رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا للتهجير.. أهالى غزة يرفعون راية التحدي في وجه الاحتلال: لن نكرر «نكبة 48» مرة أخرى 

لا للتهجير
لا للتهجير

مع ارتفاع حدة التصعيد فى قطاع غزة، وسط ترجيحات باتجاه إسرائيل نحو الهجوم البرى، يعمل جيش الاحتلال على إخلاء كل الفلسطينيين من مناطق شمال قطاع غزة المحاصر، وعددهم يصل إلى مليون و١٠٠ ألف شخص، وأصدر بيانًا طالب فيه سكان تلك المناطق بالخروج من منازلهم والتوجه إلى الجنوب.

وجاء فى نص البيان الذى ألقاه الجيش الإسرائيلى على سكان القطاع: «إلى سكان مدينة غزة.. المنظمات الإرهابية قد بدأت الحرب ضد دولة إسرائيل.. مدينة غزة أصبحت ساحة معركة.. عليكم إخلاء بيوتكم فورًا والتوجه إلى جنوب وادى غزة».

وأضاف جيش الاحتلال: «لن يُسمح بالعودة إلى مدينة غزة إلا بعد صدور بيان يسمح بذلك.. ممنوع الاقتراب من منطقة السياج مع إسرائيل، وكل من يقترب يعرض نفسه للموت».

وتشير التقديرات لدى الجيش الإسرائيلى إلى أن ٦٠٠ ألف فلسطينى غادروا المدن الموجودة فى شمال غزة، منذ بدء موجة التصعيد الحالية، حسبما نشر موقع «والا» الإسرائيلى.

كما بعث جيش الاحتلال رسالة إلى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فى غزة، مفادها أنه «يجب إجلاء كل الفلسطينيين فى شمال القطاع إلى جنوبه خلال الـ٢٤ ساعة المقبلة».

وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن إسرائيل تريد إجلاء نحو ١.١ مليون شخص ممن يقيمون فى المرافق التابعة للأمم المتحدة داخل القطاع، ومن بينها المدارس والمستشفيات.

وذكرت الأمم المتحدة أن عملية إجلاء نحو مليون شخص أمر مستحيل، مضيفة، فى بيان رسمى: «الأمم المتحدة ترى أنه من المستحيل أن تتم مثل هذه الحركة دون عواقب إنسانية مدمرة.. وندعو بقوة لإلغاء أى أمر من هذا القبيل، لتجنب ما يمكن أن يحوِّل ما هو بالفعل مأساة إلى وضع كارثى».

وطالب المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، طارق جساريفيتش، إسرائيل بإلغاء أوامرها بإجلاء ١.١ مليون شخص يعيشون فى شمال غزة، خلال الـ٢٤ ساعة المقبلة، ووضع حد للأعمال القتالية والعنف فى القطاع.

وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية، فى مؤتمر صحفى بجنيف: «المدنيون فى غزة لم يعد لديهم مكان آمن للذهاب إليه مع استمرار الغارات الجوية، ووزارة الصحة الفلسطينية أبلغت المنظمة بأنه من المستحيل إجلاء المرضى الضعفاء فى المستشفيات من شمال غزة».

وأفاد بأن المستشفيين الرئيسيين فى شمال قطاع غزة، وهما «الإندونيسى» و«الشفاء»، قد تجاوزا طاقتهما الاستيعابية مجتمعة، والبالغة ٧٦٠ سريرًا، مضيفًا: «المرضى يشملون الضعفاء المصابين بالفعل بجروح خطيرة، والبالغين، والأطفال، وحديثى الولادة الذين يعتمدون على أجهزة دعم الحياة فى العناية المركزة».

وأضاف: «النظام الصحى فى غزة على وشك الانهيار، محذرًا من وقوع كارثة إنسانية إذا لم يتم إيصال الوقود والمياه والغذاء والإمدادات الصحية والإنسانية المنقذة للحياة بشكل عاجل إلى القطاع، وسط الحصار الكامل».

وبيّن أن المستشفيات لا يتوافر لديها سوى بضع ساعات من الكهرباء كل يوم، وتضطر إلى تقنين استهلاك احتياطيات الوقود والاعتماد على المولدات للحفاظ على الوظائف الأكثر أهمية.

