رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون.. وقيادة عجلة الوعى

في حياة الدول التي تشرع في تنفيذ خطط إعادة البناء بشكل عام، وبناء الإنسان بشكل خاص، تتوجه أنظار الناس والمجتمع بشغف نحو مواطنهم المثقف وابنهم الرمز، وتشرئب الأعناق بأمل وطني حالم حول من يثقون به من النخب الثقافية الواعية، وهذه مسئولية كبرى وفرصة عظيمة لمن يحسن توظيفها من المثقفين والمؤثرين، وأن يقف المثقف مع مصالح وطنه وأحلام بني مجتمعه في كل مراحل تأسيس وإعادة البناء، فمساندته تلك الجهود بوطنية وولاء يعني ممارسته دورًا توعويًا يسهم به في توضيح حقيقة ملابسات تلك المرحلة، وما يمكن أن يترتب عليها وكيفية الاستعداد لها، ومواجهتها أو التماهي الوطني معها لغرس بذور النجاح، ولا يجدر بالمثقف أن يتخذ دورًا حياديًا في مواجهة التحديات الخارجية والداخلية، وبشكل خاص عندما يكون التحدي متمثلًا في مواجهة من باتوا يستهدفون الإضرار بمصالح الوطن، ولا يعني ذلك ذهابه إلى الانخراط الساذج في الحملات الاستهلاكية الاستعراضية، الذي يجهل مدبرها والداعي إليها بخطورة ضياع الوقت، وما تدعمه تلك الحملات من رسائل سلبية بشكل خطير ودون وعي لإذكاء روح الخلاف بين التيارات المختلفة، فضلًا عن التسبب في زيادة الاحتقان المجتمعي والتأليب ضد فكرة التعدد والتنوع الفكري المتفاعل في قبول ورضا من الجميع، بل عليه أن يحمل مشعل التنوير ويحسن إدارة ذاته أولًا؛ ليسهم في إخراج المجتمع من عتمة نفق التغييب عن الحضور في ضياء دنيا ونعيم من سبقونا؛ للتحرر من أغلال التبلد والفكر الرجعي بوصايا حملت أختام القداسة الكاذبة، وهو أكثر وعيًا بملامح المرحلة التي يعيشها مواطنوه، وأكثر قدرة على تحويل التحديات السلبية إلى فرص.
ولا ريب أن المجتمع وهو يعيش مراحل التحول، التي نخوض غمارها منذ قيام ثورة 30 يونيو في حاجة لتزود المثقف بكل أدوات المعرفة الجديدة، وقد بتنا ندرس وظيفة المثقف، ونبحث عنه لوضعه تحت المجهر، وذلك في ظل بروز الحاجة إلى دوره، لا سيما أن تقييم دوره ووجوده الإنساني صار ينطلق من حيث مدى تفاعله مع اللحظة التاريخية التي يمر بها مجتمعه، تحت مظلة معايير ذات تفاصيل معروفة، تتعلق بدرجة وعي هذا المثقف، وتموقعه، وكيفية تواصله مع البعض، ضمن المجريات الجديدة، التي تكاد تكون مختلفة عما دأبت عليه التقويمات السابقة.
ورغم أن المثقف الحقيقي يدرك أن اختياراته الأخلاقية خلال الأزمات، قد تعرضه للأذى من مخالفيه، الذين يجنحون للمواجهات غير النزيهة، لكنه الثمن الذي يدفعه المثقف وصاحب الدور التنويري والإصلاحي في أي مجتمع ينتسب إليه خلال رحلة النمو والتغيير، وعلى المثقف أن يتذكر رسالته الأسمى على أرض وطنه، ويكفيه شرفًا أن يقود عجلة الوعي التي إذا بدأت لن تتوقف بإذن الله عن الدوران.
أعتقد أن دور المثقف- خارج أطر المناسبات والمواسم السياسية والاجتماعية التي تزخر بها دهاليز ودروب السياسة الانتهازية المتقلبة كأجواء الخماسين، التي كثيرًا ما تحجب الرؤية بزعابيب أمشير المجنونة- لديه رسالة وعليه دور إنساني وفكري ومجتمعي، والمفروض أنه يمتلك رؤية تتجدد ملامحها؛ تمكنه من الانطلاق بمشاريع إبداعه لخدمة ناسه وأهله، مستشرفًا المستقبل، طامحًا إلى أن تعكس إنجازاته الإبداعية كشف حقيقة وشكل الواقع، ومشكلاته وأسبابها، ناظرَا إلى الأمام، مبشرًا بحلم الإنسان في العدل والسعادة وامتلاك حقوق "المواطنة الكاملة ".. وأرى أن عليه:
• نبذ وتحقير من يدعمون شيوع الروح الانهزامية الكسولة، وحالة فقدان الثقة التي تعاني منها الجماهير في مراحل الانكسار والتردي الحضاري.
• لابد من تفهم أن التعامل مع الأمور السياسية لابد أن يكون بوعي وحصافة أصحاب الخبرات الميدانية، فكل أمورنا باتت تمر من أبواب ومنعطفات السياسة، فلابد من الجاهزية الفاعلة للتفاوض مع كل الأطراف.
• الدفع في اتجاه تعبئة الجمع الوطني ضد محاولات الفرقة والتفرقة والتنابذ والخلاف، سواء من الداخل أو الخارج، وجذب النخب المثقفة للتفاعل الإيجابي مع متطلبات المرحلة من عقد اتفاقات مرحلية يمكن البناء عليها عبر إعادة قنوات الحوار الموضوعية بين فئاتها المختلفة.
• تفعيل قنوات الاتصال المباشر والتواصل الفكري بين مثقفي كل القوى المحيطة، واستثمار فكر مثقفي أبناء الوطن في الخارج على اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية وتخصصاتهم العلمية والفنية.
• المواجهة الحازمة لكل من يعملون بشكل مؤامراتي أو نفعي فردي في اتجاه إضعاف وإهدار العقل المصري الوطني بدءًا من الأمية، وانتهاء بنزيف الأدمغة المتميزة، وما بينهما من فكر الخرافة والدجل باسم وتحت مظلة علمية وهمية، والانتهازية الفكرية، والتجريم المستحق لمرتكبي السرقات العلمية، ومن يدفعون في اتجاه الاستبعاد والتجهيل بالمعارف والعلوم الحديثة، وكل من يهدر تفعيل وتنمية إنتاجنا التعليمي والبحثي الجاد والحقيقي.
• التمسك بالحق في توجيه سياسات مؤسسات التنشئة والتعليم والثقافة والإعلام، ومواصلة عمليات رصد أدائها، ومدى تحقيق أهدافها المرحلية والعامة.