رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محورية مصر وظلها الخبير الذى لا بديل عنه

يزداد الموقف الشرق أوسطي تعقيدًا، ومن ثم العالمي، بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، الحرب التي بدأت عنيفة وواسعة، ولا أحد يعلم متى تنتهي ولا كيف تنتهي، ولا إن كانت ستنتهي أصلًا أم ستطول، كما يقول الإسرائيليون أنفسهم، وكما يظهر من التداعيات المرعبة لها، لا سيما استقطاب أطراف أخرى إليها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كأمريكا وأوروبا مع إسرائيل والصين وروسيا وإيران مع الفلسطينيين، ولا يزال القوس مفتوحًا لأسماء دول وكيانات جديدة قد تتدخل، دول وكيانات لا تبدو مواقفها ولا انحيازاتها واضحة تمامًا حتى الآن، كذلك لمفاجآت من العيار الثقيل غالبا؛ فهذه المرة ليست ككل مرة بالتأكيد!
لعبت مصر دورها البارز المعتاد في مثل هذه الأحداث، دورها المنطلق من محوريتها والنابع من قناعتها الشخصية والتزامها القومي، والمنبني على نظرة عميقة شاملة لتصورات الخريطة العالمية بأسرها، وفهم كامل لمجموع التفاهمات والتناقضات في الشرق والغرب، محاولة أن تحتوي الموقف المشتعل كجحيم مستعر، ولا زالت تحاول آملة صبورا، متسلحة بإيمان لا يتزعزع بالسلام كخيار استراتيجي، ومفضلة أن تبزغ الحلول من باب التفاوض المتكافئ النزيه وحده..
ومن الأول أدركت مصر أنها قد تكون هدفًا بعيدًا للحدث الفظيع الذي يظنها الغافلون بمنأى عنه؛ فمضت تحذر من تهجير أهل غزة إلى سيناء؛ لأن هذا ينقل الحرب إليها عاجلًا أو آجلًا، ويعزز الإرهاب، ويربك تركيبتها الاجتماعية وترتيباتها الأمنية، فضلًا عن تصفيته للقضية الفلسطينية في الصميم.. ومهما كان تحذيرها هذا أغضب متآمرين وذوي أغراض، فإنها بلد قوي وعريق لا يخاف، قوي بجيش دفاعي عظيم الانتماء وعريق بحضارة باذخة لا مثيل لها في الأمم.
أعلم، مثلما يعلم غيري، أن العرب يتسابقون حاليًا إلى البحر متصاخب الأمواج من أجل إنقاذ الغريق من الغرق، الغريق الذي يمثل معظمهم واقعيًا، وأن مصر ضمن هؤلاء المتسابقين، هكذا، بيد أني أعلم يقينًا أيضًا، وأتمنى أن يعلم الآخرون، أن بلادي متميزة حقًا، وأن كل طرف من الأطراف يمكن أن يحل محله آخر إلا هيا؛ فمقامها العالي فاق علو هامات الأشقاء حولها بشكل منظور، وظلها الخبير لا بديل عنه دون أدنى مبالغة، هي الأم والأخت الكبرى والقدوة والقائدة، كما قيل وكله صدق، ولعمري إن تاريخها المشهور الموثق يغني عن كثرة الكلام!
مصر في الصدارة باستمرار، لا تبالي بالحقدة والكيادين، ولا تحيد عما ترى فيه صالحها وصالح أمتها من المحيط إلى الخليج، ولا تقبل المقايضة إذ سلعتها هي الأغلى، ولا تسمح لأحد أن يساومها على قيمها الأصيلة الحصينة.. 
أظننا كمصريين نعرف بلدنا كأنفسنا وأكثر، ونتحد مع قياداته في التوجه والرأي، لا سيما أمام الوقائع الخطرة التي لا يجب أن نفكر في حتمية الوفاق الوطني بحيالها تفكيرًا طويلًا يسلبه الجدوى.. لن تخدعنا الأحداث المريرة المريبة فتفرقنا بل سنخدعها ونجتمع، بالتحية والفخر، تحت علمنا العزيز المرفرف!