رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرائد سمير نوح بطل «المجموعة 39 قتال»: انتقمنا لاستشهاد الفريق عبدالمنعم رياض بقتل 44 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا

الرائد سمير نوح
الرائد سمير نوح

لا تكفى آلاف المجلدات لتدوين قصص الأبطال فى معركة الكرامة ٦ أكتوبر ١٩٧٣ وما سبقها من عمليات فدائية عقب نكسة ١٩٦٧، وجميعها يدعو إلى الفخر والاعتزاز بالانتماء لهذا البلد الذى أنعم الله عليه بنعمة أبنائه المخلصين، الذين لا يعرفون المستحيل ولا يترددون فى بذل كل ما هو غالٍ ونفيس دفاعًا عن الأرض والعرض.

وعن قصص الشهداء والأبطال يروى البطل المقاتل الرائد سمير نوح، لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، بعضًا مما عاصره من أحداث وعمليات فدائية شارك فيها ضمن المجموعة «٣٩ قتال»، مع البطل الشهيد العميد إبراهيم الرفاعى، مؤسس سلاح الصاعقة وأحد أبرز القادة الفاعلين فى التحضير وتنفيذ العبور المجيد.

■ كيف كانت مشاركتك فى حرب ١٩٦٧؟

- التحقت بالقوات المسلحة سنة ١٩٥٦، وشاركت مع الصاعقة البحرية فى المجموعة «٣٩ قتال»، واخترت الصاعقة البحرية لمشقة تدريباتها، وشاركت فى حروب ٦٧ والاستنزاف و٧٣. وحصلت على فرقة معلمى الصاعقة والمهندسين العسكريين، وكل الفرق التى تؤهلنى أن ألقى نفسى فى النيران.

وبداية مشاركتى فى الحروب كانت ضمن وحدات الصاعقة البحرية فى منطقة شرم الشيخ ورأس محمد. وعندما كان الطيران الإسرائيلى يأتى كنا نُسقط كل الطائرات التى تأتى من ضوء الشمس، وبعد ذلك جاءت التعليمات بالانسحاب من شرم الشيخ، لأن القيادة أبلغتنا بأن المنطقة سيتم ضربها من الطيران الإسرائيلى، وكانت هناك ناقلات جنود مصرية، وكان الجميع يلحق بهذه المركبات، بعد صفارة الإنذار التى أرسلتها القيادة.

وحين خرجنا من هذه المنطقة لم يتمكن الطيران الإسرائيلى من ضربنا، وتركوا لنا فرصة الهروب حتى نعود ونحكى عن كل ما شاهدناه، وعندما وصلنا لرأس غارب كان هناك مجهود حربى كبير لنقل الأفراد، وكانت هناك جهود كبيرة من المدنيين لنجدة أفراد الجيش واستقبلونا بالطعام، وبعد ٦٧ كان هدفنا تطهير أرضنا من العدو الإسرائيلى المغتصب.

وبعد عودتنا من رأس غارب رجعنا إلى ميناء الأدبية فى السويس، وكان راتبى فى الشهر جنيهًا و٩٤ قرشًا، وعندما جرت ترقيتى لجندى حصلت على راتب ٨ جنيهات ونصف الجنيه، ووضعت الراتب فى «الكاب»، وفى لحظة انطلقت صافرات الإنذار لتحذيرنا من هجوم طيران العدو على المنطقة، ووقتها احتمينا بعربات نقل البضائع فى السويس وتركنا رواتبنا ومهماتنا، وهذا موقف طريف لنشرح للشباب مدى الصعوبات التى واجهتنا فى هذه الحرب.

■ ماذا عن مشاركتك فى عملية ٤ يوليو ١٩٦٧؟

- هذه العملية نسفنا فيها مخزن تشوينات ذخيرة العدو الإسرائيلى، وكان يحتوى على أكثر من مليون صندوق للذخيرة، وكانت هذه العملية بعد هروبنا من ميناء الأدبية بالسويس، واختيارنا للقيام بعمليات فدائية وانتحارية ضد العدو الإسرائيلى، وكانت الصاعقة البحرية هى النواة الأولى للعمل مع الشهيد إبراهيم الرفاعى مؤسس المجموعة «٣٩ قتال».

