رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطن والوطنية والمواطنة.. والرئيس " السيسي "

تمثل " الوطنية " في النهاية الإطار الفكري النظري لــ " المواطنة "، حيث الأولى عملية فكرية والثانية ممارسة عملية..
و" المواطنة " مشاركة فاعلة، وعندها ينتقل المفهوم من حالته المجردة إلى دوائر التجسيد ليكمل المعنى الوجودي للمواطن..
وقد يكون الإنسان مواطنًا بحكم جنسيته أو مكان ولادته أو غيرها من الأسباب، ولكن يبقى السؤال: 
هل لدي ذلك " المواطن " القدر المقبول من قيم " الوطنية " تجاه المكان الذي يعيش فيه ؟ 
هل لديه ذلك القدر الطبيعي من الانتماء والولاء وشغف العطاء ؟ 
لاشك أن المعنى الحقيقي الذي تستهدفه الوطنية كانت دائمًا محل عطاء بحثي وفكري من قبل الفلاسفة والمفكرين الاجتماعيين، ويذكر أن الاهتمام بهذا المصطلح قد نشأ مع ظهور الدولة الحديثة وحدودها الجغرافية والسياسية، ولفظ " مواطن " تعبير لم يظهر إلا بعد الثورة الفرنسية سنة (1789) م..
وأرى أنه لا يجب ألاّ تصاغ الوطنية على أنها عملية " حق وواجب " وذلك أن هذا الطرح لا يسمو إلى كون الوطنية انتماءًا طبيعيًّا مغروزًا في الإنسان يستثير المواطن للعمل والغيرة على بلده دون الحاجة ( ابتداءًا ) إلى أن يكون ذلك متطلب قانوني أو مشروع سياسي، ذلك أن الالتزام الوطني الأخلاقي هو الفاعل والمفعِّل لمنظومة الحقوق والواجبات..
وفي هذا السياق لا أتفق بشكل كامل مع قول البعض إنه مع الرئيس " عبد الفتاح السيسي " وثورة 30 يونيه قد تم ترميم العلاقة بين الدولة والأقباط، لأنه قول قاصر ومخل، بل وظالم في وصف ما حدث على أرض الواقع في مفهوم التعريف للحالة  ..
فالترميم وجبر الكسور وبلسمة الجراح تصلح كوصف في حالات ما قبل انهيار العلاقة على مدى عقود بين إدارة حكم البلاد والمواطن المسيحي.. الترميم ممكن عند الاحتفاظ ببعض أسس مفهوم " المواطنة ".. جبر الخواطر قد يوافق لو لم يتم الضرب بقسوة وتوجيه اتهام صريح للمسيحي بعدم الوطنية والولاء للوطن..
في الواقع إن ما قام به الرئيس " السيسي " هو بحق يمثل إعادة بناء لعلاقة المواطن المسيحي بالدولة وأجهزتها وأيضًا بكل مواطنيه على الأرض المصرية.. ذلك بعد أن عاش المسيحي عقودًا من التجاهل وأعوامًا فى مواجهة جماعات التطرف والإرهاب التي تركوها تكبر وتنمو وتجيش قواها ضد عقيدته وكنيسته، مع استباحة أمواله وأملاكه والنيل من مكتسباته بطول البلاد وعرضها، في اعتداء سافر على حقوق المواطنة.. 
عندما يقف الرئيس السيسي رافضًا بكل قوة وبروح المواطن المصري الأصيل الجريمة الداعشية البشعة على الأرض الليبية التى راح ضحيتها مواطنون مصريون في مشهد تطيير الرءوس بسيوف من غادرت قلوبهم وعقولهم أى مشاعر إنسانية.. ليعلن حينها أنه يحتفظ بحق الرد، ووفق تعبيره كمواطن يجري في عروقه دم الوطنية ومن واقع مسئوليته كحاكم مؤمن بمفهوم " المواطنة "، قال " مسافة السكة "، وكان الرد بالفعل خلال ساعات، وكان القصاص العظيم، ولأول مرة يتابع المواطن المصري بشكل عام والمصري المسيحي بشكل خاص أننا نعيش على أرض وطن قرر فيه الحاكم إعادة بناء اللحمة بين مواطنيه بكل حماس، بل إعادة بناء علاقة بين المواطن والدولة تضمن له العيش في سلام بعد تمكينه من حقوق " المواطنة الكاملة "..
