رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تسعى الصين لخلع القوى الغربية من إفريقيا؟

الصين
الصين

مع نهايات الشهر الماضي، عقدت الصين المنتدى الثالث للأمن والسلام في إفريقيا، بحضور واسع من المسئولين عن شئون السلام والأمن بالاتحاد الإفريقي والمُلحقين العسكريين للدول الإفريقية لدى بكين، بما يجسد رغبة الأخيرة في تعزيز التعاون والتفاهم المشترك في مجالات الأمن والدفاع مع القارة السمراء باعتبارها ساحة الصراع الجديدة مع القوى الغربية.

ويبدو أن الملمح الرئيسي لسياسة الصين الخارجية الذي كان يتركز منذ انطلاقتها التنموية حول الجوانب الاقتصادية والتعاون التجاري مع الشركاء الدوليين فحسب، بدأ يأخذ منحى أكثر شمولا ليمتد إلى بقية أوجه التعاون والاهتمامات الدولية المشتركة، بدءا من قضايا البيئة والمناخ، مرورا بأزمات الاقتصاد والسياسة، وصولا إلى التعاون الأمني والعسكري، في إطار استراتيجيتها الشاملة كقوى عالمية صاعدة، تسعى لقيادة النظام الدولي خلفا للقوى الغربية بزعامة أمريكا، التي تهيمن على إدارة شئون الكوكب منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

المنتدى الذي نظمته الصين ودعت إليه عددا كبيرا من المسئولين الأفارقة استهدف بالأساس تطوير العلاقات الثنائية المباشرة بين الصين والدول الإفريقية، وكذلك تعميق الثقة المتبادلة، بغرض بناء ما وصفه البيان الختامي للمنتدى بـ"علاقات دائمة ومستدامة" في مختلف المجالات، وزيادة التعاون الأمني بين الصين وأفريقيا في السنوات المقبلة، من خلال:

  • استمرار الصين في تقديم المساعدة العسكرية للبلدان الإفريقية، كما من المرجح أن تشارك بكين بشكل أكثر فاعلية في عمليات حفظ السلام في إفريقيا، لتعزيز ما يمكن وصفه بتعزيز التعاون الاستراتيجي بين الجانبين.
  • تنفيذ مُبادرة الأمن العالمي: تسعى الصين إلى تعزيز دورها في الأمن العالمي، ومبادرة الأمن العالمي التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينج في عام 2014 هي إحدى أهم المبادرات التي تعكس هذا التوجه. تركز المبادرة على تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود والنزاعات الإقليمية وعمليات حفظ السلام.
  • توسيع نفوذها في إفريقيا: من خلال تكثيف الوجود العسكري في إفريقيا من خلال اتفاقات التعاون الأمني. ترى الصين أن التعاون الأمني هو وسيلة مهمة لتعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية المضطربة التي تبحث عن حليف دولي قوي يساعد في إرساء الأمن والسلام، في مواجهة التنظيمات المسلحة و"الفاعلين من غير الدول" المدعومين خارجيا لتنفيذ أجندات تخدم مصالح القوى الغربية وتوجهاتها في القارة البكر الغنية بالموارد.

التحركات الصينية الأخيرة تجاه إفريقيا تعكس رغبة بكين في لعب دور أكبر نحو تعزيز التعددية القطبية في العلاقات الدولية. ترى القوى الغربية أن الصين تسعى إلى خلع الغرب من مكانته المهيمنة في إفريقيا، من خلال تعظيم استثماراتها في الدول الإفريقية، وزيادة وجودها العسكري في القارة.

المأخذ الرئيسي أو المعلن للقوى الغربية على مساعي الصين في هذا الصدد هو تأسيس الأخيرة علاقات مع أنظمة غير ديمقراطية، رغم أن تلك القوى هي نفسها دعمت ومولت وساندت الكثير من الأنظمة المستبدة والفاسدة في سبيل تحقيق مصالحها.

الادعاءات الغربية بشأن دعم الصين للاستبداد في إفريقيا لا يمكن اعتبارها إلا مجرد غطاء للسبب الحقيقي لإجهاض العلاقات الصينية الإفريقية في مهدها من باب تعارض المصالح لا أكثر، فالوجود الصيني في القارة السمراء يأتي خصما من الوجود الغربي.

ما يزيد المخاوف الغربية أن العلاقات الصينية الإفريقية مرشحة للنمو في السنوات القادمة، برغم كل التحديات المحتملة، فإفريقيا التي كانت ساحة مفتوحة أمام الوجود الغربي منذ حملات الاستعمار القديم، انتقلت بكل ثقلها الجيواستراتيجي ومواردها الوفيرة وأسواقها الضخمة إلى معسكر القوة الصاعدة الجديدة المنافسة للغرب. في نفس الوقت تعتبر الصين مصدرًا مهمًا للتمويل والاستثمارات والدعم التقني، كما أنها توفر فرصًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ما يجعل العلاقات معها أكثر جاذبية من العلاقات مع القوى الاستعمارية التقليدية، التي لا تبحث إلا عن منافعها فقط لا المنافع المتبادلة.

للعلاقات الصينية الإفريقية تأثير اقتصادي كبير على كلا الجانبين. بالنسبة للصين، ساهمت في نمو الصادرات الصينية وخلق فرص عمل جديدة. أما بالنسبة للبلدان الإفريقية، فقد ساهمت في زيادة النمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في العديد من تلك البلدان، ما يجعل منافعها متبادلة بين الجانبين، الأمر الذي يجعل علاقات إفريقيا مع الصين أكثر جذبا منها مع الدقوى الغربية.

كل الاعتبارات السابق عرضها توضح أن اهتمامات الصين بإفريقيا لم تعد مقتصرة على الاعتبارات الاقتصادية وحدها، إنما امتدت للجوانب الأمنية والعسكرية على نحو يهدد نفوذ القوى الغربية المتنافسة على تلك القارة والتي صار نفوذها يواجه العديد من التحديات، بما قد يمهد السبيل إزاء بلورة بكين كشريك أمني وعسكري موثوق فيه بالنسبة للجانب الإفريقي، دون إغفال وجود مصالح واعتبارات خاصة للصين من وراء مساعيها للتمركز في إفريقيا.

التحولات الجذرية التي يشهدها العالم حاليا في بيئة العلاقات الدولية ربما تحول القارة السمراء لساحة صراع دولي سواءً بشكل مباشر أم بالوكالة، الأمر الذي بدأت إرهاصاته تتضح في منطقة الساحل والصحراء وإقليم غرب إفريقيا، بالتزامن مع موجة الانقلابات العسكرية الأخيرة التي فسرها المراقبون على أنها موجهة بالأساس للوجود الفرنسي في تلك البلدان أكثر مما كانت موجهة للأنظمة الفاشلة والنخب الفاسدة في تلك الدول.