رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبده مباشر: شاهدت بنفسى حملات يهودية من أجل جمع تبرعات لقتل العرب وقت دراستى فى ألمانيا عام 1967

عبده مباشر مع الدكتور
عبده مباشر مع الدكتور محمد الباز

قال المراسل الحربى لصحيفة «الأهرام» فى حرب أكتوبر، عميد المحررين العسكريين، عبده مباشر، إن حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ هى أول معركة هجومية فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، والأولى منذ عهد الخديو إسماعيل.

وأضاف «مباشر»، خلال استضافته فى برنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز على قناة «إكسترا نيوز»، أنه على عكس دول مثل اليابان وألمانيا، التى نجحت فى الانتعاش الاقتصادى عقب الهزيمة العسكرية الساحقة، فإن مصر كانت بحاجة لنصر عسكرى؛ لتتمكن من الازدهار والنهضة.

وكشف عن أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر هو من منحه موافقة استثنائية على طلب تطوعه كصحفى مدنى فى مجموعة الصاعقة، التى كان يقودها البطل الشهيد إبراهيم الرفاعى، لأنه أراد أن يرسل رسالة للعدو أن من يحاربهم ليسوا عسكريين فقط، لكنهم مدنيون أيضًا. 

■ كيف أصبحت محررًا عسكريًا؟

- حين كنت طالبًا لم يكن الكتاب يفارقنى، وكانت والدتى- رحمها الله- تبدى اندهاشها من هذا الأمر كلما رأتنى، وقبل انتهاء المرحلة الثانوية أنجزت قراءة مكتبة مدرستى الثانوية فى الزقازيق، وإدارة المدرسة أقامت حفلًا لى، وأعطونى مجموعة كتب، وأيضًا قرأت مكتبة البلدية فشعرت أننى عقاد صغير.

ولفت نظرى شىء مهم جدًا، هو أن نهضة مصر مرتبطة بالانتصار، بمعنى فى حالة تحقيق انتصار عسكرى فهناك ازدهار، أما فى حالة الهزيمة فهناك انكسار.

واليابان ضُربت بقنبلتين عام ١٩٤٥، وبعد مرور ١٠ سنوات وفى عام ١٩٥٥ عادت من جديد كقوة اقتصادية، كذلك ألمانيا تعرضت لهزيمة مُهينة عام ١٩٤٥ وفى عام ١٩٥٤ فازت ببطولة العالم لكرة القدم، كما أن عدَّاءً ألمانيًا أنجز سباق ١٠٠ متر فى ١٠ ثوانٍ لأول مرة فى التاريخ.

فالعالم وفقًا لنظرية الاستجابة والتحدى، تحفزه الهزيمة على الخروج من نطاقها ليتفوق، لكن مصر عند الهزيمة كانت لا تستطيع الخروج من عنق الهزيمة إلا بانتصار عسكرى، وهذا مخالف لما هو متعارف عليه.

فى إحدى المرات كنت جالسًا مع مصطفى أمين وسألنى تحب تشتغل إيه؟ فقلت له أنا عندى كلام لا يتحدث فيه إلا الكبار، قال لى أحب أن أسمعه، فقلت له أنا لاحظت من قراءتى للتاريخ أن هناك ارتباطًا بين الانتصار والازدهار والهزيمة والانكسار، قال لى معنى ذلك أنك تريد أن تعمل محررًا عسكريًا، فقلت له نعم.

حين اخترت أن أكون محررًا عسكريًا كان من منطلق أن الانتصار يجلب النهضة لبلدى، فقررت وضع نفسى فى خدمة القوات التى تحقق الانتصار وقد كان.

■ يمثل نصر أكتوبر نقطة فارقة فى تاريخك ومسيرتك العملية، فكيف تنظر له، وما تأثيره على مسار الوطن؟

- يجب أن ننظر لنصر أكتوبر من البعد التاريخى، فحين ننظر لمصر الحديثة التى بناها محمد على، نجد أن انتصاراته العسكرية وضعت مصر على طريق النهضة، بينما تعطلت النهضة بالهزيمة العسكرية وتدمير الأسطول المصرى فى معركة «نافارين» عام ١٨٢٧، وتعطل مشروعه بالكامل بمعاهدة لندن عام ١٨٤٠، حين تآمر الغرب على مصر.

فى تلك الفترة استطاع محمد على أن يبنى مجده من خلال جيش قوى هجومى يحقق الانتصارات شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ورفع أعلام مصر فى المنطقة المحيطة.

