رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تمكين اقتصادى للأولى بالرعاية".. كيف دعمت الدولة رواد الأعمال بالحرف والمنتجات اليدوية؟

الحرف والمنتجات اليدوية
الحرف والمنتجات اليدوية

تعمل أجهزة الدولة، ومن بينها وزارة التضامن الاجتماعى، على التوسع فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، بهدف دعم وتمكين الفئات الأولى بالرعاية، وضمان توفير حياة كريمة لهم.

وتسعى «التضامن» لتحقيق ذلك بعيدًا عن المساعدات المعتادة، ولكن من خلال مساعدة الفئات الأولى بالرعاية على إقامة مشروعاتهم الخاصة، وعرض منتجاتهم فى معارض «ديارنا» وغيرها، فى إطار التسويق لهذه المنتجات فى الداخل والخارج.

وأعلنت الوزارة عن توفير قرابة ٥٩ ألف فرصة عمل للمرأة الريفية، من خلال مساعدتهن على إقامة مشروعات متناهية الصغر، بقيمة تصل إلى ٤٨٠ مليون جنيه، تم توفيرها من خلال مصادر تمويل متنوعة.

التضامن: 74% من المشروعات للمرأة.. و25 معرضًا ترويجيًا فى الداخل والخارج

قالت الدكتورة نيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، إن الحماية الاجتماعية جزء من الدستور الحالى و«رؤية مصر ٢٠٣٠»، وهى تقوم على ٣ محاور رئيسية، أولها إتاحة فرص عمل للفئات المستحقة، والتأمين الاجتماعى وتحقيق الحد الأدنى من الدخل الأساسى للأسر التى لديها مخاطر مرتبطة بالإعاقة والفقر أو البطالة، وصولًا إلى تأمين الحصول على الخدمات الأساسية وتحسين الوعى العام، فيما يطلق عليه «المنهج الوقائى».

وأضافت الوزيرة: «دعمنا مشروعات صغيرة بقيمة ٤٠٠ مليون جنيه خلال ٣ أسابيع فقط، وسيتم إطلاق مشروعات تنمية وتمكين اقتصادى فى عدة محافظات، بداية من شمال سيناء بقيمة ٨٠ مليون جنيه، وتحديدًا فى الشيخ زويد والمخل والحسنة بدءًا من نهاية أغسطس الجارى، فى إطار جهود الدولة لتنمية وإعمار أرض الفيروز وتمكين أهلها من الناحية الاقتصادية».

وأشارت إلى دور برامج التمكين الاقتصادى أيضًا فى تأهيل وتنمية المرأة الريفية، وتمكينها ودمجها فى سوق العمل، وذلك من خلال مشروعات متناهية الصغر، وقروض ميسرة ضمن برامج «مستورة» تحت مظلة بنك ناصر الاجتماعى، وبرنامج «فرصة» لتوفير فرص للعمل لدى الغير ولدى النفس. وتابعت: «نسبة المشروعات الموجهة للمرأة تبلغ ٧٤٪ من إجمالى المشروعات متناهية الصغر، فى إطار الدور الفعال والنشط للمرأة فى المجتمع، وقدرتها على إقامة اقتصاديات صغيرة تحقق لها ولأسرتها الاكتفاء الذاتى، وتسهم فى تحسين جودة حياتها، وهو ما يمتد ليشمل المرأة الريفية والبدوية».

وكشفت عن عزم «التضامن» إنشاء منصة موحدة لبرامج التمكين الاقتصادى، ولتوثيق وتحديث بيانات المشروعات متناهية الصغر فى الوزارة، بالإضافة إلى وضع خطة لتكثيف جهود الترويج للمنتجات الحرفية والتراثية فى الداخل والخارج.

