رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مسافة السكة إلى درنة الليبية

قبل سنوات انطلقت عبارة «مسافة السكة» وانتشرت فى الوطن العربى بعد أن قالها الرئيس عبدالفتاح السيسى تعقيبًا على سؤال عن موقف مصر فى حالة تعرض دولة عربية ما لخطر ما، أجاب الرئيس بعفويته المعهودة قائلًا ما معناه إن مصر لن تتأخر عن نجدة أى دولة شقيقة تتعرض للخطر، وإنها مسافة السكة فقط ونكون موجودين فى ميدان الأزمة.

هنا ثارت التفسيرات بأن الجيش المصرى قد يخوض الحروب نيابة عن أصحابها، سواء كانت حروبًا محقة وتستحق التضحية أو حروبًا مختلفًا على أسبابها ودوافعها. 

مسافة السكة التى أعرفها هى إغاثة الملهوف، وهو ما قصده الرئيس عبدالفتاح السيسى بكل دقة، لذلك شهدنا حربًا فى اليمن وصراعًا مسلحًا فى السودان ولم تغب مصر عن تلك الميادين ولكن بأدوات غير حربية، وهو ما تعجب له بعض المراقبين وكتبوا بإلحاح عن مسافة السكة الوهمية التى تبنتها مصر على لسان رئيسها.

تدور الدنيا ويضرب الزلزال سوريا، وهنا ينهض الجيش المصرى لتنفيذ فلسفة مسافة السكة على طريقته، ولأننى من سكان منطقة القناة، وبالتحديد الإسماعيلية، شهدت بعينى القوافل تلو القوافل وهى تعبر من أنفاق الإسماعيلية أسفل قناة السويس متجهة نحو سوريا، شهدت المعدات الثقيلة القادرة على إزالة آثار الزلزال وهى تعلو سيارات النقل متجهة إلى الميدان الإنسانى الرحب لإنقاذ الضحايا من تحت الركام، دون تفرقة بين ضحية حكومية وضحية معارضة هناك.

كنا على الطريق الدائرى بالإسماعيلية نتابع القوافل ونريد الهتاف دعمًا لأبطال مسافة السكة، ولكن لم تساعدنا حناجرنا التى يبدو أنها هرمت. 

وما أشبه الليلة بالبارحة، جاء إعصار «دانيال» إلى ليبيا، وبالتحديد إلى شرقها المجاور لنا تمامًا، وصارت مدينة درنة حديث وسائل الإعلام العالمية، كارثة مرعبة، وصراع كبير خاضته فرق الإنقاذ من أجل استعادة الجثث التى جرفتها السيول إلى البحر، ولا داعى لحديث الأرقام الدقيقة، ولكن المؤكد هو أن الموتى بالآلاف والمصابين بالآلاف والمشردين بالآلاف.

هنا تعود عبارة مسافة السكة على طاولة الرئيس المصرى، ولا يكتفى بتصريحات إعلامية متضامنة مع الضحايا، ولكنه تابع بنفسه أعمال التنسيق بين الجهات المعنية فى مصر، بشأن تقديم المساعدات للأشقاء فى ليبيا والمغرب من قبلها.

وقال، فى تصريحات خلال اجتماعه مع قادة القوات المسلحة لتقديم المساعدات للأشقاء فى ليبيا والمغرب، إن هناك ٧ طائرات سيتم تحريكها الآن، وبالنسبة لليبيا قال الرئيس: «أتصور أننا محتاجين نقدم الإعانة، لأن حجم الضرر الناجم عن الفيضانات ضخم جدًا، والمعلومات الواردة تحتاج لتحركنا بكل القدرات، وقدرات الجيش قوية وقادرة».

وتابع: «ننسق مع الجيش الليبى ونتحرك سواء فيه فرصة للدخول برًا أو بالقوات البحرية أو الجوية أيهما أسرع، ونحن نحتاج إلى تقديم معدات مهندسين».

وأضاف: «أشقاؤنا مشغولين فى ظروفهم، ولازم كلنا نقف كقوات مسلحة، وفيه ثقة كبيرة فى الإمكانيات والقدرات وحتى فى الشعب المصرى، وهذا جهد متواضع وتعبير رمزى للمشاركة فى الأحداث».

ثم تعلن مصر الحداد ثلاثة أيام للمشاركة فى أحزان ومواساة الأشقاء، هذه هى مسافة السكة التى أفهمها، نتحدث عن انطلاق رئيس أركان الجيش المصرى عقب الكارثة مباشرة للاجتماع بقيادة الشرق الليبى، نتحدث عن تصريح متزامن مع انطلاق الطائرات، ليس هذا هو كل شىء، ولكن حضور رئيس الجمهورية طابور اصطفاف لانطلاق الدفعة الثانية من جسر تخفيف آلام الأخوة فى ليبيا فهذا معناه أن غرفة عمليات كاملة قد تأسست للمساعدة فى إدارة الأزمة، لتضم الدفعة حاملة طائرات مصرية تنقل ١٠٠ سيارة إسعاف، نصفها مجهز كغرف عمليات، ١٢٠ «لودر»، ١٠٠ عربة نقل ركام، ١٠٠ سيارة محملة بمساعدات إغاثية وطبية، وتجهيزات لإقامة معسكرين أو ثلاثة للإيواء، كل هذا يؤكد أن مصر وعدت وأوفت، وأن مسافة السكة ليس شعارًا للاستهلاك الإعلامى ولكنه واقع ملموس.

رحم الله شهداء ليبيا ضحايا الإعصار «دانيال»، وقلوبنا مع أهالينا فى بنى سويف الذين دفعوا أكثر من سبعين شهيدًا فى صراع الطبيعة مع البشر مع لقمة العيش.