ونتيجة معاهدة لندن خفتت ألوان مصر، لكنها سطعت مرة أخرى فى عصر الخديو إسماعيل الذى أرسل قوات عسكرية لاكتشاف منابع النيل، وانتهى عصر إسماعيل، وجاء عصر توفيق بهزيمة عسكرية واحتلال، ومن تاريخ هزيمة القوات المصرية بقيادة عرابى فى التل الكبير توقفت مصر عن خوض الحروب الهجومية.

وفى إطار الصراع العسكرى المصرى الإسرائيلى خاضت مصر ٣ حروب دفاعية، هى ١٩٤٨ و١٩٥٦ و١٩٦٧، أما حرب ١٩٧٣ فهى أول معركة هجومية فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، وأول مرة منذ عصر الخديو إسماعيل.

٦ أكتوبر ١٩٧٣ كانت أول معركة هجومية، لأول مرة، من أكثر من ١٥٠ سنة، ضد قوة متفوقة كمًا وكيفًا.

■ أين كنت وقت وقوع نكسة ١٩٦٧؟ 

- أنا خريج كلية الحقوق وبعد التخرج توجهت إلى الصحفى الكبير جلال الدين الحمامصى وقلت له أنا درست القانون، لكن أريد أن أعمل صحفيًا وأدرس الصحافة، وبالفعل التحقت بمنحة دراسية فى ألمانيا الشرقية، وسافرت عام ١٩٦٦، وعرفت بأخبار الهزيمة أثناء وجودى هناك.

وكنا مجموعة من الدارسين المصريين والعرب، والحياة فى دولة شيوعية حياة قاسية، فكنا نختار واحدًا كل أسبوع يسافر؛ ليحضر لنا ما نحتاجه من الأطعمة والجرائد والأسطوانات من برلين الغربية.

والدور جاء علىّ يوم الإثنين ٥ يونيو، ووجدت إعلانًا كبيرًا على باب أحد المحلات الكبيرة مكتوبًا به «ادفع ماركًا تقتل عربيًا»، وعندما سألت عن الأمر قالوا لى إن العرب يريدون رمى إسرائيل فى البحر وبدأوا الحرب ضدها.

هذا الإعلان وجعنى جدًا وذهبت للمسئولين الألمان وقلت لهم أريد عمل حملة مضادة، ويكون شعار الحملة «ادفع ماركًا تنقذ عربيًا»، وبالفعل وافقوا وحددوا لنا المؤسسات التى سنذهب إليها، وبدأنا نمر عليها نتحدث ونجمع التبرعات، فكنا نجمعها وآخر النهار نعطيها إلى الجهات الألمانية المختصة.

وقابلت طالبًا ألمانيًا فى مؤتمر، وكان يتصدر العمل الطلابى فى برلين الغربية، وقاد فيما بعد ثورة الطلاب فى ألمانيا عام ١٩٦٨، ووافق على مشاركتى فى حملة التبرعات وجمعنا حوالى ٢ مليون مارك.

كنا نعتقد أننا انتصرنا، لكن يوم ٨ يونيو تكشفت الحقيقة، وعرفنا أننا هُزمنا هزيمة نكراء، وبدأنا نقرأ الجرائد الغربية من أول وجديد، واكتشفنا أن الهزيمة ليست عسكرية فقط، ولكن هزيمة للنظام بالكامل، وعدت إلى مصر يوم ١٥ يونيو بطائرة محملة بمعدات طبية بما جمعناه من تبرعات.

■ ما تفاصيل زيارة الرئيس جمال عبدالناصر إلى جريدة «الأهرام» عام ١٩٦٧؟

- انتقلت إلى جريدة «الأهرام» فى نوفمبر عام ١٩٦٧م، مع افتتاح المبنى الجديد، وشهدت زيارة الرئيس جمال عبدالناصر. الزيارة مرتبطة فى ذهنى بمقال كتبه الأستاذ أحمد بهجت بعنوان «بيتنا الذى بنيناه معًا» وهو مقال بديع تناول فيه زيارة الرئيس، حيث وصف الزيارة ككاتب متميز وحساس. وبعد إعلان الرئيس جمال عبدالناصر تنحيه، ثم تراجعه مرة أخرى، بدأ الإعداد لمعركة الكرامة، وأعلن أننا سنحارب ولن نستسلم.

■ كيف تحولت من العمل الصحفى العادى إلى العمل الصحفى على جبهة القتال؟

- بدأت عملى كمحرر عسكرى لسببين الأول هو أن أزور الجبهة وألتقى القادة وأسمع منهم عن أسباب النكسة، والشىء الثانى هو أننى تحدثت مع الشهيد إبراهيم الرفاعى رحمه الله.

