رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف استقبل المثقفون العرب فوز النرويجى جون فوسى بجائزة نوبل فى الأدب؟

الكاتب النرويجي جون
الكاتب النرويجي جون فوسي

وسط الكثير من التوقعات والتكهنات حول الفائز المحتمل بجائزة نوبل في الأدب لهذا العام، جاء إعلان الأكاديمية السويدية، ظهر الخميس، عن فوز الكاتب النرويجي جون فوسي بالجائزة بمثابة مفاجأة للكثيرين الذين تداولوا أسماء أخرى كانت تتردد على مدار السنوات الماضية. 

جون فوسي

يُعد جون فوسي أو "يون فوسيه" المولود عام 1959، أهم الكتاب النرويجيين المعاصرين، وقد أطلقت عليه الصحافة لقب "إبسن الجديد"، وصدر له أكثر من 30 كتابا في المسرح والشعر والرواية، كما تُرجمت إلى أكثر من 40 لغة، وحصل على جوائز أدبية مرموقة عديدة، منها: جائزة إبسن الدولية عام 2010، والجائزة الأوروبية للآداب عام 2014، و"وسام الاستحقاق الوطني" الفرنسي بدرجة،فارس، ووسام القديس أولاف الملكي وهو أعلى امتياز في الدولة النرويجية. ومنحه ملك النرويج عام 2011، شرف الإقامة مدى الحياة في "جروتن"، وهو بيت في حرم القصر الملكي في أوسلو مخصص لاستقبال كبار الفنانين منذ القرن التاسع عشر.

ومع ذلك، فإنه على المستوى العربي لم يكن اسمًا معروفًا، ولم تحظ أعماله بكثير من الترجمات، إذ لا يوجد سوى عملين روائيين مترجمين إلى العربية له فضلًا عن عمل مسرحي وحيد، وهو ما أثار ردود فعل متباينة في أوساط المثقفين. 

أدب بسيط ومدجن

كتب الروائي العراقي أزهر جرجيس عبر صفحته على "فيسبوك" تعليقًا على فوز فوسي: مساء الخير سيد إبسن. اليوم فاز مسرحي نرويجي يدعى يون فوسه، هل سمعت به؟ ستيني وسيم يكتب أدبًا بسيطًا باردًا لا يمس الثوابت والقيم. كاتب مسالم يتحاشى نقد السياسة، ولا شأن له باحتراق العالم من حوله. منذ أن بدأ مؤلفًا لقصص الأطفال وهو يكتب الأدب الداجن، الذي يخدّر القارئ ويجعله ينسى كل ما تقوم بها السلطات من عبث. لا موقف لديه من الحروب، العنف العالمي، اضطهاد الشعوب، ويحشو أذنيه بعجين ضد صراخ المقهورين.

هو ابن الريف الغربي، الحبّاب الذي يكتب عن الصباح والمساء والبحر والأكواخ والغيوم. يكتب القصة والرواية والمسرحية بذات النفس، كذلك يكتب الشعر، فالأدب من بعدك يا سيدي صار "وان باكج" إذ سمة واحدة لا تكفي. لكن دعك من كل هذا ولا تكن حسودًا، افرح للرجل لقد فاز بالجائزة وصار من ذوي نوبل. ربما لا يعنيك فوزه كثيرًا فأنت أنت، لكنها على أية حال فرصة لإيقاف القراء عن شراء كتب كناوسغورد وجوستن غاردر وبول أوستر وهاروكي موراكامي، والبحث عن كتب النوبليّ اللطيف يون فوسه. 

لا حاجة لنا بأدب كناوسغورد وموقفه الساخر من السياسة، ولا ضرورة لمعرفة خزي العالم من خلال غاردر، وطز بماكينة التساؤلات التي يزيّتها أوستر ورفقاؤه. كتب هؤلاء تزعج الكبار، ولا داعي لأدب مزعج يا سيدي.. يحيا الأدب الداجن.. عاشت نوبل حرة أبية.

لغة الكاتب

على الجانب الآخر، علق الشاعر العراقي أحمد عبد الحسين على فوز الكاتب النرويجي بالتركيز على قضية اللغة إذ قال: أنا مثل 99% من المثقفين العرب فوجئت قبل ساعات بفوز "جون فوسي" بجائزة نوبل للآداب، لأننا لا نعرفه. لم نسمع باسمه ولم نقرأ له شيئًا. وإذا حدث أن عربيًا قرأ له فهو بالتأكيد لم يتوقع لهذا الكاتب أن يتنوبل اليوم.

ما يهمّني هنا، المقارنة التي انعقدتْ في ذهني سريعًا وانا أقرأ الخبر، بين اللغة التي يكتب بها فوس "لغة النينورسك" وهي فرع من اللغة النرويجية وبين العربية.

تذكرت احتقار كثير من مثقفي العرب للغتهم وإصرار بعضهم على تصدير الفكرة البلهاء التي تقول إن العربية لم تعد تصلح للعصر الحديث أو إنها قاصرة.

عرفت من الخبر أن لغة نينورسك "اختُرعتْ" و"أُنشِئت" قبل 150 سنة فقط. أية آداب كُتبتْ بها خلال هذه الفترة القصيرة؟ أيّ أرث كتابيّ "علمي وأدبيّ وفلسفيّ" تحمله النينورسك؟ سألت وأنا أستعيد لغة المعلقات وفيالق الشعراء العرب وألف ليلة وليلة والجاحظ والتوحيدي ولغة الفلسفة العربية عند ابن سينا والكندي والفارابي، ولغة الفقهاء الأفذاذ كما لغة المتكلمين والمتصوفة، وقبل ذلك كله لغة كتاب الكتب "القرآن" ولغة الحديث. وصولًا إلى العربية في توهجها الجديد على يد المهجريين وطه حسين وأدونيس وسليم بركات وشعراء قصيدة النثر.

العربية أجمل اللغات وأقدرها على استغراق الإنسان وتسميته شعرًا وفكرًا. ومع ذلك هناك ممن يكتبون بها ينظرون لها باحتقار هم أولى به.

ليس الأهم في الأدب العالمي

أما الكاتب والناقد الفلسطيني حسن خضر فقد قال: فاز اليوم الروائي وكاتب المسرحيات النرويجي يون فوسه بنوبل للآداب. وكالعادة، اختارت الأكاديمية السويدية شخصًا لم ترفعه التوقعات والرهانات إلى أعلى قائمة المرشحين للجائزة. لم أقرأ للمذكور، ولا أعرفُ عنه أكثر مما ذكرت لجنة الجائزة. ومع ذلك، ثمة ما يبرر التذكير بالحقيقة التالية في مثل هذا الوقت من كل عام: الفائز ليس الأهم في الأدب العالمي، بالضرورة، ولكن لديه ما يكفي من المؤهلات. لا أحد يحصل على نوبل بالواسطة، أو نتيجة تحيّزات عنصرية. 

على أي حال، لفت انتباهي، في سياق البحث عن صاحب الحظ السعيد، خبر صغير يستحق أن يُذكر: توجد على تخوم القصر الملكي في أوسلو فيلا فاخرة يمنح الملك حق الإقامة الدائمة فيها لأشخاص قدّموا خدمات جليلة للبلاد. وقد نال السيد فوسه هذا الشرف، والمسكن الفاخر، منذ العام 2011.