رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل تمارس منصات التواصل الاجتماعي الرقابة على المحتوى الفلسطيني؟

منصات التواصل الاجتماعي
منصات التواصل الاجتماعي

مع كل صراع تشارك فيه إسرائيل، ومع كل هجوم على غزة، يتداول الناس المحتوى المرئي الذي يوثق تفاصيل العدوان، خاصة ذلك الذي لا تبثه وسائل الإعلام، سواء بسبب أجنداتها السياسية، أو التزامًا منها بالمواثيق الدولية وقواعد البث الأخلاقية، التي تحظر بث صور الإنسان أثناء الاحتضار، أو الجثث المشوهة أو العارية، أو الأشلاء، أو الأطفال القتلى، على الرغم من أن هذه الصور غالبًا ما تنتشر من غزة.

وتلعب منصات التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومن المفترض أن توفر هذه المنصات مساحة لكلا الطرفين للتعبير عن وجهات نظرهم ونشر روايتهم للأحداث، ولكن تم اتهام بعض منصات التواصل بالتحيز ضد أحد الطرفين من خلال حجب بعض المحتوى أو حسابات المستخدمين. 

وقد اتهمت منظمات حقوقية هذه المنصات بممارسة الرقابة على المحتوى الفلسطيني، ويبقى الجدل مستمرًا حول مدى حيادية منصات التواصل الاجتماعي وكيفية تعاملها مع هذا الصراع المعقد. 

"الدستور" في السطور التالية فتحت ملف رقابة منصات التواصل الاجتماعي على مستخدميها، وإجبارهم على اتباع طرقًا أخرى في سبيل التعبير عن رأيهم بحرية دون التعرض لغلق حساباتهم أو حتى إيقافها بشكل مؤقت، وذلك من خلال شهادات أشخاص تم معهم هذا الإجراء التعسفي لمجرد الحديث عن القضية الفلسطينية أو نشر مقاطع مصورة أو صور عن طوفان الأقصى أو أحداث أقدم، أيضًا يعلق على ذلك عدد من المتخصصين في خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعي وكيف يمكنها التحكم في منع أو إتاحة منشور عن غيره، إلى جانب عدد من الدراسات التي تؤكد فكرة التحيز لجانب على حساب جانب آخر.

صفحات مستخدمي الفيسبوك: أغلقت بسبب نصرة فلسطين

جامع: حُظر تعليقي المناصر لـ"حماس"

بداية، تحدثنا مع محمود جامع، 35 عامًا، عامل محارة، وقال إن المنشورات التي قمت بنشرها وتسببت في حظر الحساب الخاص به على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كان عبارة عن مقاطع مصورة، عبارة عن مشاهد للقتلى الإسرائيليين في مدينة "سيديروت"، وبناء عليه تم حظره من مشاهدة أي بث مباشر لمدة 60 يومًا.

وتحدث "جامع"، مع "الدستور"، أيضًا عن منشور آخر لأحد متحدثي حركة حماس، والتي تعلن انتصاراتهم على العدو الإسرائيلي، وعلق عليها بجملة: "حفظكم الله ورعاكم"، وسرعان ما قام "فيسبوك" بحذف تعليقه، مبررًا ذلك بأنه قد شارك برموز أو محتوى يعبر عن مدح أو دعم الأشخاص ومنظمات يعرّفها بأنها خطيرة أو تابعتها، أيضًا أن تعليقه ينتهك معايير المجتمع بشأن الأفراد الخطرين والمنظمات الخطرة.

سعد: حُذف منشوري لأني وضعت علم فلسطين

انتقلنا بعده إلى أسماء سعد، 27 عامًا، صحافية مصرية ومعدة برامج، قالت إن "فيسبوك" وجه إليها تحذيرات بعدم وضع منشورات وصفها بأنها "تنتهك معايير المجتمع.

خبير معلوماتي: المحتوى المكتوب يصعب حذفه

وعن ذلك، حدثتنا نادين كامل، خبير معلوماتي، فقالت إن المنصات التابعة لشركة "ميتا" -فيسبوك وانستجرام وواتساب- هي الأسوأ في فرض الرقابة، حتى ولو بدرجات متفاوتة، وأيضًا "تويتر" أو "إكس" دخل في نفس الوتيرة لكن بدرجة أقل، فهي تضرب بالحق في حرية الرأي والتعبير عرض الحائط، وذلك لتحيزها في المنشورات التي يتم نشرها.