كما حذر من وجود نقص فى كمية الدم ببنوك الدم فى مستشفيات قطاع غزة، وفى أدوية الأمراض المعدية وغير المعدية لعلاج المرضى.

ووجّه الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبوالغيط، خطابًا عاجلًا للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، طالب خلاله بضرورة أن يضع ثقله السياسى والمعنوى للحيلولة دون حدوث جريمة حرب جديدة تخطط إسرائيل لارتكابها، كجزء من حملتها الدموية المخزية ضد قطاع غزة، عبر مطالبتها كل سكان شمال القطاع بالانتقال فورًا إلى جنوبه.

وكشف جمال رشدى، المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، عمّا جاء فى خطاب «أبوالغيط»، من أن «هذه الجريمة الجديدة تجاوزت كل حد معقول، وأنها سوف تؤدى إلى معاناة لا حدود لها لإخواننا الفلسطينيين من سكان القطاع، فضلًا عمّا تمثله من انتهاك صارخ وفج للمادة ٤٩ من اتفاقية جنيف الرابعة، التى تحظر على القوة القائمة بالاحتلال مباشرة نقل قسرى للسكان، أو ترحيل أى من الأشخاص المشمولين بالحماية فى الإقليم الذى يقع تحت الاحتلال».

وأضاف الأمين العام للجامعة العربية: «ما تقوم به إسرائيل لا يعد عملية عسكرية مخططة أو مدروسة لاقتلاع جذور التنظيمات المسئولة عن الهجمات ضدها، إنما هو عمل انتقامى بشع باستخدام غاشم للقوة العسكرية لمعاقبة المدنيين والسكان الذين لا حول لهم ولا قوة فى قطاع غزة، عبر استهدافهم على نحو عشوائى بلا أى تمييز».

وفى ختام خطابه، ناشد «أبوالغيط» الأمانة العامة للأمم المتحدة، والدول الأعضاء فى مجلس الأمن، إدانة المسعى الإسرائيلى الجنونى بنقل السكان بشكل حازم وواضح، والعمل على نحو حثيث مع كل الأطراف ذات التأثير لوقف تنفيذه، مشددًا على أن «السماح بمباشرة هذه السياسة الجنونية سيمثل عارًا على جبين المجتمع الدولى للأبد، والظرف يقتضى الالتزام بالبوصلة الأخلاقية الصحيحة».

وطالبت وزارة الداخلية فى قطاع غزة، الفلسطينيين بعدم تنفيذ مطالبات الجيش الإسرائيلى، محذرة من أن تنفيذ مخطط التهجير لأهالى القطاع المحاصر يتيح للاحتلال الدخول إلى أراضيه واحتلالها.

وقال إياد البزم، المتحدث باسم داخلية غزة: «نقول للمواطنين فى شمال غزة ومدينة غزة اثبتوا فى منازلكم وأماكنكم، فإن الاحتلال- بارتكاب المجازر بحق المدنيين- يريد أن يهجرنا مرة أخرى عن أرضنا، ولن تتكرر هجرة عام ١٩٤٨ مرة أخرى، بل سنعود لأرضنا مجددًا».

وشدد الرئيس الفلسطينى، محمود عباس، على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلى بشكل فورى، معربًا عن رفضه الكامل تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، لأن ذلك سيكون بمثابة «نكبة ثانية للشعب الفلسطينى». 

وطالب «أبومازن»، خلال لقائه مع وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، فى الأردن، بالسماح بفتح ممرات إنسانية عاجلة لقطاع غزة، وتوفير المستلزمات الطبية، وإيصال المياه والكهرباء والوقود للمواطنين هناك. 

وحذر الرئيس الفلسطينى من حدوث كارثة إنسانية فى قطاع غزة جراء توقف كل الخدمات الإنسانية فى القطاع، وتوقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة عن العمل.

ودعا إلى ضرورة وقف إرهاب المستوطنين فى المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية فى الضفة الغربية، ووقف اقتحامات المتطرفين للمسجد الأقصى المبارك، التى تتسبب فى تصعيد الأوضاع.

