رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

روسيا تدخل على الخط

التصعيد الإسرائيلى لا يزال مستمرًا، ردًا على عملية «طوفان الأقصى»، التى أطلقتها المقاومة الفلسطينية فى ٧ أكتوبر الجارى. وبعد تحذيراتها من خطر تفاقم الصراع، وانتقادها التدخلات الأمريكية والغربية الداعمة لإسرائيل على حساب الفلسطينيين، بدأت روسيا تدخلها المباشر، بمشروع قرار تقدمت به إلى مجلس الأمن، وسلسلة مكالمات تليفونية أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع اللاعبين الإقليميين الرئيسيين.

فى مكالمته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، جرى استعراض التحركات الدبلوماسية الجارية لاحتواء الموقف ومنع توسع رقعة العنف والصراع. وتوافق الزعيمان على أهمية تغليب مسار دعم التهدئة واستعادة الاستقرار الأمنى، وأولوية الحرص على حماية المدنيين ومنع استهدافهم، وكذلك خطورة الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة وضرورة توفير النفاذ الآمن للمساعدات الإنسانية والإغاثية بصورة عاجلة. كما اتفقا على ضرورة العمل الجدى لمعالجة أسباب الأزمة، خاصة استمرار غياب الأفق السياسى لتسوية القضية الفلسطينية على نحو عادل ودائم، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق مرجعيات الشرعية الدولية.

بعد ساعات قليلة، وبعد تلقيه اتصالين من جاستن ترودو، رئيس وزراء كندا، وجورجيا ميلونى، رئيسة وزراء إيطاليا، تلقى الرئيس السيسى اتصالًا تليفونيًا من نظيره الأمريكى جو بايدن، فى إطار متابعة نتائج زيارة وزير الخارجية الأمريكى الأخيرة للقاهرة، وارتباطًا بالتشاور المستمر بين البلدين، بشأن مستجدات الأزمة والوضع الإقليمى المتوتر. وخلال الاتصال، أكد الرئيسان خطورة الموقف الحالى وأهمية احتوائه بما لا يسمح باتساع دائرة الصراع وتهديد أمن المنطقة واستقرارها. كما تم التوافق بشأن أولوية حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، ومناقشة المشاورات الجارية فى هذا الصدد بالتنسيق مع الأمم المتحدة، واتفق الرئيسان على استمرار التشاور وتنسيق الجهود خلال الفترة المقبلة.

المهم، هو أن الرئيس الروسى استعرض، لاحقًا، مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، نتائج محادثاته مع قادة مصر وسوريا وفلسطين وإيران، وقال «الكرملين» إن بوتين أعرب عن استعداد بلاده للعمل على «إنهاء المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية وتحقيق تسوية سلمية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية». غير أن بيان «الكرملين»، بشأن تلك المكالمة، لم يتضمن أى إشارة إلى وقف إطلاق النار، الذى حاولت روسيا التوصل إليه عبر مشروع قرار تقدمت به إلى مجلس الأمن، استهدف تلبية الاحتياجات الإنسانية لقطاع غزة، وأدان استهداف المدنيين وكل الأعمال الإرهابية، دون تسمية أى طرف.

فى العاشرة مساء الإثنين، بتوقيت جرينتش، أو منتصف ليل القاهرة، اجتمع مجلس الأمن لبحث تطورات الأزمة. وبطلب عربى، تم تعليق الجلسة اعتراضًا على ضعف مشروع قرار تقدمت به البرازيل التى تتولى رئاسة المجلس هذا الشهر. وبعد إجراء مشاورات فى جلسة مغلقة، جرى التصويت على مشروع القرار الروسى، الذى قوبل بفيتو أمريكى فرنسى بريطانى، وامتناع ٦ دول عن التصويت، بينما لم توافق عليه غير ٥ دول، من الـ١٥ الأعضاء. ومع ذلك، قال مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة إن طرح مشروع القرار «حقق غايته»، معربًا عن أسفه من أن المجلس لا يزال رهينة لأنانية الوفود الغربية.

التحركات الروسية يمكن وضعها فى سياق مواجهات تكسير العظام، مع الولايات المتحدة، أو ضمن مساعى روسيا إلى تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب. ولأن فرص إنهاء الأزمة الراهنة، أو التوصل إلى حل دائم وعادل للصراع الفلسطينى الإسرائيلى، تتطلب توافق طرفى الصراع على الأطراف الوسيطة، لا نتوقع أن تقوم روسيا بوساطة فعالة، أو أن يكون لها دور فعلى، إلا لو استطاعت، منفردة، أو بمساعدة الصين ولاعبين إقليميين، تحقيق بعض التوازن مع التدخلات الأمريكية والغربية الداعمة لإسرائيل.

.. أخيرًا، وبينما واصلت إسرائيل قصفها على قطاع غزة، أمس، أكد «الكرملين» أن خطر توسع الصراع ما زال قائمًا، لافتًا إلى أن الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية ستكون على قائمة أولويات اللقاء المرتقب فى بكين، بين الرئيس الروسى ونظيره الصينى. وبالتزامن، أعلن الديوان الملكى الأردنى عن استضافة الملك عبدالله الثانى، اليوم الأربعاء، قمة رباعية، تضم رؤساء مصر وفلسطين والولايات المتحدة، لبحث تطورات الأزمة وتداعياتها على المنطقة، والعمل من أجل إيجاد أفق سياسى يعيد إحياء عملية السلام.