رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذاكرة الكتب.. "مصير صرصار" مملكة حشرات توفيق الحكيم تسخر من عالم الإنسان

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

اعتمد الأديب المصري توفيق الحكيم في مسرحية "مصير صرصار" التي نشرها عام 1966على شخصيات غير إنسانية، مملكة من الصراصير بهدف الترميز لعالم الإنسان الواقعي.

تراجيديا الكفاح بلا أمل

يجسد الحكيم في مقدمة عمله المسرحي فكرة الكفاح بلا أمل التي يراها مُعبرة عن جوهر العمل التراجيدي؛ أن تأتي نهاية البطل نتيجة لصراعه مع قوة لا يقدر عليها، عبر تصوير كفاح صرصار في سبيل الحفاظ على حياته، بما يجعله شبيهًا بسيزيف في "أسطورة سيزيف" لألبير كامو، المحكوم عليه أبدًا بدحرجة الصخرة الضخمة إلى أعلى الجبل وإعادتها في كل مرة تهوى فيها إلى الأسفل، وهو ما يُشكل بُعدًا تأمليًا في معنى الوجود بالمسرحية. 

يقول الحكيم في مقدمة عمله: لا أستطيع تخيل عمل فني تخيلًا كاملًا.. لا بد لي من ركيزة، ولتكن صغيرة، من حقيقة أو واقع، ولقد رأيت في الواقع صرصارًا يكافح للخروج من حوض حمامي.. ما أروع منظر الإصرار على كفاح لا أمل فيه!

يقارب الحكيم بين عالم الإنسان ومملكة الصراصير بتأسيسه لفضاء مسرحي يوازي بين تشابه كل منهما في محدودية الإدراك؛ فإن كان "الصرصار" عبر إدراكه المحدود يرى "البانيو" ساحة رحبة، وحافة البانيو جدار هائل يحول دون نجاته، فإن الإنسان بالمقابل يحتفظ بإدراك محدود يضخم من المعوقات والعراقيل بما يعيق من فهمه لكُنه حياته ومن تعاطيه معها.   

يأتي تأمل البطل في المسرحية طويلًا للصرصار وهو يكافح من أجل الخروج مرارًا وتكرارًا رغم أنه ينزلق في كل مرة عند المكان ذاته ليُقدّم صورة وجودية للكفاح الإنساني، وهي صورة شبيهة للشكل السيزيفي الذي يشير إلى عبثية الكفاح وأهميته في الوقت ذاته.  

مقاربة عالم الإنسان

من جهة أخرى، تعكس المسرحية ولا سيما في فصلها الأول الذي جاء بعنوان "الصرصار ملكًا" صورة مكتملة لمملكة يحكمها الملك بمعاونة وزير وعالم وكاهن، وعبر الحوارات الهزلية يطرح الحكيم رؤية نقدية لإشكالية العلاقة بين الدين والعلم والسُلطة، وعجزهم عن مواجهة الآخر وما يمثله من تهديد.

لا تخلو المسرحية أيضًا من تعبير عن رؤية الحكيم للمرأة، فالمرأة في هذا العمل المسرحي تسلب الرجل كيانه وتهدده باستمرار سواء على مستوى مملكة الصراصير أو بين الشخصيات الإنسانية.

وفي إطار الحوار بين الملك والملكة نجد تجسيدًا لعداء الحكيم المعروف للمرأة، والذي يرسخه بشكل واضح في الفصل الثاني من المسرحية الذي ينتقل فيه لصنع موازاة بين "الملكة الصرصار"، و"الأنثى زوجة البطل". 

وعلى الرغم من أن الفصل الأول من هذا العمل المسرحي قدّم ترميزًا كافيًا وثريًا لعالم الإنسان، فإن الحكيم سعى لتوضيح أبعاد فكرته وتجسيدها بشكل جلي من خلال مقابلته بين عالمي الصراصير وعادل وزوجته الممثلين لعالم الإنسان، مما أفقد المسرحية بعضًا من تركيزها الجمالي ممثلًا في  البُعد الرمزي المتكامل الذي حمله الفصل الأول.