رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التاريخ ينصف السيسى فى ملف قناة السويس!

(1)

مصر دولة متزنة نفسيًا وتنأى بنفسها طوال تاريخها عن الوقوف ضد مصالح وطموحات الشعوب الأخرى، بل وتساهم بقوة فى سبيل تدعيم علاقاتها بأشقائها وجيرانها وتتميز سياستها الخارجية بالتعاون والعمل على بناء علاقات ثنائية مثمرة. هذه سمتها طوال تاريخها، وهذا ما تتميز به قيادتها الحالية، العمل المشترك لصالح الجميع. من هذا المنطلق تنظر مصر دائمًا إلى أي مشاريع تنموية لأى دول شقيقة، فمصر ليس لديها عقد نفسية! وفى المقابل فهى تضع مصالح شعبها وأمنهم القومى فى المقام الأول. فطموحات التنمية مشروعة للجميع بما لا يتعارض مع مصالح شعبها! وهى فى سياستها الخارجية لديها ثبات انفعالى وثقة يصوغان مواقفها من أى اتفاقات دولية يتم الإعلان عنها مثل ما تم إعلانه مؤخرًا (مشروع الممر الاقتصادى بين الهند والخليج وأوروبا)! بل ربما تكون هذه فرصة لكى يدرك المصريون أن القيادة السياسية الحالية كان لديها ومنذ بدء توليها المسئولية رؤية مستقبلية ثاقبة. فما حدث هو إنصاف تاريخى لما قام به الرئيس السيسى منذ أكثر من تسع سنوات، وهو ما سأحاول إلقاء الضوء عليه حتى لا يمر مرور العابرين، لأن ما قام به آنذاك هو ما يمنح المصريين اليوم انتصارًا استراتيجيًا فيما يخص موردهم الأهم وهو ممر قناة السويس!

(2)

تم انتخاب السيسى رئيسًا لمصر عام 2014م فى لحظة مخاض قاسية واستثنائية من تاريخ مصر المعاصر. رئيسٌ تولى حكم مصر وهى فى أتون مواجهة عواصف سياسية واقتصادية وعسكرية عاتية، بين مواجهة عسكرية ضد عدوان يهدد حدودها الشرقية ووضع اقتصادى ينذر بكارثة، وملفات داخلية متراكمة تلقى بظلالٍ سوداء أمام المصريين، وملفات خارجية ملتهبة تستهدف إلقاء مصر خارج التاريخ الحديث! فى ذروة هذا المشهد فاجأ الرئيس المصريين بالإعلان عن مشروع حفر تفريعة قناة السويس! لقد فغر المصريون أفواههم تعجبًا من توقيت المشروع وتصميم الرئيس على تنفيذه، وتساءل كثيرون وقتها عن منطقية المشروع وتوقيته! ولقد سمعتُ وقتها بأذنى هذه العبارة كثيرًا (هو بيعمل إيه وليه؟)! ولقد كنتُ من الذين تعجبوا من توقيت المشروع تعجبًا دفعنى للبحث المعلوماتى المكثف وقتها، وخلصتُ إلى أن هذا المشروع وقتها لم يكن إلا جزءًا من جولات الحرب التى تخوضها مصر! ورغم تعجب واندهاش المصريين وقتها، فإن ثقتهم فى رؤية الرئيس دفعتهم لاستجابة سجلها التاريخ لهم حين قدم المصريون ما يزيد على ستين مليار جنيه فى أيامٍ قليلة لشراء شهادات استثمار قناة السويس ذات الخمس سنوات!

 أثار موقف المصريين وقتها حنق وغيظ مَن كانوا يعرفون هدف المشروع وقيمته، وأنه لم يكن سوى جزءٍ أو مشهد من مشاهد الحرب التى فُرض على مصر خوضها منذ الخامس والعشرين من يناير 2011م. فى الوقت الذى تزاحم المصريون على بنوك مصر لمساندة بلادهم وتقديم مشهد ثقة جديد فى شخص الرئيس السيسى، كان هناك من يتمنى فشل المصريين فى التنفيذ أو على الأقل تأجيله لأجلٍ غير مسمى! وكان هناك قطعًا فى مكانٍ ما من العالم مَن كان يضرب بقبضته مكتبه غضبًا من المشهد! وكانت هناك قناة تليفزيونية عربية تخصص مساحة كبيرة من خريطتها للهجوم على المشروع ومحاولة تشكيك المصريين به وبالقيادة المصرية، لأن تلك القناة تحديدًا كانت تمثل رأس حربة فى المعركة وليست مجرد منبر إعلامي، وكان مَن تتحدث بلسانهم هذه القناة يدركون ما قرر السيسى تنفيذه على الأرض! فهو قد قرر استباق ما يعتقد أنه سوف يحدث مستقبلًا!