وبالفعل نجحنا فى نسف تشوينات الذخيرة تحت قيادته، وبعد تكوين الفرقة الخاصة به كان حريصًا على رفع الروح المعنوية لكل الأفراد المشاركين معه فى العمليات الفدائية بعبارات حماسية.

والتقيت الشهيد إبراهيم الرفاعى لأول مرة فى حلمية الزيتون، وكان يدربنا على العوم ضد التيار. 

■ ما أول عملية شاركت فيها؟

- من المهام التى شاركت فيها عملية كمين جبل مريم فى ٢٥ أغسطس ١٩٦٨، كما شاركت مع إبراهيم الرفاعى فى تدمير أكثر من مليون صندوق ذخيرة للعدو بعد عملية رأس العش التى استشهد فيها عدد كبير من أبطال الصاعقة البحرية.

كما شاركت فى عملية الصواريخ الكهربائية مع البطل إبراهيم أحمد غلوش من الغربية، بحضور الخبراء السوفيت، وفى هذا التوقيت أهدت أمريكا إسرائيل صواريخ لتجربتها فى الحرب، فكانوا يطلقونها بشكل عشوائى على أى طريق موازٍ لقناة السويس، وبالفعل خرج أحد السباحين الأبطال فى عملية فدائية لانتزاع صاروخ من العدو لإجراء الفحوصات الحربية عليه حتى نتصدى له.

■ ما تفاصيل موقعة كمين جبل مريم الشهيرة عام ١٩٦٨؟

- أُبلغنا من جانب فريق الاستطلاع بأن عربتين تمران يوميًا فى الساعة ٩ مساءً على الطريق الموازى لقناة السويس فى الضفة الشرقية، إما فى اتجاه الشمال أو اتجاه الجنوب، فقرر الشهيد إبراهيم الرفاعى أن ننصب كمينًا لهذه القوة.

وبالفعل نصبنا الكمين أنا وزملائى ممن كانوا حاصلين على فرق مهندسين عسكريين فى حفر ودفن الألغام تحت الأرض، وكان معنا من فريق المدفعية فى هذه العملية البطل اللواء أحمد رجائى عطية، وكان برتبة رائد، وباقى مجموعة الصاعقة البحرية.

وخلال العملية كُلفت أنا وبعض زملائى بوضع لغمين فوق بعض على اتجاهين مختلفين. واختار قائد الاستطلاع أن يضع كل لغمين فوق بعض فى اتجاه قدوم الدورية، وبالفعل وضعنا ٦ ألغام، مع العلم أن اللغم الواحد يمكنه أن يدمر دبابة.

وأثناء مرور العربتين فى التوقيت المعتاد، لاحظنا أنهما سيارتان مصريتان حصل عليهما العدو فى حرب ١٩٦٧، ومع مرور العربة الأولى انفجرت الألغام وتناثرت الأشلاء فى كل مكان.

■ ما قصة أسر أول جندى إسرائيلى خلال كمين جبل مريم؟.. وكيف علق موشيه ديان على العملية؟

- خلال العملية، عثر البطل الجيزاوى وهنيدى مهدى أبوشريف على أول أسير إسرائيلى، وكان ضخم البنيان، ووضعوه فى اللانش مع زميلنا محمد شاكر، كى نعالجه ونأخذ منه معلومات، ولكن يشاء القدر أن يموت.

عملية جبل مريم راح فيها ٦ جنود من العدو، ومنهم نائب مدير المخابرات العسكرية الإسرائيلية «الموساد»، ونائب مدير الكلية البحرية الإسرائيلية.

وفى ذلك الوقت، كان موشيه ديان، وزير دفاع العدو، وطالب بمحاكمة المصريين الفدائيين الذين عبروا القناة ونفذوا العملية، ولكن مصر أنكرت العملية، لأن قواتنا كانت لا تزال غير مستعدة من حيث الأفراد والدبابات والطائرات، فأعلنت منظمة فتح الفلسطينية، بالاتفاق مع مصر، مسئوليتها عن العملية.