وتنصح "كامل"، في حديثها مع "الدستور"، مستخدمي تلك المنصات بالتركيز على المحتوى المكتوب، لأنه أصعب في التعرف عليه من قبل خوارزميات تلك المنصات، أيضًا يمكنهم تجزئة الكلمات أو كتابتها بدون نقاط، مما يصعب مهمة اكتشافها وحذفها، وهناك مواقع عدة ظهرت للمساعدة في الكتابة على هذه الشاكلة مثل: موقع تجاوز

موقع تجاوز

رجب: إذا أُغلق الحساب سأنشئ غيره

مستخدمة أخرى لـ"فيسبوك"، هي ياسمين رجب، 26 عامًا، كاتبة روايات، قالت إنها واجهت حذف منشورها وإيقاف حسابها على "فيسبوك" لمدة شهر، وكان المنشور عبارة عن فيديو للشيخ أحمد ياسين، الداعية ومؤسس حركة المقاومة الإسلامية بفلسطين، وعلقت عليه بـ: "ألا إن نصر الله قريب.. شيخنا أحمد ياسين رحمة الله عليه"، ولم ترضخ لقواعد "فيسبوك" بل اتجهت لإنشاء حساب آخر، ونشرت عليه صورة للمسجد الأقصى، وأيضًا تم حذف المنشور.

وأوضحت "رجب"، في حديثها مع "الدستور"، أن "فيسبوك" أصبح يقيدها في نشر البث المباشر والإعلانات والمجموعات، وذلك لحين استرجاع حسابها في 8 نوفمبر القادم، مؤكدة أنها لم تحاول النشر بطريقة مختلفة لأن منشوراتها أصبحت لا تظهر للعامة كالسابق، مختتمة بـ"أنا كده كده بنشر حتى لو اتوقف الحساب هعمل غيره".

خبير أمن معلومات: المعلنون شريك تجاري مسموع كلمته

وفيما يتعلق بحذف المواد المصورة أو المكتوبة، كشفت تصريحات سابقة للخبير وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، أن سياسة فيسبوك وبلاغات المستخدمين هي المحرك الأساسي للرقابة، حيث تنتبه خوارزميات الموقع لبعض المفردات تلقائيًا، محذرًا من استهداف إسرائيل للمحتوى الفلسطيني عبر بلاغات كيدية. 

وأشار "حجاج"، إلى وجود قاموس للمفردات الممنوعة يُحدَّث باستمرار، وأن تجزئة الكلمات قد تتحايل على الرقابة مؤقتًا، موضحًا أن المعلنين لهم تأثير أكبر بسبب علاقتهم التجارية مع فيسبوك، فتكون شريكًا تجاريًا له، ويمتلكون لوحة تحكم تختلف عن المستخدم العادي؛ لذا يُسمح لهم بالشكوى بشكل مباشر وفعال أكثر.

وليد حجاج

أحمد: ظللت وراء "فيسبوك" حتى استعدت منشوري

انتقلنا بعد ذلك إلى مستخدمة أخرى، هي فرح أحمد، 24 عامًا، محاسبة، قالت إن معظم المحتوى الذي يتحدث عن فظائع إسرائيل في فلسطين يتم حذفها على الفور، مشيرة إلى أنه تم تعليق منشور لها عن فلسطين وإعلانها نصرتها لها، لكن تم حذفه من قبل "فيسبوك"، إلا أنها لم تتقبل ذلك وظلت تتبع الخطوات التي تطلبها إدارة "فيسبوك" لتتمكن من استعادة منشورها، وعلى رأسها تقديم صورة من بطاقتها الشخصية، وبالفعل نجحت في ذلك.

وتحدثت "أحمد"، مع "الدستور"، حول وضعها منشور آخر عن الأسرى الإسرائيليين، إلا أن "فيسبوك" طلب منها تغطية وجوههم، وعندما وافقت على طلبهم تم السماح بالنشر، "بما إنك بتوافقي على طلبهم بدون اعتراض مبيحصلش حاجة".