لقد انضم مواطنونا جميعًا ”مسلمين وأقباطا” إلى صفوف ثورة 30 يونيه فى كل ميادين المحروسة، يهتفون بسقوط " حكم المرشد "، وضم مشهد 3 يوليو الأزهر والكنيسة ليصدر بيان نهاية عصر حكم جماعة الشر، وللأسف كان رد الفعل الانتقامي الجنوني من جانبهم موجهًا بالأساس ضد الأقباط، مذابح ودمار وخراب، فاشتعلت الحرائق في عشرات الكنائس والمباني الخدمية الملحقة بها في 14 أغسطس 2013، فماذا كان رد فعل الأقباط ؟.. 
وجاء الرد سريعًا على لسان بطريركهم الذى استشعر دقة وحساسية الموقف الملتهب فأطلق مقولته الرائعة " وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، وهذا ثمن بسيط لحرية وطننا، نقدمه عن طيب خاطر "، وسارعت القوات المسلحة إلى العمل على أرض الواقع لإعادة  بناء ما دمره وخربه الإخوان، وإلى إطفاء الحرائق التى أشعلها الإرهابيون في جنبات الوطن، وواصل قداسته التصريحات المطمئنة لتابعيه، ولكل من يسأله عن تطورات الواقع، ويدعو كل من يلتقيه من قادة العالم لدعم الموقف المصري لتجاوز صعوبة خلع جماعة الشر ورفعها وتطهير جسد الوطن من ندبات الوجود الإخواني الرذيل، واعتبار ما حدث للكنائس وللمواطن المسيحي أمورًا داخلية وشأنًا مصريًا خالصًا سيتم تجاوزه، متجاوزًا أهداف من أرادوا شرًا بالبلاد قد تصل بها لاحتمالات إشعال " حرب أهلية "..
نعم، أكرر أرى أن أعظم ثمار ثورة 30 يونيه تجديد بيان مدى المشاركة الرائعة من جانب أقباط مصر في تفعيل أحداث الثورة وعبر التاريخ الوطني على الأرض المصرية، ومدى روعة حالة الاندماج الوطنية والتفاعل السياسى مع أحوال ومتغيرات الوطن.. وساعد على تحفيز ودفع الأقباط ما تناقلته كل وسائل الميديا من تهديدات تحريضية لاستهداف وجودهم وسلامة حياتهم.. منها  :
إرهابى أدين وتلطخت يداه بدماء عشرات المصريين في وقائع إرهابية تاريخية سابقة شهيرة، يظهر على إحدى الفضائيات، فيوجه رسالة إلى القيادات الكنسية: " لا تضحوا بأبنائكم "، مهددًا الأقباط لو شاركوا في تظاهرات 30 يونيه..
قيادي في حزب " الحرية والعدالة " يعلق على أحداث " الاتحادية " وجرائمهم الإرهابية التي قُتل فيها عدد من معارضي الإخوان الإرهابية، فيقول إن " 60 فى المائة من المعتصمين أقباط " كمبرر لأفعالهم الإجرامية،ووقف خطيب وسياسي إخواني على منصة منصوبة في ميدان نهضة مصر أمام حشود كبيرة من البسطاء، الذين تم شحنهم من الأرياف والأقاليم في " أتوبيسات "، ليتظاهروا في القاهرة، وقال دفاعًا عن مرسي والشرعية المزعومة في " جمعة الشرعية والشريعة " مُطلقًا حنجرته في حماس: " رسالة إلى الكنيسة المصرية من مصري مسلم، والله.. ثم والله، إذا تآمرتم واتحدتم مع الفلول على إسقاط مرسي، سيكون لنا معكم شأن آخر "..
