رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصالح مُهددة كيف تتعامل إسرائيل مع أحداث غرب إفريقيا؟

 إسرائيل
إسرائيل

في نهاية يوليو الماضي، وبعد سلسلة من الانقلابات في منطقة الساحل الإفريقي، شملت دول بوركينا فاسو ومالي والسودان، أعلن رئيس الحرس الجمهوري في النيجر ومجموعة من ضباط الجيش اعتقال الرئيس محمد بازوم، وبدء فترة انتقالية، وهو الأمر الذي تكرر منذ أيام في جمهورية الجابون، بعد الإطاحة برئيسها ووضعه تحت الإقامة الجبرية.

وتثير تلك الانقلابات مخاوف واسعة في إسرائيل، في ظل ما تتسم به المنطقة من تواجد واسع للتنظيمات الإرهابية، على رأسها "القاعدة" و"بوكو حرام"، بالإضافة إلى ما اتسمت به تلك الانقلابات من الإعلان عن العداء الواضح للغرب، ما يؤثر على مصالح تل أبيب، التي تسعى منذ سنوات لتطبيع العلاقات مع دول الساحل والصحراء وتعزيز مصالحها في غرب إفريقيا، وهو ما نستعرضه في السطور التالية.

قلق من توسع الإرهاب وتعزيز الوجود الروسى الصينى الإيرانى على حساب الغرب

تعد دول غرب إفريقيا، خاصة النيجر، مركزًا للحرب التي يشنها الغرب ضد الإرهاب، وحتى الانقلاب الأخير، الشهر الماضي، كانت النيجر تُعتبر حليفة للغرب في مساعيه لمحاربة التنظيمات الإرهابية، مثل "القاعدة" و"بوكو حرام" و"داعش" وغيرها في إفريقيا.

ولا يخفى على أحد أن الانقلاب بالنيجر وتغيير نظام الحكم من المتوقع أن تكون له أصداء كبيرة تتخطى حدود الدولة، وتهدد مصالح الغرب في إفريقيا، وتهدد كذلك إسرائيل أيضاً.

ويذكر أن نشاط التنظيمات الإرهابية في النيجر كان ولايزال يشكل تهديداً للعالم، خاصة أن 43% من القتلى في هجمات إرهابية في العالم عام 2022 كانوا بسبب عناصر من هذه المنطقة.

 ومن أجل معالجة هذه المشكلة، وضعت الولايات المتحدة وفرنسا آلاف الجنود في النيجر، بالإضافة إلى قواعد للمسيّرات، لكن التعاون العسكري مع النيجر أصبح اليوم موضع تساؤل، وكذلك مدى تعزيز نشاط الجماعات الجهادية بعد الانقلاب، وإلى مدى ستسمح لهم الفوضى بالانتشار والحصول على موارد وإعادة تنظيم أنفسهم.

على جانب آخر، فإن الانقلاب في النيجر أدى إلى تعزيز قوة المحور الروسي- الصيني- الإيراني في إفريقيا، كما أن الانقلابات السابقة عزّزت التدخل الروسي وقدمت قواعد لقوات فاجنر الروسية، والتي هنأ رئيسها انقلاب النيجر قبل مقتله في حادث سقوط طائرة قبل أكثر من أسبوع.

وتعمل روسيا، في الأعوام الأخيرة، من أجل تعميق قبضتها في إفريقيا، وهي السياسة التي يتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ سنوات، وأصبحت أكثر وضوحًا في الفترة الأخيرة، إذ استضاف "بوتين" مؤخرًا مؤتمرًا في سان بطرسبورج، بمشاركة 17 رئيس دولة من إفريقيا، وأعلن عن تقديم الحبوب مجانًا إلى 7 دول إفريقية صديقة.

كما زار وزير خارجية الصين في مطلع العام خمس دول إفريقية، كجزء من توجّه الصين إلى اعتبار إفريقيا ساحة مركزية في مساعيها لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي والعسكري في العالم.

فيما تهتم إيران أيضا بشكل واضح بالقارة الإفريقية، حيث قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بأول زيارة لرئيس إيراني إلى إفريقيا منذ عشرة أعوام، وعاد بـ21 اتفاقًا موقّعًا، جزء منها يساعد طهران على الالتفاف على العقوبات الغربية. 

وتثور مخاوف من أن انقلاب النيجر قد يشعل حرباً واسعة في إفريقيا، فبعد الانقلاب هددت دول غرب إفريقيا "أيكواس" بعمل عسكري لإعادة الرئيس محمد بازوم إلى منصبه، فيما هددت بوركينا فاسو ومالي، جارتا النيجر، بالرد على أي تدخلات عسكرية.

 وبهذه الطريقة، تحول الانقلاب إلى تهديد يمكن أن يشعل حرباً، وهو أمر ترى إسرائيل أنه يمثل تهديدا لمصالحها بالمنطقة.


