مستشفى العريش، مستشفى بئر العبد، وغيرها، وكلها مستشفيات كاملة التجهيز، وكوادرها الطبية حاضرة على مدار اليوم وتامة المهارة والاستعداد. 
لا نمن على فلسطين وأهلها بما نفعله من أجلها لا سمح الله؛ فالعلاقات المصرية الفلسطينية فوق الوصف تكاملا ومؤازرة، هناك ارتباط مصيري وثيق بين البلدين، ومصر قائدة في عيون العرب قاطبة، وما نفعله أو نقوله من أجل فلسطين بمثابة أعمال طيبة نعملها وكلمات سديدة نقولها من أجل أنفسنا؛ فأمننا القومي واحد كما بدأت المقال!
لن تكف مصر، مهما أصابها سوء بسبب الوقوف مع الفلسطينيين، ومهما دفعت أثمانا باهظة في طريق الإيمان بالقضية ودعم شرعيتها وعدالتها، وإنقاذ الوجود الحر هناك، عن المعاضدة التي هي جزء أصيل من عاداتها وتقاليدها، وليشرب الأعداء من البحر كمنطوق التحدي المعروف!