■ خلال حرب الاستنزاف.. كيف استشهد الشهيد عبدالمنعم رياض؟

- بداية حرب الاستنزاف الحقيقية كانت ٨ مارس ١٩٦٩، والفريق عبدالمنعم رياض كان رئيس أركان القوات المسلحة حينذاك، وكان دائم الوجود فى قوات التمركز لمتابعة حالة الجنود، ورفع الروح المعنوية للأبطال الموجودين على الجبهة.

وفى يوم استشهاده كان يمر بالقرب من موقع لسان التمساح فى منطقة تبة عالية مليئة بالأشجار، ورصد العدو أن هناك قائدًا كبيرًا يلتف حوله الجنود، فبدأوا بإطلاق الذخائر والمدفعية باتجاهه، ليستشهد فى الحال.

■ عملية لسان التمساح عام ٦٩ كانت أخذًا بالثأر للشهيد عبدالمنعم رياض.. صف لنا كيف جرى تنفيذها؟

- عملية لسان التمساح كانت مدعومة من الرئيس عبدالناصر، ردًا على استشهاد الشهيد البطل عبدالمنعم رياض، وكانت من أخطر وأصعب العمليات التى نُفذت، حيث وجهنا ضربات مكثفة لعدة مواقع إسرائيلية أخرى حتى لا تنكشف العملية الرئيسية.

موقع لسان التمساح من المواقع الحصينة على خط بارليف، والذى لا يُدمَر بالدبابة ولا بالمدفع ولا بالصاروخ، يمكن فقط أن يُدمَر من خلال القنبلة الذرية.

بدأت العملية فى تمام الساعة ٩ مساءً بقيادة المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وكان فى ذلك الوقت قائد مدفعية الجيش الثانى الميدانى، وبدأ توجيه ضربات مكثفة على عدة مواقع، وفى الوقت نفسه كنت أنا وزملائى فى المجموعة «٣٩ قتال» نعبر باللانشات تحت الضرب بين الجانب المصرى والعدو، حتى وصلنا وكنُا على بُعد ٥٠ مترًا من لسان التمساح.

وقتها اتصل الشهيد إبراهيم الرفاعى بالعميد مصطفى كامل المسئول عن التسليح فى وزارة الدفاع، كى يبلغ المدفعية بوقف ضرب النار، حتى نعبر دون أن نتعرض للأذى، وبالفعل عبرنا وتسلقنا «التبة»، ورأينا العدو الإسرائيلى يختبئ فى الملاجئ المحصنة بأبواب فولاذية، ولكن البطل النقيب محيى نوح بدأ رمى قنابل صوت ودخان، من خلال فتحات التهوية التى تعلو كل ملجأ، حتى خرجت قوات العدو وهى تحاول أن تضرب بأسلحتها متأثرة بالدخان لكن دون جدوى، وخلال ساعتين قتلنا ٤٤ ضابطًا وعسكريًا إسرائيليًا، ودمرنا الموقع بالكامل.

بعد ذلك ركبنا اللانشات الخاصة بنا وعُدنا للضفة الغربية، والتقطنا صورًا تذكارية لتسجيل هذا اليوم التاريخى، وكانت عملية ناجحة بنسبة ١٠٠٪، لأننا أخذنا بثأر الشهيد عبدالمنعم رياض. 

وأحد رجال الأعمال أراد تكريمنا لنجاحنا فى عملية «لسان التمساح الأولى»، فأرسل للمجموعة راديو اسمه «ويلكو»، وهو عبارة عن ترانزيستور صغير، وكان قمة التكنولوجيا وقتها، وقد سعدنا به كثيرًا.