رغم اقتناع غالبية المصريين بما حققته قناة السويس الجديدة من أهداف اقتصادية فورية وبعيدة المدى وأهداف استراتيجية مستقبلية لحماية وتأمين أحد أهم موارد الاقتصاد المصرى، لكن ما شهدته المنطقة فى الأيام القليلة الماضية- من التحدث عن إقامة مشاريع نقل تجارية ذات خط سير بعيدة عن قناة السويس– هو تحديدًا ما أقصده بعنوان المقال! الآن الأحداث السياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية الآن تنصف رؤية الرئيس السيسى التى مر عليها تسع سنوات! فالآن وبعد هذا التطور الذى أحدثه المشروع المصرى الخالص على هذا الطريق التجارى الأهم فى العالم يمكن للمصريين أن يطمئنوا تمامًا بأن هذا الطريق المصرى العريق آمنٌ تمامًا من فكرة المنافسة الوهمية التى يحاول البعض ترويجها!

(3)

حلم أو وهم ضرب قناة السويس اقتصاديًا ليس بجديد! فهو وهمٌ لم تكف عن التفكير فيه دول كثيرة، وعلى الأخص ذلك الكيان القائم على حدود مصر الشرقية. وهناك دول أخرى تحلم– أحلامًا مشروعة- بأن تقتطع نصيبًا من نسبة التجارة العالمية التى تستحوذ عليها قناة السويس! فمنافسة دول شقيقة أو دول جارة، وتحفز دول معادية هو من مفردات السياسة الدولية منذ نشأة الدول وستظل قائمة حتى نهاية العالم، وعلى كل دولة أن تحصن نفسها وتدافع عن مصالحها ومصالح مواطنيها. فوجود اتفاقات دولية معاصرة بين دول بعينها لإقامة طرق ومسارات تجارية يجب ألا يثير فزع المصريين لأنه ليس بجديد وسيستمر مستقبلًا، ودائمًا سوف يحسم المشهد تيقظ الإدارة المصرية وامتلاكها لخطط ورؤية مستقبلية، وأيضًا من عوامل الحسم الحقائق الجغرافية والطبوغرافية التى لن يستطيع أحد تغييرها! وقد يكون مفيدًا أن نلقى نظرة عابرة على بعض ما كان يتم تداوله بين الحين والآخر عن مشاريع نقل برية وبحرية ومحاولة البعض ترويجه وكأنه ضربة لقناة السويس رغم يقين القائمين على تلك المشاريع بعدم منطقية هذا الطرح! 

وهذا حدث فى توقيتٍ موازٍ لتنفيذ مصر لمشروع قناة السويس الجديدة، حين تم ترويج أخبار عن إنشاء خط بين البحر الأحمر والبحر الميت بمشاركة إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية! وبتتبع الموضوع اتضح أن المشروع قديم ولا علاقة له بعملية نقل البضائع أو التجارة، لأنه مشروع لعمل خط مياه من البحر الأحمر للبحر الميت من خلال أنابيب عملاقة مدفونة فى الأرض! حيث ستقوم إسرائيل بضخ مياه مالحة من البحر الأحمر للبحر الميت المهدد بالجفاف (100 مليون متر مكعب سنويًا) عبر أربعة خطوط أنابيب عملاقة بطول 180 كم.. وهو أيضًا جزءٌ من المفاوضات السياسية الإسرائيلية الفلسطينية الأردنية حيث من المقرر أن يتم إنشاء محطة لتحلية كميات من هذه المياه (فى مدينة العقبة الأردنية) يتم توزيعها بين الأطراف الثلاثة (الفلسطينيين والأردنيين والإسرائيليين) كتعويض عما تغتصبه إسرائيل من مياه عربية أردنية لبنانية فلسطينية!