 مطور برامج: الموقع الجغرافي سبب حظر المنشورات

كلمات "فرح" عن استعادة حسابها وجهتنا إلى أن السبب ليس فقط في الخطوات التي يطلبها "فيسبوك" للتأكد من المحتوى إنما هناك عوامل أخرى، وضحها لنا خليل علّام، أحد مطوري البرامج، الذي أكد أن فيسبوك هو المسؤول المباشر عن الرقابة، لكن بعض الجهات غير المباشرة كالحكومات والشركاء التجاريين والمنظمات قد تؤثر على قراراتها من خلال الضغط والتنسيق في التبليغ، عن طريق طلب تقييد أي محتوى مخالف لقوانينه لذا يتم اعتبار المحتوى مخالفًا ويتم وضعه ضمن خوارزميات المنصة.

وأشار "علّام"، في حديثه مع "الدستور"، إلى أن المحتوى البصري العنيف يُحظر بصرف النظر عن الجهة، في حين أن استخدام الموقع الجغرافي قد يلعب دورًا في الرقابة الأشد على الفلسطينيين، ورغم عدم وجود سند علمي لتأكيد ما يتعلق بالموقع الجغرافي إلا أن هذا الاستنتاج جاء بالملاحظة.

المتخصصين الذين استعنّا بهم في السطور السابقة لفتوا إلى أنه يجب البحث عن طرق أخرى لتعطي المساحة لنشر الرواية الفلسطينية، وكشف ما تفعله إسرائيل في أبناء فلسطين بعكس ما تروج له، وتلك الطرق كشفها لنا عدد آخر من المتخصصين.

استشاري الإعلام: "تليجرام" يعطي مساحة أكبر من الحرية

البداية كانت مع تصريحات الدكتور أحمد البرعي، استشاري الإعلام الاجتماعي والتسويق، أن تطبيق تليجرام أكثر حرية وأمانًا من واتساب ومنصات "ميتا" بشكل عام، نظرًا لاستقلاله عن الشركات الأمريكية، فهو صناعة روسية، و"تليجرام" لديه قدرة عالية على التشفير، أيضًا صنع "روبوتات" للتواصل مع الأشخاص، إضافة إلى كثير من المزايا التقنية والفنية.

 وأشار "البرعي"، في تصريحاته السابقة، إلى ملاحظة عمليات الهجرة إلى "تليجرام" بعد حظر واتساب لحسابات فلسطينية، أيضًا لأنه يُعطي مساحة كبيرة في حرية النشر والتعبير عن أي موضوع سياسي أو اجتماعي، محذرًا مستخدمي "تليجرام" لتفادي الضغوط الإسرائيلية الرامية لحذف المحتوى الفلسطيني.

تليجرام

متخصص في الإعلام الرقمي: الاستعانة برموز غربية تقضي على رقابة "السوشيال ميديا"

أيضًا دلّتنا تصريحات الباحث أحمد الزكي، المتخصص في الإعلام الرقمي، على أن البديل الأفضل لمواجهة رقابة منصات التواصل على المحتوى الفلسطيني هو تشجيع ناشطين غربيين على تبني القضية الفلسطينية ونشرها على نطاق واسع، واستقطاب كتاب ورموز غربية مؤثرة لنشر الرواية الفلسطينية، كما حدث في احتجاجات حي الشيخ جراح، أيضًا التوجه إلى منصات أقل حدة في الرقابة على المحتوى الفلسطيني مثل "تويتر" و"تيك توك".

ولم تكتفِ إسرائيل بحظر المحتوى الداعم لفلسطين فحسب، إنما اتجهت لنشر الأخبار المضللة، فلاحظنا منذ ساعات نشر أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، مقطع فيديو عن قصف مواقع لحركة حماس داخل الأراضي الفلسطينية، إلا أنه تبين عدم صحة الفيديو، وأنه إحدى مشاهد القصف التي حدثت في سوريا.

وتعتبر الاستعانة بتلك الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي غير محظورة على الصفحة الرسمية لـ"أدرعي" رغم أنها تدخل في حيز نشر الأخبار الكاذبة والمضللة التي تحاول منصات التواصل الاجتماعي الحد من تداولها.

