رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حاسم وواضح وصريح ونقى

الدم والخراب والخسة التى خلّفها العدوان الوحشى على الفلسطينيين فى غزة يصعب تحملها.. الدعم الأمريكى والأوروبى المعلن ودعم بعض دول المنطقة «من تحت الترابيزة» للعدوان ضاعف من المأساة.. المظاهرات فى أوروبا وأمريكا ترفع العلم الفلسطينى وتندد بوحشية المحتل، والسفن والطائرات والغواصات التى تمتلكها دول المتظاهرين تتحرك لدعم هذا المحتل، أى عالم هذا؟ وفى أى زمن نعيش؟ وقت كتابة هذا المقال تجاوز عدد الشهداء فى غزة وحدها الـ٨٠٠٥ شهداء، بينهم ٣٣٤٢ طفلًا و٢٠٦٢ سيدة و٤٦٠ مسنًا، ولا نعرف كم سيُضاف إليهم بعد ساعات، وبالطبع لن يتوقف الساسة والزعماء عن أسفهم الشديد، وعن ضرورة فتح ممرات إنسانية، وربما أرسل المتواطئون طائرات مساعدات. الإعلام الغربى منحاز وغير أمين ومضلل، لا تعنيه الحقيقة، يروج للأكاذيب الصهيونية مثله مثل بعض القنوات التى تسمح للقتلة بالحديث أكثر مما تسمح للضحايا. مشاهد المظاهرات فى بعض العواصم يوحى بديمقراطية هذه البلاد.

عصابة لم تكن موجودة على الخريطة سنة ١٩٤٧، سارع العالم الغربى المتحضر «بتاع» الديمقراطية وحقوق الإنسان إلى الوقوف إلى جوارها فى ٢٠٢٣، لكى تقصف المستشفيات وتغتال الأطفال وكبار السن والنساء، وسارع آخرون بالشجب المعهود المشحون بالحماس الشعبوى، وبقيت مصر تقريبًا بمفردها هى وتاريخها وجيشها وشعبها وإنسانيتها على موقفها من دعم القضية الفلسطينية وحل الدولتين فى حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ على أن تكون القدس عاصمة فلسطين، مصر رفضت التهجير حفاظًا على هذه القضية، ولأنها تشعر بمسئولية أخلاقية تجاه شعب أعزل يقاوم احتلال همجى سلبه أرضه ولكنه لم ينجح فى سلبه كرامته وحقه فى المقاومة. نتنياهو الفاشل أعرب عن رغبته فى تحقيق «نبوءة إشعياء» باعتباره من «أبناء النور» الذين يحاربون «أبناء الظلام».. نبوءة إشعياء، كما هو معروف، واحدة من أبرز النبوءات فى الكتاب المقدس، تتألف من ٦٦ إصحاحًا، ويعود تاريخها إلى القرون الأولى قبل الميلاد، إشعياء كان نبيًا يهوديًا بارزًا فى المملكة الجنوبية ليهوذا «أحد أبناء النبى يعقوب (إسرائيل) الاثنى عشر»، وقد جرى توثيق نبوءاته فى سفر إشعياء فى العهد القديم. نتنياهو المؤمن بالنبوءة التى تستهدف مصر فى العقيدة اليهودية التى تحكم إسرائيل والتى جاء فيها «هَا هُوَ الرَّبُّ قَادِمٌ إِلَى مِصْرَ يَرْكَبُ سَحَابَةً سَرِيعَةً، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ فِى حَضْرَتِهِ، وَتَذُوبُ قُلُوبُ الْمِصْرِيِّينَ فِى دَاخِلِهِمْ. وَأُثِيرُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ فَيَتَحَارَبُونَ، وَيَقُومُ الْوَاحِدُ عَلَى أَخِيهِ، وَالْمَدِينَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالْمَمْلَكَةُ عَلَى الْمَمْلَكَةِ، فَتَذُوبُ أَرْوَاحُ الْمِصْرِيِّينَ فِى دَاخِلِهِمْ، وَأُبْطِلُ مَشُورَتَهُمْ، وَتَنْضُبُ مِيَاهُ النِّيلِ وَتَجِفُّ الأَحْوَاضُ وَتَيْبَسُ. وتُنْتِنُ الْقَنَوَاتُ، وَتَتَنَاقَصُ تَفَرُّعَاتُ النِّيلِ وَتَجِفُّ»، الكيان العنصرى لا يؤمن بالسلام مع مصر، ويكيد لها حتى لو ابتسم المسئولون لها، هم يعملون ضدها طوال الوقت فى إفريقيا وفى الوطن العربى، ولكن مصر أكبر من خرافاتهم، أطلقوا عليها الكلاب المسعورة والشائعات والمهرولين الذين اعتقدوا أن التطبيع معهم سيجعل لهم مكانة وسط شعب أقدم من نزول الديانات على الأرض، شعب يعرف عدوه، الموقف المصرى واضح وحاسم وصريح ونقى: «لا توطين فى سيناء، فلسطين للفلسطينيين، لا تحاول أن تستفزنى»، ومع هذا نحن دعاة سلام وأكثر تحضرًا منك ومن داعميك المستعمرين الإنجليز الذين زرعوك فى أرض تتحدث العربية وعاش فيها الجميع بسلام قبل مجيئك، أكثر تحضرًا من الفرنسيين الذين لن ينسى العرب جرائمهم الشبيهة بجرائمك فى الجزائر، أكثر من الألمان الذين سارعوا لنجدتك بسبب ابتزازك لهم وبسبب ضيق أفق قادتهم، أكثر تحضرًا من سيدك الأمريكى الذى استلهمت جرائمك من تاريخه مع الإرهاب، من إبادة الهنود مرورًا بهيروشيما ونجازاكى وفيتنام والعراق وأفغانستان و.. و.. الأمم المتحدة «ومنظماتها» ومجلس الأمن ومن على شاكلتهما، لن تنفعك، لأن التاريخ له أسنان حادة، وسيكبر من تبقى من أطفال فلسطين ليواصلوا المعارك ويعودوا للصلاة فى المسجد الأقصى، ولن تشعر بالأمان لأنك جسم غريب شاذ على أرض ليست أرضك، ولأن مصر لا تؤمن بخرافاتك.. ووقت الشدائد تكون على قلب رجل واحد.