(4)

فى ذروة ملف صنافير وتيران تم تسريب وهمٍ أو طُعمٍ ابتلعه بعض المصريين، بل وقام وقتها بعض المحامين بتقديمه كوثائق فى دعوى رفعها بعضهم مختصمًا الحكومة المصرية! هذا الوهم كان خريطة متخيلة لقناة بحرية إسرائيلية بين البحرين الأحمر والمتوسط والإيحاء بأن هذه القناة المزعومة لم تكن لتحفر إلا بعد أن سلمت مصر جزيرة صنافير وتيران للسعودية!

ومما قدمه هؤلاء المحامون فى دعواهم هو صفحة 183 من كتاب لوزارة الحربية صادر عام 1969 وتتحدث الصفحة عن أحلام إسرائيل فى منافسة قناة السويس.. لكن الذين قدموا الوثيقة تجاهلوا ما ورد نصًا فى نفس الصفحة عن مشروع القناة المائية من إيلات إلى البحر المتوسط، حيث تقول عبارات الكتاب (إلا أن هذا المشروع – يقصد القناة الإسرائيلية المائية - تعترضه صعوباتٌ فنية واقتصادية بالغة بناءً على دراسات مستقلة).

وهذا ما ثبت يقينًا بعد عقود من صدور هذا الكتاب.. فحفر ما يسمى بقناة أشدود بين ميناءى أشدود على البحر الأبيض وإيلات على البحر الأحمر كان صعب التحقيق جدًا ثم أصبح غير ذى جدوى أو وهمًا كبيرًا بعد حفر مصر تفريعة قناة السويس الجديدة التى قضت على السبب الوحيد أو الإغراء الوحيد الذى كان يمكنه فى يوم من الأيام أن يدفع إسرائيل فى طريق الجنون الجيولوجى والسياسى بمحاولة حفر تلك القناة! حيث كان طول الوقت فى الانتظار أثناء مرور السفن فى قناة السويس بسبب عدم ازدواج الممر المائى هو ذلك الإغراء الوحيد لإسرائيل الذى كان يمكنه أن يدفعها لتلك المحاولة.. وقد نزعت مصر عن هذا الإغراء قيد الحياة للأبد! فلقد ضربت مصر بما نفذته هذا المشروع المحتمل ضربة قاضية!

حتى قبل أن تقوم مصر بحفر تلك التفريعة فقد كانت محاولة إسرائيل لحفر تلك القناة هو ضرب من الجنون لأسباب جيولوجية واقتصادية وسياسية.. وإسرائيل كانت دائمًا تدرك ذلك وهو ما جعلها لا تقدم على هذه المحاولة التى لو رأت بها أى أمل فى النجاح- فى القضاء على قناة السويس أو حتى مقاسمتها الأرباح- لما تركتها! فتضاريسيًا وجود ارتفاعات وانخفاضات فجائية شديدة التباين فى مستوى التضاريس يعتبر السبب الأهم فى عدم إقدام إسرائيل عمليًا على محاولة شق مثل هذه القناة.. وجيولوجيًا فإن وجود صخور شديدة تعترض أى مجرى مقترح أفسد أى جدوى اقتصادية للمشروع. ثم نأتى للنقطة الأهم وهى مسافات الطول التى ستجعل القناة أطول من قناة السويس بعشرات الكيلومترات– طبقًا لتقديرات مختلفة- مما ينسف فكرة جدوى المشروع اقتصاديًا بخلاف سبب جعرافى آخر يتعلق بطبيعة منطقة مضايق تيران وضيقها الشديد مما سيقوض أى حركة ملاحية متخيلة لأى عدد كبير من البواخر.. نأتى للجانب السياسى فى المشروع.. إن إسرائيل المهووسة بفكرة الأمن لن تخاطر فى يوم من الأيام بالقيام بعمل حاجز مائى يشطر الدولة إلى نصفين! هل ما ستحققه إسرائيل من دخل اقتصادى لها أو الدخل الذى ستنجح فى إفقاد مصر له يستحق كل ما سبق من مخاطر مع إضافة بندٍ جديد هو الدخول فى مواجهة صريحة مع مصر فى ظل قيادة جديدة اختبرها العالم فى مواقفها الوطنية الصلبة؟ أما أن يربط البعض عدم قيام إسرائيل بمحاولة شق هذه القناة المزعومة حتى الآن بسبب القوانين الدولية فيما يخص مضيق تيران فإن هذا- ومع دولة مارقة على القانون الدولى– وهمٌ كبيرٌ وعلى هؤلاء أن يستعيدوا تجربة ناصر حين قام بإغلاق المضايق! إن إسرائيل لم تكن لتحجم عن الشروع فى تنفيذ أى مشروع- من شأنه أن يحقق لها تميزًا أو تفوقًا على مصر أو حتى يحقق ضررًا لمصر– إلا إذا أدركت عدم جدوى هذا المشروع اقتصاديًا لها أو استحالة تنفيذه عمليًا! 