خبير أمن معلومات: "جوجل" قادر على كشف التزييف

وعن ذلك، تحدثنا مع المهندس عمرو فاروق، خبير أمن المعلومات ومدير إحدى شركات الأمن المعلوماتي، حول وجود العديد من البرامج عبر الإنترنت قادرة على القيام بتغيير وفبركة الفيديوهات، مشيرًا إلى أن هناك بعض البرامج بسبب حرفيتها العالية يصعب بالعين المجردة كشف أي تزييف يطرأ على الفيديو أو الصورة المصمم بها، وذلك لعدة عوامل منها أن الشخص الذي يقوم بفبركة فيديو يدخل على أحد برامج المونتاج ويقوم بعمل "ريندر"، أي معالجة تُظهر الفيديو بصورة قابلة للعرض، وعلى حسب جودته يأخذ وقت أطول ويحتاج إمكانيات كبيرة لعمل فيديو بجودة عالية.

وأوضح "فاروق"، في حديثه مع "الدستور"، أنه أصبح هناك طرقًا ووسائل لاكتشاف الفبركة من قبل غير المتخصصين، من خلال مواقع على الإنترنت، منها "جوجل" الذي يملك بعض الخدمات التي تمكن الشخص من البحث عن أصل الصورة، فيظهر لك تاريخ الصورة ومتى ظهرت وأول شخص قام بتحميلها ويظهر أي تعديل طرأ على الصورة، أما المحترفين (المتخصصين التقنيين)، فلهم طرقهم التي تمكنهم من كشف تفاصيل الصورة وكيف تم التعديل عليها من خلال برامج وأدوات يتم استخدامهم في سبيل ذلك.

المهندس عمرو فاروق

المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، تنص على أن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.

كيف سيطرت "إسرائيل" على منصات "ميتا"؟

انتهاكات "فيسبوك" لمنشورات الفلسطينيين

لم تكن تلك التصريحات فقط هي الإثبات أن إسرائيل تستهدف منشورات فلسطين بواسطة "فيسبوك"، إنما تجد من خلال "التايم لاين" التالي عدة إثباتات لتأكيد هذا الأمر:

رد شركة "فيسبوك":

وبحثنا عن الرد الذي حاولت "فيسبوك" من خلاله تبرير تلك الاتهامات، فوجدنا أنه في عام 2016، نشرت إحدى المنصات الإخبارية تعليق شركة "فيسبوك" على الاتهامات الموجهة إليها بشأن تحيزها لصالح إسرائيل على حساب فلسطين، فنفى المتحدث الرسمي باسم الشركة الاتهامات بالتحيز لإسرائيل، مؤكدًا التزام الشركة بحماية حقوق جميع المجتمعات وتمكينهم من التعبير بحرية. 

وأوضح أن إزالة بعض المحتوى جاء امتثالًا للقوانين المحلية، وأن التعامل مع طلبات الدول يتم وفق إجراءات موحدة، مؤكدًا عدم وجود اتفاقية مع إسرائيل وأن لقاءات المسؤولين تأتي في إطار الحوار العالمي حول الأمن الإلكتروني، مشددًا على التزام فيسبوك بمعاييرها في منع أي دعوة للعنف أو الإرهاب من أي طرف.

إحصائيات

بحسب أحدث إحصائيات مركز صدى، وهو مركز فلسطيني معني بمواقع التواصل، في مايو 2020م، نوضح كيف نجحت "فيسبوك" و"تويتر" في التحكم بحسابات وصفحات الفلسطينين، أيضًا حذف صفحات رسمية لوسائل إعلام، لم تخالف معايير فيس بوك، وتكتفي بنشر الأخبار المحلية المتعلقة بالشأن الفلسطيني.

وبحسب إحصائيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين (تتبع منظمة التحرير)، في 12 مارس 2016، اعتقلت قوات الاحتلال 150 مواطنًا فلسطينيًا بسبب منشورات عبر الفيس بوك بزعم التحريض؛ ومنهم من حُوّل للاعتقال الإداري الذي يحتجز فيه الفلسطيني دون تهمة أو محاكمة، وكانت حكومة الاحتلال قد شكلت ما يسمى "وحدة سايبر العربية"، في الشرطة الإسرائيلية لملاحقة شبكات التواصل الاجتماعي، واقتناص رواد الحرية وناشدوها عبر مواقع أصبحت مصائد موت للحرية.

شخصيات فلسطينية تم القبض عليهم بسبب نشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي:

وفي النهاية نعرض لك قصصًا تم نشرها عن شخصيات فلسطينية تم القبض عليها لمجرد نصرتهم لقضية وطنهم: