رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدرس الذى تلقاه بلينكن

الحاصل على الثانوية العامة، بتفوق، من مدرسة جانين مانويل الفرنسية، الذى درس الآداب فى جامعة هارفارد، والقانون فى جامعة كولومبيا، تلقى خلال لقائه، أمس الأول، الأحد، الرئيس عبدالفتاح السيسى، درسًا مهمًا، فى التاريخ والحساب والأدب والأخلاق، وأيضًا فى السياسة الخارجية، ربما لم يتلقه فى المدرسة، والجامعتين الأمريكيتين، أو على امتداد العقود الثلاثة، التى تولى خلالها مناصب حساسة، وصولًا إلى مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكى، فى ٢٦ يناير ٢٠٢١، على تعيينه وزيرًا للخارجية. 

فى تل أبيب، أقر أنتونى بلينكن، الخميس الماضى، أنه لم يذهب إلى إسرائيل كوزير لخارجية الولايات المتحدة فقط، بل كيهودى فرّ جده من المذابح فى روسيا، ونجا زوج والدته من معسكرات الاعتقال النازية. وهنا، فى القاهرة، قال له الرئيس السيسى إنه مواطن مصرى نشأ فى حى، جنبًا إلى جنب مع يهود مصريين، لم يتعرضوا أبدًا لأى شكل من أشكال القمع أو الاستهداف، الذى حدث فى أوروبا، أو غيرها، والذى لم يحدث، مطلقًا، طوال التاريخ القديم أو الحديث، فى منطقتنا العربية والإسلامية.

من كييف، العاصمة الحالية لأوكرانيا، هاجر موريس بلينكن، جد وزير الخارجية الأمريكى، إلى الولايات المتحدة، أوائل القرن الماضى، وعمل بالمحاماة، فور تخرجه فى كلية الحقوق بجامعة نيويورك، سنة ١٩٢١، ولاحقًا، أسس «المعهد الأمريكى الفلسطينى»، الذى يُقال إن أنشطته وتقاريره ساعدت فى إقناع حكومة الولايات المتحدة بدعم إنشاء إسرائيل. أما زوج والدته، صامويل بيسار، البولندى الأصل، الذى عمل مستشارًا للرئيس الراحل جون كينيدى ولعدد من الرؤساء الفرنسيين، فحكى، فى كتاب عنوانه «عن الدم والأمل»، Of Blood and Hope، صدر سنة ١٩٨١، تجربته فى معسكرات أوشفيتز وداخاو ومايدانيك، وكان، أيضًا، من أبرز الداعمين للدولة العبرية، والمدافعين عن جرائمها.

المهم، هو أن وزير الخارجية الأمريكى، الذى بدأ جولته فى المنطقة، وأنهاها، بزيارة تل أبيب، زار القاهرة، أمس الأول، الأحد، واستقبله الرئيس السيسى، وجرى خلال اللقاء تأكيد الحرص المتبادل على تدعيم وتعميق الشراكة الاستراتيجية الممتدة بين مصر والولايات المتحدة، التى تمثل ركيزة أساسية للحفاظ على الأمن والاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط. كما جرى التباحث بشأن تطورات الأوضاع الإقليمية، والتصعيد العسكرى الجارى فى قطاع غزة، وتداعياته المحتملة على المنطقة.

بعد تشديده على رفضه التام المساس بالمدنيين، أىّ مدنيين، قال الرئيس إن ١٢٥٠٠ فلسطينى من المدنيين، سقطوا خلال خمس جولات من الصراع، مقابل ٢٧٠٠ من الجانب الإسرائيلى، من بينهم الـ١٥٠٠ الذين سقطوا فى الأزمة الأخيرة، كما أصيب ١٠٠ ألف فلسطينى، ومن الإسرائيليين ١٢ ألفًا، ومن الأطفال، سقط ٢٥٠٠ فلسطينى، و١٥٠ إسرائيليًا. وبعد أن وصف الرئيس الأزمة الراهنة بأنها «كبيرة جدًا»، حذّر من تداعياتها على منطقة الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن رد فعل الجانب الإسرائيلى تجاوز حق الدفاع عن النفس، وتحوَّل إلى عقاب جماعى لقطاع غزة، الذى يقطنه ٢.٣ مليون فلسطينى.

جاءت الأزمة الحالية، نتيجة تراكم الغضب والكراهية، ولعدم وجود أفق لحل القضية الفلسطينية يعطى أملًا للفلسطينيين، وفق تشخيص الرئيس، الذى أشار إلى أن المتطرفين قتلوا السادات ورابين، بسبب سعيهما للسلام، وأننا فى حاجة إلى العمل معًا لمواجهتهم، موضحًا أن هناك موجة ضخمة جدًا من الغضب تشكّلت، خلال الأيام الماضية، وأن التأخير فى احتوائها، سيؤدى إلى سقوط المزيد من الضحايا. كما أكد ضرورة التحرك، بقوة وعزم، لخفض التوتر، وتيسير دخول المساعدات، وضمان عدم تدخل أطراف أخرى فى الصراع، معربًا عن أمله فى أن يكون هذا اللقاء فرصة وقوة دفع، لحل هذه الأزمة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكى، المولود سنة ١٩٦٢، بمدينة نيويورك لأبوين يهوديين انفصلا عندما كان فى الخامسة، لا يخجل من تقديم ولائه لدينه، أو عرقه، على مصالح بلاده، إذ كتب، مثلًا، فى حسابه على «تويتر»، قبيل نهاية الولاية الثانية للرئيس الأسبق باراك أوباما، أنه يشعر بالفخر، لأنه قام، طوال ثمانى سنوات، بخدمة رئيس، عملت إدارته من أجل إسرائيل أكثر من أى وقت مضى.