لذلك فإن ما وصلتُ إليه من يقين بعد بحث ما هو متاح عن مشروع قناة أشدود هو أنه إذا كان ذلك المشروع– حتى لو من الناحية النظرية- حلمًا إسرائيليًا فى يوم من الأيام فإنه أصبح– من الناحية العملية- وهمًا بعد حفر مصر لتفريعة قناة السويس الجديدة! 

(5)

أما الحديث عن منافسة القناة بخطوط سكك حديدية لنقل الركاب والبضائع فهو حديث لا يؤخذ على محمل الجد لبديهيات يعرفها الجميع بمقارنة حمولة سفينة واحدة تعبر القناة فى ساعات وبين عدد القطارات التى يتطلبها نقل نفس الحمولة، مع مقارنة التكلفتين! وأيضًا ليس هذا الحديث بجديد فلدينا سوابق لذلك وأشهرها خط السكك الحديدية الذى تم التحدث عنه رسميًا بين ميناءى أشدود وإيلات واعتبار ذلك الطريق هو المنافس التجارى  لقناة السويس! وهنا يجب أن نفرق بين حقيقتين، الأولى إنشاء خطوط سكك حديدية بغض النظر عن خطوط سيرها، ولا يضير مصر ذلك أبدًا، كما أن مصر لديها رؤيتها فى إنشاء خطوط سكك حديد دولية، أما الحقيقة الثانية فهو محاولة الزعم بمزاحمة أو منافسة أى خط سكة حديد للممر المائى الأهم فى العالم!

فكرة مشروع خط (أشدود – إيلات) تعود فى جذورها لما بعد حرب 1948م مباشرة وليست وليدة اليوم.. وقد تمت مناقشتها فى إسرائيل وصدرت قرارات بشأنها على فترات متباعدة.. منها مثلًا قرار ديفيد بن جوريون ببنائها 1955.. ثم تمت إعادة مناقشة المشروع فى الستينيات والسبعينيات حتى نصل لعام 2000 دون أن يتم أى شىء على الأرض!

ثم فى عام 2010 تم إحياء المشروع مرة أخرى، وفى عام 2014م تم الاتفاق مع شركة صينية للبدء فى المشروع.. وهو مشروع إنشاء ممر برى (سكك حديدية) بين ميناءى أشدود وإيلات لنقل البضائع للسوق المحلية من وإلى أوروبا ولنقل الركاب.. لكن السؤال هل هذا المشروع يمثل تهديدًا جديًا لقناة السويس؟..عالميًا يمثل النقل البحرى حوالى 72% من إجمالى حركة شحن البضائع بينما يمثل الشحن البرى (طرق برية وسكك حديدية معًا) حوالى 28% من إجمالى الحركة.. كما أنه عالميًا وبصفة عامة فإن تكلفة النقل عبر السكك الحديدية تزيد بمقدار 3.4 ضعف النقل البحرى.. لكن هذه النسبة تمثل إجمالى الحركة على مستوى العالم لكن فيما يتعلق بمشروع إسرائيل فالحقائق أيضًا مختلفة وليست فى صالح المشروع على الإطلاق مقارنة بقناة السويس من حيث تكلفة النقل ومن حيث الطاقة الاستيعابية.