فى زيارتى للجبهة قابلت القادة، وكنت وقتها ما زلت فى جريدة الأخبار، وكان معى الدكتور صلاح قبضايا، وفاروق الطويل من مجلة آخر ساعة، وكنا نسعى لمعرفة حقيقة ما جرى وتسبب فى النكسة.

وبينما كنا فى القنطرة حدثت معركة «رأس العش»، حيث كانت فاتحة المعارك فى ١ يوليو ١٩٦٧، وأظهر فيها أفراد الصاعقة بسالة وشجاعة نادرتين.

فى شرق القناة الأرض طينية موحلة، ويصعب الإقامة بها، لكن أفراد الصاعقة كانوا يستقرون هناك رغم الظروف الصعبة جدًا.

فى معركة «رأس العش» حاولت سرية دبابات إسرائيلية التسلل، لكن أفراد الصاعقة بقيادة إبراهيم الرفاعى تصدوا لها، رغم أن صوت الدبابات كان مخيفًا، لكنهم وقفوا وضربوا الدبابة الأولى والدبابة الثانية والثالثة، ومن ثم استشعروا قرب الانتصار وسرت الحماسة فى باقى القوات، فبدأوا يتوافدون على المكان ومعهم الذخيرة والسلاح؛ لمعاونة أفراد الصاعقة، وكانت هذه المعركة بادرة أمل أحيت فى النفوس الإيمان بقدرة مصر على الانتصار، وأعادت الثقة فى براعة جنودنا.

■ ما انطباعك الأول فى أول زيارة لك إلى الجبهة؟

- انطباعى فى أول زيارة للجبهة هو رؤيتى مدى صلابة وجسارة المقاتل المصرى، بصرف النظر عمَّا سمعته عن أسباب الانسحاب و١٩٦٧ والحشد، وكل الكلام السلبى الذى سمعناه، لكن معركة «رأس العش» جددت الأمل.

وتحدثت مع الشهيد إبراهيم الرفاعى، رحمه الله، حيث كانت الصاعقة قد عملت طابور سير من أنشاص حتى بورسعيد مشيًا، ومشيت معهم، وحين علمت بقية الكتائب أننى سأمشى معهم، بدأوا يتراهنون على أننى لن أتمكن من مجاراتهم، ولاحظوا أننى عندما أسير مع كتيبة؛ فإن الكتيبة يصبح أداؤها أفضل.

وكان الشهيد إبراهيم الرفاعى قائد الكتيبة ١٣، وهذه كانت المرة الأولى للقائى به، وقال لى إنه يريدنى أن أدخل بورسعيد معه، وإنه يريد أن يحصل على المركز الأول، فقلت له لك هذا، وفى المرحلة الأخيرة مشيت معهم، وفعلًا فازت كتيبته بالمركز الأول.

وكنت أعرف أن إبراهيم الرفاعى نفذ عملية فدائية نموذجية فى بورسعيد أثناء العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، هو ومجموعة محدودة من الصاعقة، حيث هاجموا معسكر الدبابات الإنجليزى ودمروا عددًا كبيرًا من الدبابات، ومن ثم خرجوا من المعسكر واختفوا.

كنت أقول للشهيد الرفاعى أنت نفذت أول عملية فدائية لك سنة ١٩٥٦، وأنا نفذت أول عملية فدائية فى أكتوبر ١٩٥١م، وبالتالى أنا أقدم منك فى العمل الفدائى.

كنت أقدمُ فدائى فى المجموعات الفدائية التى كانت تهاجم معسكرات الاحتلال الإنجليزى فى منطقة القناة، والتحقت بالعمل الفدائى منذ أكتوبر ١٩٥١م حتى يناير ١٩٥٢م.

وقد كنت أمازح الشهيد إبراهيم الرفاعى، رحمه الله، وأقول له إننى أقدمُ منه فى العمل الفدائى، وكانت هذه بداية الصداقة بينى وبين هذا الرجل العظيم.

بعد ذلك قابلت «الرفاعى» فى حرب اليمن، وتأكدت من أن العمل الفدائى فى دمائه، حيث كانت العمليات التى ينفذها لها بصمة خاصة تسمى «بصمة الرفاعى».

وقائد الصاعقة فى ذلك الوقت كان يدعى حسن عبدالغنى، كان يقول لى، عادة العمليات الفدائية تتم فى صمت، لكن إبراهيم الرفاعى كان ينفذ العملية فى صخب، كان «يعمل دوشة» ويهاجم، ثم ينتصر.