وأوضحت أن الوزارة تعمل على إقامة ٢٥ معرضًا للترويج لهذه المنتجات داخل وخارج مصر خلال العام الجارى، نُفذ منها ٢٢ معرضًا بالفعل حتى الآن، مع التخطيط لإقامة ٨ معارض فى الخارج خلال الفترة المقبلة، فضلًا عن عدد من المعارض الأخرى داخل وخارج القاهرة بالتعاون مع الأندية الرياضية والاجتماعية.

وأضافت: «المشاركة فى هذه المعارض بالمنتجات التراثية تعد خطوة مهمة لدعم المنتج المصرى وتعزيز قدرته على المنافسة والتطوير، وفتح أسواق خارجية متميزة لهذا المنتج، كما أنها فرصة مهمة لدراسة الفرص التصديرية المتاحة لمنتجاتنا، والتعرف عن قرب على احتياجات الأسواق الخارجية، إلى جانب عقد شراكات مع القطاع الخاص بهدف التصدير من خلال المشاركة فى المعارض، حتى لا يقتصر الأمر على البيع المباشر فقط».

مها يوسف: أعمل على الاستفادة من «بواقى القماش» والملابس القديمة لصنع منتجات جديدة

كشفت مها يوسف عبدالمقصود، إحدى المستفيدات من دعم وزارة التضامن الاجتماعى، عن إجادتها العديد من الحرف التراثية واليدوية، من بينها العقد والربط والكروشيه، والرسم على الزجاج والخزف.

وقالت السيدة الستينية: «كنت بشتغل فى بنك، بعدها بدأت أفكر إنى عندى طاقات وممكن أعمل حاجة بيها، عشان كده قررت أن أنتقل من شغل الحسابات إلى شغل الهاند ميد، اللى بحبه جدًا من زمان».

وأضافت: «دخلت كورسات واتعلمت العقد والربط والكروشيه والرسم على الزجاج والخزف والزجاج المعشق، ولقيت نفسى مايلة أكتر للعقد والربط، لأنه بيعتمد على الألوان اللى بتعمل بهجة وبتغير المود تمامًا، وهو فن معروف ويتم تدريسه فى كليتى الفنون التطبيقية والفنون الجميلة».

وواصلت: «كنت عايزة أستغل طاقتى فى حاجة صح، وده حققته من خلال شغل الهاند ميد، وحتى لما كانت بتقابلنى مشاكل فى شغل البنك، لما كنت أرجع أشتغل الهاند ميد فى البيت، كنت بنسى المشاكل دى على طول، وكأنه بيخرج الطاقة السلبية منى»، مشيرة إلى أنها فى بعض الأوقات تستغرق ٣ ساعات كاملة من أجل إنجاز «منتج يدوى».

وعن طريقة تعلمها الحرف اليدوية، قالت السيدة «مها»، التى تبلغ من العمر ٦٢ عامًا، إنها بدأت التحول من موظفة إلى ممتهنة بالحرف اليدوية منذ ٢٠١٧، مضيفة: «تعلمت الباتيك والعقد والربط مع أستاذتى المبجلة سمر، وهى فنانة راقية عندها فكر وحس عالٍ جدًا، ودايمًا بتعمل حاجات جديدة، وأنا بشكرها ودايمًا بتعلم منها، وهى بتخرج أجيال بيتعلموا التاى داى والباتيك». وأضافت: «أخدت كورسات خاصة، ولما ببقى عايزة معلومة جديدة بدخل على اليوتيوب وببص وأتعلم، مثلًا فى حاجة صعبة جدًا فى (التاى داى) اسمها (شيبورى)، هى بتتعمل فى اليابان، فاليابانيين أساتذة فى الشغل ده، نفسى أدخل فيه، لأنه بيدى أشكال رائعة، وهينقلنا نقلة تانية».

وكشفت عن عزمها تنفيذ مبادرة للحفاظ على البيئة، من خلال استخدام «بواقى» القماش من المصانع والملابس القديمة لصنع منتجات جديدة.