ولقد قام المستشار الاقتصادى لهيئة قناة السويس– الدكتور عبدالتواب حجاج- بدراسة رسمية اقتصادية بخصوص المشروع الإسرائيلى تم نشرها فى عام 2012م (أى قبل أن يتداول المصريون إعلاميًا المشروع أو يسمعوا عنه).

(6)

وطبقًا لهذه الدراسة فإن القطار الواحد الذى سيتكون من 25 عربة لن يستطيع حمل أكثر من 75 حاوية.. فى حين أن السفينة الواحدة تستطيع نقل 10 آلاف حاوية (وهى ليست الأكبر فهناك سفن تمر بحمولة حتى 18 ألف حاوية) لنقل هذه الكمية التى تحملها سفينة واحدة بخط سكك حديد إسرائيل المزعوم الذي سيلزم إسرائيل أن تحرك فى اليوم 100 قطار على أن تكون حمولة كل قطار 100 حاوية! لكن الدراسة نفسها أشارت إلى أن ما يستطيع اقتناصه هذا المشروع هو 150 ألف حاوية سنويًا من إجمالى 32 مليون حاوية تمر من قناة السويس (عام 2012م) وهذا فى حال أن يقوم كل قطار بعمل رحلة ذهاب وعودة يوميًا.. كما أكدت نفس الدراسة أن ما كان يمكن أن تنجح فيه إسرائيل هو أن تتحول لمركز لوجستى عالمى يجتذب الشركات العالمية لعمل مراكز تجميع وتوزيع وخدمات القيمة المضافة.. وهو ما سبقت إليه مصر بإنشاء هيئة تنمية سيناء لتتولى القيام بهذا الدور اللوجستى للاستفادة من البنية الأساسية المتوافرة فى موانئ بورسعيد والسخنة ودمياط ومطار بورسعيد! 

كما قامت وحدة البحوث الاقتصادية بقناة السويس بعمل دراسة بإشراف دكتور عبدالتواب حجاج لدراسة تأثير التفريعة الجديدة لقناة السويس على مواكبة القناة لنسبة النمو العالمى لحركة التجارة العالمية والتى تبلغ نسبة 3% سنويًا فى الأوقات الطبيعية بعيدًا عن أوقات الأزمات أو الركود العالمى وهى دراسة تكشف عن حرص الدولة المصرية على مواكبة القناة للظروف الإقليمية والدولية فضلًا عن مراقبة أى مشاريع كبرى للنقل فى المنطقة. لذلك فخلاصة مشروع سكك حديد (أشدود إيلات) أنه مشروع نقل داخلى إسرائيلى لا يمكنه– فى حال تنفيذه- أن ينافس قناة السويس من حيث الطاقة الاستيعابية، وأن مصر لا يمكنها التدخل لمنع إنشائه لكنها تعرف قصته وتتابعها منذ بدايتها بل وسبقت فى القيام بما كان يمكن لإسرائيل القيام به حين أعلنت مصر عن هيئة تنمية سيناء وتطوير الموانئ القائمة بالفعل. وما ينطبق على هذا الخط ينطبق على غيره سواء اليوم أو غدًا!

(7)

أما فيما يتعلق بالمشروع الأخير الذى تم الإعلان عنه وهو مشروع الممر الاقتصادى الذى من المقرر أن يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا عبر بعض دول الخليج الشقيقة ثم الأردن الشقيقة وأخيرًا الكيان الصهيونى، فنحن نتحدث على نفس الفكرة.. أنه للعبور إلى البحر المتوسط  لا بد من المرور إما عبر قناة السويس أو الكيان الصهيونى. وكما أوضحت فكل الأفكار والمقترحات الموازية لقناة السويس كانت بعيدة تمامًا عن منافسة القناة، ثم أصبحت فكرة المنافسة هذه وهمًا كبيرًا بعد تنفيذ مصر تفريعة قناة السويس وتطويرها! يقول مهاب مميش مستشار رئيس الجمهورية ورئيس هيئة قناة السويس السابق عن المشروع واحتمالية منافسته لقناة السويس (لا مجال للمقارنة بين مشروع متعدد الوسائط ومجرى قناة السويس أسرع طريق ملاحى فى العالم.. فعملية النقل فى هذا المشروع ستكون مكلفة ومضيعة للوقت وضد اقتصاديات النقل البحرى.. يمر بالبحر ثم يفرغ الحمولة ويسير على سكة حديد ثم عربات نقل برى ويفرغ على البر.. هذه عملية مكلفة للغاية ولا يوجد مقارنة مع قناة السويس.. قناة السويس قادرة ومستعدة للتنافس إذ إنها أسرع وأعمق وأكثر قناة أمانًا فى العالم، ففى غضون 11 ساعة نصل البحر الأبيض بالأحمر ونصل آسيا وكل موانئ العالم..).