لقد تابع المصريون جميعًا في زمن حكم الإخوان ما تم من إجراءات لتمكين الجماعة وخلاياها وعناصرها الإجرامية من مؤسسات الوطن.. أصبح هناك 11 من بين 36 وزيرًا من الإخوان.. 12 محافظًا من بين 27 محافظًا.. 235 نائبًا بمجلس الشعب من 498 نائبًا.. 115 في مجلس الشورى من 270.. 60 في المائة من النقابات العمالية.. 12 ألف وظيفة في الجهاز الإداري للدولة لتمكين الإخوان  !!!!
هذا، ومن المؤكد أنه من غير المقبول الكلام عن " مسلمين ومسيحيين " في سياق الحديث عن مكتسبات ثورة "30 يونيه "، لأن المكاسب في النهاية للشعب والوطن بأكمله..
ولعل من أهم المكاسب هو تراجع نسب الأحداث الطائفية في المحافظات، وميل الدولة الواضح إلى تطبيق المعنى الأشمل لمفهوم المواطنة، وتفعيل خطاب التعايش، والمساواة..
وأرى أيضًا أن هناك العديد من الجهود والقرارات تُبذل لتفعيل فكرة " المواطنة " كأحد أبرز منطلقات البناء في الجمهورية الجديدة بعد 30 يونيه.. منها الحرص على إقرار قانون لـ" تنظيم بناء الكنائس "، وتقنين أوضاع الكنائس المغلقة، فقد كان بناء الكنائس يحكمه مرسوم عثماني منذ عهد الاحتلال العثماني لمصر..
وعليه كان حرص الرئيس " السيسي " على إصدار القانون الخاص بدور العبادة متضمنًا علاجًا لأوضاع الكنائس التي تم إقامتها في عهود سابقة..
ومن مظاهر ترسيخ مفهوم المواطنة، تلك الزيارات التي قام به الرئيس عبد الفتاح السيسي للكنيسة خلال احتفالات عيد الميلاد.. كذلك إقامة جنازة عسكرية للأقباط الذين استشهدوا في استهداف كنيسة البطرسية وتقديم الإرهابيين للمحاكمة، مما يؤكد على قوة الدولة التي لن تفرط في دماء أبنائها..
نعم، هي " مواطنة " حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن شعارات الماضي، فقد تم تعديل الدستور في 2019 والنص على التمييز الإيجابي الدائم للأقباط في المجالس النيابية، وتقنين أوضاع الكنائس والمباني غير المرخصة في كافة محافظات الجمهورية، مع إنشاء أكبر كاتدرائية في مصر والشرق الأوسط بالعاصمة الإدارية الجديدة وهى " كاتدرائية ميلاد المسيح "، ووصول أكبر تمثيل قبطي تحت قبة برلمان 2015، بـ38 مقعدًا، وفي حركة المحافظين الأخيرة في 27 نوفمبر 2019، كان نصيب الأقباط لأول مرة في عهد الجمهورية، 2 محافظين ونائب محافظ، وهم: " الدكتورة منال ميخائيل محافظًا لدمياط، واللواء شريف فهمى سعد بشارة محافظًا للإسماعيلية، والدكتورة جاكلين عازر عبد الحليم عازر نائبًا لمحافظ الإسكندرية "، القرار بضم الكثير من العلماء والخبراء الأقباط إلى اللجنة الاستشارية للرئيس أمثال: " الدكتور فيكتور رزق الله، الدكتور نبيل فؤاد فانوس، المهندس هانى عازر، المهندس إبراهيم روفائيل سمك، والدكتور مجدى يعقوب "..
إن إنجازات ثورة 30 يونيه في مجال تفعيل مظاهر وتجليات تحقيق " المواطنة الكاملة " هى بداية حقيقية لإعادة بناء دولة المواطنة والدليل قطع شوط هائل في إعادة بناء العلاقة السليمة والرائعة بين الدولة والمواطن المسيحي والمواطن ذات القدرات الخاصة، والمواطن قاطن العشوائبات برعاية ومتابعة رائعة من رئيس الجمهورية الجديدة  ..