كما أعرب الرئيس الفلسطينى عن رفضه الممارسات التى تتعلق بقتل المدنيين أو التنكيل بهم من الجانبين، داعيًا لإطلاق سراح المدنيين والأسرى والمعتقلين.

وتابع: «نؤكد سياسة منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، والتى تنبذ العنف وتتمسك بالشرعية الدولية والمقاومة الشعبية السلمية والعمل السياسى طريقًا لتحقيق أهدافنا الوطنية فى الحرية والاستقلال».

وشدد على أن «الأمن والسلام يتحققان من خلال إعطاء الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة، وضرورة الذهاب للحل السياسى وتنفيذ حل الدولتين المبنى على الشرعية الدولية والحرية والاستقلال للشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود عام ١٩٦٧».

 

تحدى أهالى قطاع غزة قوات الاحتلال الإسرائيلى، التى ألقت منشورات فى مختلف مناطق القطاع، طالبتهم فيها بمغادرة المدينة، والتوجه جنوبًا نحو وادى غزة.

وقال زكريا بكر، من أهالى غزة: «باقون فى منازلنا ولن نغادرها أبدًا.. لن نكرر نكبة ٤٨ مرة أخرى»، مضيفًا لـ«الدستور»: «الاحتلال يريد إخلاء المنازل للسيطرة على مدينة غزة، لذا نتلقى يوميًا مكالمات هاتفية ونداءات من جيش الاحتلال والمستوطنين، تطالبنا بالرحيل، وإلا سنواجه الموت».

ورأى سهيل يوسف حجازى أن هذه الدعوات مجرد حرب نفسية يستخدمها الاحتلال ضد الشعب الفلسطينى، مؤكدًا أنه باقٍ فى غزة ولن يغادرها أبدًا.

واتفق معه عدنان محمد بقوله: «للأسف العدو يواصل حربه على شعبنا، ويريد إبادتنا جميعًا، لكنه لن ينال من عزيمتنا، ولن نخضع لتهديدات هذا الكيان»، مضيفًا: «نحن متجذرون هنا، أوفياء لدماء الشهداء وعذابات الأسرى، مخلصون لأرضنا ووطننا الغالى».

وكشف شاهد عيان، طلب عدم ذكر اسمه، عن أن الاحتلال يريد إخلاء محافظتى شمال غزة وغزة، من أجل الاستفراد بهما وتدميرهما بالكامل، ومن ثم ينتقل فيما بعد إلى المنطقة الجنوبية لتدميرها أيضًا. 

ويقطن محافظتى شمال غزة وغزة قرابة ١٢٠ ألف نسمة، إلى جانب جنوب الوادى، وهى المحافظة الوسطى فى القطاع.

وشدد وسام نبهان على أن كل الفلسطينيين داخل قطاع غزة يرفضون دعوات التهجير، مضيفًا: «لا يمكن أن نقبل بذلك. كل هذه ضغوط يمارسها العدو، لكن كل شعب غزة يفضل الموت فى أرضه عن النزوح إلى أى مكان آخر، لا يمكن أن نقبل التهجير حتى لو تمت إبادتنا، نفضل الموت داخل أرضنا ولا أن نتركها».

ووصف موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى كشف عنه فى كلمته خلال احتفالية الكليات العسكرية، بأنه موقف وطنى للغاية تجاه القضية الفلسطينية، متابعًا: «موقف الرئيس السيسى وطنى وشريف».

وأكمل: «لم نعهد على مصر، قيادة وشعبًا، إلا النخوة والوطنية، ووقوفها بجانب القضية الفلسطينية أمر دائم، ونعرف جيدًا أنها لن تتركنا وحدنا، ولن تقبل بأى حال تهجيرنا هنا أو هناك».

وأتم بقوله: «الفلسطينيون فى غزة لا يقبلون فكرة الخروج من القطاع مهما حدث، وحتى العدد القليل جدًا الذى يخاف على أطفاله، يذهب عند أقربائه فقط، أما فكرة التهجير غير موجودة أبدًا فى قاموس الفلسطينيين، حتى لو متنا جميعًا».