ما قاله "مميش" هو الفصل العلمى الموضوعى فى كل ما يحاول البعض نشره بين المصريين! فتوسط مصر للعالم أو موقعها الجغرافى الفريد هو منحة إلهية لم يستطع أحد فى السابق أن يغتصب منها هذه المنحة أو يفسدها أو يجهضها! قبل حفر القناة كانت حركة التجارة تقطع المسافة بين البحرين بريًا، وكانت مصر أيضًا تتحكم فى هذه الطرق التجارية حتى كان طريق رأس الرجاء الصالح الذى استخدمه العالم مضطرًا لأسباب تتعلق بأمن القوافل البرية وممارسات بعض حكام مصر من غير المصريين! ثم كان حفر القناة كلمة النهاية لطريق رأس الرجاء وكلمة بداية جديدة وعهد اقتصادى وتجارى جديد لمصر. لو كان ممكنًا خلق بدائل لقناة السويس لما شنت تلك الدول الاستعمارية تلك الحرب الشرسة على مصر فى سبيل الاستيلاء على القناة بعد أن استبق عبدالناصر خطط تمديد عقد احتكارها وأمّم القناة! ولو كانت إسرائيل قادرة على خلق طريق منافس لها لما وضعت الاستيلاء عليها هدفًا أساسيًا للاستيلاء عليها!

مصر ليس لديها أى مشاكل نفسية أو سياسية فى قيام أى تكتل دولى بمحاولات تنشيط تجارى أو اقتصادى بين عدة دول لأن مصر دولة داعية للسلام والتعاون الدولى وتنمية الشعوب! لكنها تدرك جيدًا كيف تدير مواردها ومقدراتها وتصون تلك الموارد من أي محاولات سيطرة أو اعتداء أو ضرب اقتصادى! وهذا ما كان يفعله السيسى حين نفذ مشروع التفريعة، وحين أولى اهتمامًا خاصًا بالموانئ التجارية على سواحل مدن القناة لكى يخلق لمصر مناطق تجارية لوجستية تحفظ لها حقها فى أي منافسات حالية أو مستقبلية!

أتمنى أن يكون المصريون لديهم من الثقة فى أنفسهم وفى دولتهم ما يمنحهم ثباتًا انفعاليًا فلا ينساقوا خلف كل مضلل أو كذوب! وأتمنى أن يكون لديهم من الإنصاف القائم على المعلومات والحقائق ما يقدرون به ما قام به الرئيس المصرى منذ توليه السلطة حق قدره وأن ينصفوه كما أنصفه التاريخ وأنصفته الأحداث السياسية الدولية والإقليمية!

لقد وضع السيسى كلمة النهاية لكل ما كان يمكن أن يحلم به أو يتوهمه أعداء مصر التقليديون أو حتى المنافسون من الأشقاء حين نفذ رؤيته فى تحصين وتعظيم دور قناة السويس وبمشاركة مصرية شعبية خالصة حتى يكون الإنجاز مصريًا خالصًا! إننى كمواطن مصرى أتوجه بخالص الشكر والتقدير لهذه الرجل المصرى صاحب الرؤية الوطنية العلمية لما قام به فى ملفاتٍ كثيرة، وأخصه الآن بشكرٍ استثنائى بعد أن أنصفه التاريخ! 

إن الأموال المكدسة قد تشترى أندية كرة قدم عالمية أو أمهر لاعبى كرة قدم، أو أعظم أصحاب المواهب الفنية فى العالم، لكنها أبدًا لا تستيطع شراء التاريخ أو الموقع الجغرافى، فهذه أشياءٌ لا تشترى!