وأشارت إلى أنها تعمل داخل ورشة صغيرة فى منزلها، حيث تعكف على تصميم الموديل، بينما هناك مسئول عن الخياطة، متابعة: «أنا اللى بربط وبعقد وبلون جوه ورشة صغيرة عندى فى البيت».

هانى فؤاد: «ديارنا» عرفتنى بزبائن جدد وساعدتنى على زيادة مبيعاتى

أوضح هانى أحمد فؤاد، الحاصل على بكالوريوس التجارة عام ٢٠٠٤، أنه عمل بعد تخرجه بشركة محاسبة لكن ظلت لديه الرغبة فى الاستمرار بالعمل اليدوى، خاصة أنه عمل فى ورشة والده التى أغلقت، وكانت متخصصة فى صناعة الجلود.

وقال: «كانت عند والدى ورشة جلود وقفلها، وأنا قررت أرجع لمهنتى، خصوصًا إنى كنت باشوف الناس بتشتغل فى ورشتنا وأنا صغير، وحبيت العمل فى تفصيل الجلود من وقتها».

وأضاف: «لقيت مافيش عندى ورشة فرحت اشتغلت فى ورش خاصة للتصنيع، وتعبت شوية فى الأول، وبعدين بقيت أشترى الجلد من الروبيكى لحد ما الناس عرفونى، وبقيت باتعامل معاهم بالتليفون».

وأوضح أنه تعلم الصنعة ثم بدأ بيع منتجاته فى عدة أماكن، ومنها شرم الشيخ، إلى أن تعرف على أحد أصحاب المحال بشرم، وعرض عليه العمل فى صناعة الجلود بشكل كامل. وتابع: «ماكنتش لسه اتجوزت وكان سهل أتنقل وأسكن هناك، وفعلًا أجرت محل، وصنعت واستعنت بأصحابى، وربنا كرمهم بعدها وفتحوا ورش خاصة ليهم، ودلوقتى بقى عندى أكتر من محل فى شرم، والحمد لله».

وأوضح أنه اتجه بعد ذلك إلى بيع منتجاته ضمن معارض وزارة التضامن الاجتماعى، فى ظل الإقبال على المنتجات المصنوعة يدويًا من الجلد الطبيعى، خاصة جلود التماسيح والثعابين التى كان يشتريها خصيصًا من دولة السودان قبل الأحداث الأخيرة هناك.

واستطرد: كنت دايمًا أسمع عن معارض التضامن، زى «ديارنا»، لكن كنت مترددًا أنزل فيها، لكن قلت أجرب ونزلت معرض اتعمل فى واحد من المولات، ولقيت إنها ساعدتنى أتعرف على العديد من الأشخاص، والمبيعات كانت أفضل، وكمان فى المعارض بدأت أقابل ناس وزباين قالوا لى إن حاجاتى كويسة، وسعرها كويس مقارنة بأسعار المحلات، وعشان كده بقى طبيعى إنى ألاقى الزبون بييجى يشترى منى مرة واتنين.

يسرية محروس:نجاحى فى معارض «التضامن» ساعدنى على إنشاء مصنع صغير للخزف

حلم يسرية محروس، من كفرإسماعيل بمركز زفتى بمحافظة الغربية، دفعها لإنشاء مركز لتعليم وإحياء الحرف اليدوية التراثية، وكان «النداهة» التى قادتها للتغلب على صعوبات كثيرة.

حصلت «يسرية» على قرض «مستورة»، الذى يقدمه بنك ناصر الاجتماعى للنساء، وأصبحت بعد ذلك نموذجًا للفنانة الحرفية الأصيلة وتحولت لرائدة أعمال من الدرجة الأولى، خاصة بعدما قررت أن تتعلم مهنة الخزف، التى لم تتعلمها بالوراثة، بل بالتجربة والخطأ، التى سمحت لها باكتشاف أسرار الطين، الذى اختارته لتكون هوايتها وحرفتها. «يسرية» هى الأخت الكبرى لثلاثة إخوة أصغر منها فى أسرة لا يعرف فيها الوالدان القراءة والكتابة، لكنهما شجعاها على التعلم والعمل فى سن صغيرة، وغرسا فيها الرغبة فى إثبات الذات وعدم التخلى عن الحلم مهما واجهت فى سبيله من عراقيل.