 المساعدات الإنسانية والأمنية باب التقارب مع الأنظمة الجديدة للحفاظ على مسيرة التطبيع

ظهرت النيجر أكثر من مرة كإحدى الدول المرشحة للتطبيع مع إسرائيل خلال السنوات الأخيرة، وفي أبريل الماضي، كانت هناك محاولات أمريكية للدفع بالتطبيع بين النيجر وإسرائيل، وتم طرح الموضوع في زيارة قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الدولة الواقعة في غرب إفريقيا.

وفي حينه، أثار "بلينكن" القضية خلال اجتماعه مع رئيس النيجر محمد بازوم، حسب موقع "أكسيوس"، كما أطلع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين على جهوده في مكالمة هاتفية، فاقترح "كوهين" أن تشارك النيجر في الاجتماع الوزاري المقبل لمنتدى النقب، الذي يحضره عدد من الدول العربية، وهو ما قوبل، وفقا للموقع، بقبول من النيجر، التي أبدت استعدادها لتطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية، حال الحصول على حوافز من واشنطن في المقابل.

وبحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن الولايات المتحدة سعت إلى جذب دول جديدة إلى منتدى النقب، بما في ذلك العديد من الدول الأفريقية، لكن إدارة الرئيس جو بايدن فشلت في حينه في إقناع أي منها بالانضمام إلى الاجتماع الذي أقيم في يناير الماضي.

وحافظت إسرائيل على علاقات دبلوماسية غير رسمية مع النيجر في ستينيات القرن الماضي، لكن العلاقات قطعت في عام 1973، ثم جدد البلدان العلاقات الأساسية في عام 1996 بعد توقيع اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن النيجر قطعت الاتصالات الرسمية مرة أخرى في عام 2002 أثناء الانتفاضة الثانية، رغم وجود أنباء تفيد بأن الدولتين ربطتهما علاقات غير رسمية خلف الكواليس.

وعند تولى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحكم لأول مرة في إسرائيل في عام 2009، جعل "نتنياهو" من تحسين العلاقات مع إفريقيا هدفا لإدارته، وفي فبراير الماضي، افتتح سفارة جمهورية تشاد في إسرائيل، في احتفال حضره الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي.

وقال "نتنياهو" لـ"ديبي" وقتها: "من وجهة نظرنا، هذه علاقة مهمة للغاية مع دولة رئيسية في قلب أفريقيا"، مشيرا إلى أن إعادة العلاقات بين إسرائيل وتشاد كان نتاجا لنشاط تل أبيب في القارة السمراء وتحركاتها الحثيثة في منطقة الساحل والصحراء، وصولاً إلى شرق إفريقيا، ومرورا بمناطق الغرب والوسط، اعتمادا على استراتيجية تقوم على تقديم المساعدات مقابل التطبيع.

ووفقا لذلك، تتحرك إسرائيل بحضور سياسي واستراتيجي محسوب وسط دول غرب إفريقيا، التي تصل إلى 16 دولة، وتنضوي في إطار مجموعة "إيكواس"، والتي سجلت حضورًا فوريًا في أحداث النيجر مؤخرًا، ما يشير إلى أن تحرك المجموعة لن يقتصر على إيجاد حل لمواجهة تصاعد الموقف.

وشاركت إسرائيل من قبل في فعاليات "إيكواس"، وهو ما برز في حضور رئيس الوزراء الإسرائيلي في بعض تلك الفعاليات، ما يعني أن إسرائيل حاضرة بشكل فعال في الأزمة في النيجر.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن تعزيز المحور المعادي للغرب، والمتمثل في روسيا والصين وإيران، لنفوذه في النيجر هو أمر ضد مصالح إسرائيل، التي تستفيد من الوجود الأمريكي والغربي في إفريقيا.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنه إذا غادرت القوات الأمريكية والفرنسية النيجر فإن هذا الأمر سيؤدي إلى تعاظُم قوة التنظيمات الإرهابية، ومع حقيقة كون النيجر إحدى أكبر الدول المصدّرة لليورانيوم في العالم، لكونها صدرت في العام الماضي نحو 5% تقريباً من مجموع إنتاج اليورانيوم العالمي، فإنه يوجد خطر اليوم من انزلاق اليورانيوم إلى دول معادية، في ضوء العقوبات التي فرضتها أوروبا عليها.

وحول فرص التطبيع، ومع عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين النيجر وإسرائيل فإنه كلما اقتربت النيجر من المحور المعادي للغرب كلما أصبحت فرص تطبيعها مع إسرائيل أقل.

ومع حقيقة أن النيجر تعاني من مشكلات حادة في الصحة والغذاء والمياه فمن المتوقع أن تقوم إسرائيل بالتدخل عبر تقديم مساعدات إنسانية، بالتنسيق مع الغرب، مع العمل بعيدًا عن الأنظار مع الحكام الجدد، واستمرار محاربة التنظيمات الإرهابية، ما يضمن الحضور الإسرائيلي في الأراضي الإفريقية بشكل أو بآخر.