■ ماذا كنت تريد أن تعرف من إبراهيم الرفاعى؟

- كنت أريد أن أسمع منه ما الذى رآه فى نكسة ١٩٦٧م، وهو أخبرنى بأنه كان مكلفًا بالعمليات الفدائية فى سيناء.

وقال لى إن مجموعته نفذت عدة مهام، مثل تفجير تشوينات الذخيرة المصرية التى استولى عليها العدو فى ١٩٦٧، لأن القيادة العامة للقوات المسلحة كانت تخشى من استفادة العدو من هذه الذخيرة.

كما نفذ عمليات أخرى، مثل عملية تدمير صواريخ «الظافر» و«القاهر»، حيث أخذت إسرائيل جزءًا من مجموعة هذه الصواريخ، وكانوا يريدون نقلها بالقطار إلى تل أبيب لاستخدامها فى عرض عسكرى بمناسبة اليوم الوطنى الإسرائيلى، وبالتالى طُلب من إبراهيم الرفاعى، تدمير القطار.

وقد حكى لى «الرفاعى» عن طبيعة عمله، فأعجبت به، وطلبت منه الالتحاق بمجموعته، ومن هنا جاءت فكرة تطوعى.

■ ما كواليس تطوعك بمجموعة إبراهيم الرفاعى فى الجيش؟ وما أبرز التحديات التى واجهتك فى هذه الفترة؟

- عملت متطوعًا مع مجموعة إبراهيم الرفاعى بصفتى المدنية؛ حتى أستطيع ممارسة عملى الصحفى دون أن أكون مجندًا فى الجيش خلال فترة الحرب، وبالفعل وافق قادة الجيش حينها على هذا الطلب مع عدم تحملهم أى مسئولية تجاهى، فى حال الإصابة أو الأسر، أو الفقد أو الاستشهاد.

وأذكر أن مدير المخابرات الحربية، وقتها، هو من وضع تزكية عظيمة على طلب تطوعى كصحفى بالجيش، ولكن وزير الحربية رفض بشدة، حتى بادر اللواء محمد صادق، بالذهاب إلى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؛ ليطلعه على طلب تطوعى، وبالفعل رأى عبدالناصر أن وجودى مع المجموعة كمدنى سيرهب جيش العدو؛ لأنه يرسل له رسالة واضحة أن من يحاربه ليس العسكريين فقط، ولكن المدنيين أيضًا، فمنحنى موافقته.

وفى بداية عملى كمراسل حربى، لاحظت أن القادة يتحدثون فى كل شىء فى حضورى إلا المعلومات الخاصة بأمور الجيش، فجميعهم يحترمون قواعد الأمن، ويلتزمون بفكرة عدم مناقشة المعلومات الحساسة فى حضور المدنيين.

وبدأت أفكر حينها فى كيفية شعور هؤلاء القادة تجاهى، وأنه يتوجب علىَّ أن أكسب ثقتهم، حتى أستطيع تأدية دورى كمراسل حربى، واكتشفت أنه يجب أن أكون مثلهم فى كل شىء نظريًا وعمليًا، ثم بدأت فى الأمر نظريًا، من خلال قراءة الكتب والمناهج العسكرية، ودراسة القضية الفلسطينية بشكل معمق.

أما بالنسبة للجانب العملى، فقد تلقيت دورات تدريبية مكثفة مع قوات الصاعقة وسلاح المظلات، وفى أول لقاء مع قائد المجموعة، أبلغنى بدورى كمقاتل قبل دورى الصحفى؛ لأننى سأشغل مكان مقاتل آخر فى القوارب أو طائرات الهليكوبتر التى سنستقلها، وبالفعل بدأت فى أول العمليات العسكرية مع المجموعة.

■ ماذا تعرف عن خطة «المطرقة والسندان» لإسرائيل؟

- الخطة الإسرائيلية الهجومية فى ١٩٦٧م كانت تسمى المطرقة والسندان، حيث كان لديها ثلاثة طوابير مدرعة تتقدم فى سيناء، وكل طابور فى اتجاه مضيق من المضايق الثلاثة، وهناك طابور مدرع إسرائيلى رابع يتقدم على المحور الساحلى، وهو الذى سيتولى الإطباق على القوات المصرية من الخلف لمحاصرة القوات المصرية المنسحبة والقضاء عليها تمامًا. وانتبه لهذا المخطط محمد صادق، مدير المخابرات وقتها، وطلب من «الرفاعى» وقف تقدم الطابور الرابع الذى يسير بمحاذاة الساحل. وبالفعل نجح «الرفاعى» بمعاونة مدير مكتب مخابرات العريش، محمود عادل، فى التصدى للطابور المدرع.