رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق "طه حسين" المجهولة ولماذا كتبها بالفرنسية.. القصة الكاملة

طه حسين
طه حسين

طه حسين ، عميدة الأدب العربي، قاهر الظلام، وواحد من أبرز مفكري النهضة المصرية في القرن العشرين، طه حسين، والذي تستعيد مصر هذه الأيام الذكري الخمسين لرحيله عن دنيانا، وإن كانت أعماله وإبداعه وفكره مازالت حاضرة لا تغيب. 

أوراق طه حسين المجهولة

على كثرة ما قدم طه حسين، من أعمال أدبية وإبداعية، سواء في القصة أو الرواية والنقد الأدبي، وفي الفكر من خلال كتاباته الفكرية التي أعلى فيها من شأن العقل، وأرسى قواعد النقد العقلي، إلا أنه قد ترك أوراقًا مجهولة كتبها باللغة الفرنسية ولم تترجم إلى العربية إلا بعد رحيله.

أوراق طه حسين  المجهولة، أو مخطوطاته، والتي حققها وترجمها إلي اللغة العربية من الفرنسية، عبد الرشيد المحمودي، هي مسودات أملاها عميد الأدب العربي بالفرنسية، وإن لم يعن بنشرها لأسباب غير معروفة، وقد ظلت هذه الأوراق / المخطوطات مطوية بين أوراق طه حسين المهملة ولم يكشف النقاب عنها إلا مؤخرًا. 

ما تحويه أوراق طه حسين المجهولة 

وتضم أوراق طه حسين المجهولة، مقالات كتبها طه حسين لغير الناطقين باللغة العربية، أو محاضرات ألقاها باللغة الفرنسية، أو وجهها علي شكل رسالة إلى شحص أو تقرير إلى جهة ما في صورة نهائية إلا أنها لم تنشر ولم تذع. وهي تختلف عن كتابات أخرى ألفها طه حسين باللغة الفرنسية، من بينها كتابه “كتابات طه حسين بالفرنسية”.

ويذهب “رشيد المحمودي”، إلى أن مخطوطات طه حسين أو أوراقه المجهولة، مهمة من حيث الكم، فلم تتوقف علي مجموعة أوراق فحسب، بل مجموعة يعتد بها من النصوص التي لا يجوز أن تضاف إلي كتاب آخر، بل ينبغي أن تجمع في كتاب قائم بذاته. زد علي ذلك أن هذه المخطوطات مهمة من حيث الكيف بفضل قيمتها الذاتية. أولنا لأنها تدلنا لأول مرة وعلي وجه أقرب لليقين على طريقة طه حسين في التأليف، نحن نعلم أنه كان يملي ولا يكتب، وقد صرح بذلك في إحدي كتاباته الفرنسية، تحديدًا مقاله المعنون “أنا لا أكتب وأنما أملي”.

ويستدرك “المحمودي”: ولكننا نعلم أيضا أنه كان يرتجل أحيانا من وحي المناسبة وفي مواجهة الجمهور. ولكن أين ينتهي دور الإملاء ويبدأ دور الارتجال في مؤلفات طه حسين؟ نستطيع أن نقطع بأنه كان يعتمد علي الإملاء في كل ما نشره بالعربية من كتب أو مقالات سواء جمعت في كتب أو نشرت متفرقة، وفي مثل هذه الحالات كانت النصوص المملاة يدفع بها إلي المطبعة لكي تنشر في صورتها النهائية، وعندئذ ينتهي دور المخطوطات وتختفي في المطبعة، ومن أمثلة ذلك محاضرات طه حسين التي ألقاها إلي طلاب الجامعة المصرية عن “الشعر الجاهلي” 1925 أو مقالاته التي نشرت متفرقة ثم جمعت في حديث الأربعاء أو علي هامش السيرة. فلم يبق من هذه الكتابات مخطوطات بعد طبعها، كان طه حسين يسلمها إلي المطبعة ولا يحتفظ لنفسه بنسخ منها.

محاضرات وخطب طه حسين الفرنسية

ويتساءل “المحمودي”: ولكن ماذا عن محاضرات طه حسين ومقالاته وخطبه وتصريحاته التي ألفها بالفرنسية؟ بعض هذه الكتابات ينطبق عليه ما قلت عن الكتابات العربية، فقد بقي لدينا منها نص مطبوع اختفت مخطوطاتها في معظم الحالات، ومن هذه الكتابات علي سبيل المثال دراسة كتبها طه حسين ونشرت تحت عنوان “البيان العربي من الجاحظ إلي عبد القاهر”، وترجمها محمد عبد الله عنان. وهناك نص مطبوع من الأصل الفرنسي ونص أخر مطبوع من الترجمة العربية. ولا يوجد نص مخطوط.

وبعض هذه المخطوطات يحمل تصويبات ما بين إضافة وشطب كتبت بخط اليد، وهو ما يدل علي أن طه حسين كان يعني بتنقيح هذه النصوص قبل نشرها أو إلقائها، فكيف كانت طبيعة دوره في هذا التنقيح؟ ويفترض “المحمودي”، أن هناك عدة احتمالات. من المؤكد أن سوزان طه حسين كانت تتدخل أحيانا فتجري تعديلات تشمل تصحيح أخطاء النحو والهجاء وقد تشمل تحسين بناء الجمل. 

ولكن كان هناك أيضا آخرون من المحتمل أنهم كانوا يؤدون مهمة مشابهة، وذلك مثل أمينة طه حسين أو مؤنس طه حسين، أو سكرتيره أو أي شخص آخر يكون متاحا في الوقت المناسب حتى ولو لم يكن من أفراد الأسرة.

قيمة أوراق طه حسين المجهولة 

ويلفت “المحمودي”، إلي أن قيمة هذه الكتابات المخطوطة من حيث محتواها، فهي بالغة الأهمية، حتي لو كانت ثانوية، بمعنى أنها ألفت لغرض محدد أو لأداء الواجب في مناسبة، ذلك أنها تكشف عن جوانب نجهلها بدرجة أو أخري من فكر طه حسين وتثير الدهشة والإعجاب والتعجب في بعض الحالات، بعض هذه الكتابات يفاجؤنا اليوم لأنه مازال حيًا أو راهنيًا، ومثال ذلك رسالة يقدم فيها شرحًا واضحًا حكمًا قاطعًا فيما يتعلق بفترة الحكم العثماني في مصر، ومقالة أخري عنوانها “مشكلة الشرق”، وهو يشرح فيها المشكلات التي تعترض طريق التفاهم والسلام بين الشرق والغرب مركزا علي قضيتين، قضية شمال أفريقيا “المغرب العربي”، وقضية فلسطين، ويدلي فيهما برأي حاسم ينهي الجدل حول موقفه من موضوع الجزائر الفرنسية، وحول اتهامه بالتقصير في حق القضية الفلسطينية، فـ طه حسين لا يهادن ولا يتهاون في الحالتين، بل يرسم بوضوح حدود العالم العربي من ناحية الغرب وحدود فلسطين العربية مجردة من دعاوى الصهيونية وأطماعها.