■ ما تفاصيل عملية لسان التمساح الثانية؟ 

- كانت توجد عملية أخرى نفذناها فى ٧ يوليو ١٩٦٩، وهى عملية «لسان التمساح الثانية»، ونفذتها عناصر صاعقة من المجموعة «٣٩ قتال»، حيث إن الكوماندوز الإسرائيلى هجم على موقع من مواقعنا على القناة خاص بحرس الحدود وقام بقتلهم وحرقهم، وقد بدأ الشهيد إبراهيم الرفاعى فى التجهيز للعملية ردًا على العملية التى حرقوا لنا فيها رجالنا من حرس الحدود، وقد هجمنا على موقع العدو الإسرائيلى فى ليلة عاتمة جدًا، وقد جاء إلينا اثنان من المهندسين العسكريين، وأثناء تقدمنا نحو موقع العدو وجدنا طلقات رصاص تضرب علينا، فقال لنا الشهيد الرفاعى «ارتكز هذه طلقات تفتيشية»، لكنها للأسف لم تكن طلقات تفتيشية، بل كان مُبلغًا عنّا من ضابط صاعقة من المهندسين وكان اسمه فاروق الفقى، الذى جندته الجاسوسة التى تم إعدامها هبة سليم، والذى جاء بها من ليبيا السفير فخرى عثمان.

ونظرًا لأنه كان مُبلغًا عنّا، فقد كانوا فى انتظارنا، حيث إنه فى عملية لسان التمساح الأولى نحن من فاجأنا العدو الإسرائيلى، لكن فى عملية لسان التمساح الثانية كانوا بانتظارنا، لكن الشهيد إبراهيم الرفاعى أصر على اقتحام موقع العدو، وفعلًا اقتحمنا الموقع من بوابتهم، وكنا مقسمين إلى مجموعات، كل مجموعة عبارة عن ١٠ جنود.

المرحوم البطل أحمد رجائى عطية اقتحم فى البداية، وعند بداية اقتحامه كان جنود العدو فى انتظاره، حيث كانوا يضعون ألغامًا فسفورية تحت السيطرة، وعندما يشعرون بأى شخص يقومون بتفجير اللغم، فانفجر فى البطل أحمد رجائى عطية لغم فخرج وقام زملاؤنا بإطفائه واستمر فى هذه العملية، ومن ثم بدأنا بالتعامل مع العدو الإسرائيلى بالرشاشات الخاصة بنا وبنادقنا، وقد فجرت من خلال القنبلة التى كنت أحملها موقعًا كان يضربنا بالرشاشات، وقام باقى زملائى بأعمال تضحية أفضل منى، وقد تم استشهاد ٩ جنود مصريين من بيننا، وهم: موسى عبدالعاطى، محمد عبدالحليم الشامى، طه السباعى، ثاقب محمد جاد، محمد العوض السعيد، محمد الزناتى مهران، ومحمد عبدالمنعم التونى، محمد عبدالمنعم الحاطى، والباز سالم سليم. 

وأذكر أن الشهيد موسى عبدالعاطى كان صعيديًا من سوهاج، وكان يؤجل إجازاته الشهرية حتى يحصل على إجازة طويلة بعض الشىء، وقبل العملية بيوم كان فى طريقه لمكتب القائد للحصول على تصريح الإجازة، فسمع حديث القبطان وسام عباس حافظ مع الشهيد إبراهيم الرفاعى وهو يصدر تعليماته له بالاستعداد لعملية فى الغد، فقرر إلغاء إجازته للمشاركة فى العملية، ويشاء العلى القدير أن يستشهد فى هذه العملية. 

كما أذكر أن الشهيد محمد عبدالحليم الشامى كان جزارًا وكان رياضيًا، وكان هو والشهيد موسى عبدالعاطى ينامان على سرير واحد من دورين، واختارهما الله لينالا الشهادة سويًا، كما أن التسعة شهداء فى عملية لسان التمساح الثانية رجعوا لنا فى ثلاثة صناديق، وتم دفنهم مع الشهيد إبراهيم الرفاعى فى مقابر أسرته فى القاهرة. 

العدو كان يختبئ فى ملاجئ محصنة بأبواب فولاذية فى خط بارليف ورغم ذلك كنا نتسلل ونهاجمهم

■ ما قصة التأسيس الرسمى لمجموعة «39 قتال»؟ 

- كان لها اسم فى البداية وهو «السرية ٣٩»، وبعدها جرى التصديق عليها فى ٤ يوليو ١٩٦٩ بأن تكون مجموعة، وتحويلها من سرية إلى مجموعة، ونتج عن ذلك تخصيص موارد أكبر لتمكيننا من أداء مهامنا.