عمل الوالد فى بيع الفحم، وفقر الأسرة شجعها منذ كانت فى المرحلة الإعدادية على العمل فى الرسم والتلوين على ورق البردى مثل بعض بنات قريتها، للمساهمة بقروش قليلة فى دعم الأسرة وتحمل تكاليف الحياة، وكانت تذهب مع الفتيات للحصول على ورق البردى المرسوم من مرسم بمدينة ميت غمر القريبة، ثم يعملن على تلوينه وإعادته للمرسم، لتأخذ الواحدة منهن قروشًا قليلة مقابل كل ورقة، مع المخاطرة بخصم قيمة الورقة إن فشلت فى عملها. صعوبة العمل وقلة المقابل دفعت «يسرية» للسؤال حول كيفية شراء كميات من الورق بسعر الجملة، والبحث عن زبائن ذلك الورق الملون لبيعه لهم مباشرة، ووقتها علمت أن ذلك الورق يباع فى مدينة أبوكبير بمحافظة الشرقية، فقررت أن تذهب إليها برفقة والدها، وتشترى الورق ثم توزعه على خمس فتيات من زميلاتها بالقرية، مع تخصيص غرفة فى منزل الأسرة لتكون مرسمها الخاص.

ومن والدها، عرفت أن أفضل مكان لبيع ورق البردى المرسوم والملون هو بالقرب من المناطق الأثرية بالقاهرة، مثل المتحف المصرى والأهرامات، فطلبت منه أن يصطحبها لهناك لبيع منتجاتها، وعمرها لا يتعدى ١٧ سنة.

تزوجت «يسرية» فى عام ١٩٩٣، ثم توفى والدها فى عام ١٩٩٤، وهنا وجدت نفسها فى اختيار صعب، فإما أن تستمر فى حياتها الزوجية وإما أن تستمر فى دعم إخوتها الثلاثة ووالدتها، ففضلت الثانية، وتمسكت بوصية والدها فى تحقيق ذاتها والاستمرار فى العمل، وواجهت فى سبيل ذلك ضغوطًا اجتماعية كثيرة لأن كثيرين أصبحوا يتعاملون معها باعتبارها مطلقة، ويرفضون خروجها ودخولها وسفرها، لكنها لم تستسلم، رغم الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التى مرت بها مصر طيلة السنوات الماضية.

وأضافت «يسرية»: «معارض ديارنا أنقذتنى أنا وغيرى من الضربات الاقتصادية المتتالية، وجعلتنى أكتشف شغف الأوروبيين بالخزف المصرى، وأن المصريين أيضًا يقبلون على شراء الفخار والخزف أكثر من السائحين».

وأوضحت أن ذلك دفعها لإنشاء مصنع صغير للخزف فى القليوبية، يشرف عليه أخوها الأصغر، وهو خريج كلية الشريعة والقانون الذى أحب الخزف وتخصص فى تطوير التصميمات والألوان، وساعدها فى التسويق بالمعارض التى تشارك فيها. حاليًا تحلم «يسرية» بإنشاء مركز لتعليم الحرف اليدوية فى قريتها بالغربية، لتتعلم فيه بنات القرية، خاصة اليتيمات منهن والنساء المطلقات، لمساعدتهن على الخروج من دائرة الفقر إلى القدرة على مواجهة الحياة، وفى سبيل ذلك تتواصل مع جمعية تنمية المجتمع المحلى فى القرية لإنشاء مشغل وورشة فخار، لتساعد غيرها على البدء كما بدأت.