رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمار يا سور الأزبكية!

بعد أن صليت الظهر فى مسجد الإمام الحسين، خرجت قاصدًا محطة مترو العتبة، رفقة أحد معارفى القدامى، قابلته قدرًا فى المسجد، فأخبرنى بأنه أتى إلى القاهرة من أجل إنجاز بعض المصالح، ثم وجد نفسه قريبًا من الجامع، فارتأي الدخول والصلاة وزيارة الضريح، والدعاء بداخله من باب التبرك "ومن زار الأعتاب ما خاب"! سلكنا طريقنا سيرًا على الأقدام فى شارع الأزهر العتيق "الخالى تقريبًا من المارة"، نظرًا للحر الشديد الذى تشهده بلدنا فى هذه الأيام، كما وأن اليوم هو الأحد، ونصف المحلات "مأجزة" وأبوابها مغلقة! تجاذبنا أطراف الحديث أنا وصديقى "القروى" إلى أن وجدنا أنفسنا فجأة بداخل سور الأزبكية، وقفنا للحظة فى منتصف الممر المؤدى إلى مدخل المحطة! ثم تنحينا جانبًا لنفسح الطريق لغيرنا، ارتكنّا إلى أحد أكشاك بيع الكتب من أجل التقاط أنفاسنا، ومسح عرقنا عن جبينينا، بينما جلس أصحاب الأكشاك يهوون على وجوههم ببعض أغلفة المجلات القديمة، وكأنها مراوح ورقية، يحركونها يمنة ويسرة، علها تسهم ولو بقدر بسيط فى تخفيف لهيب الجو واستعار حرارته، أعانهم الله ورزقهم، وجعل سعيهم على أرزاقهم وصبرهم على "رزالة" بعض زبائنهم في ميزان حسناتهم! سألت أحد البائعين عن رواية "ديوان البقر" للكاتب محمد أبوالعلا السلاموني، فهب الرجل واقفًا "كتر ألف خيره" وأخذ في البحث الدءوب عنها في الكتب المرصوصة أمامه فلم يجدها، فتحول إلى البحث عنها في كتب أخرى كان قد أعدها للعرض، لاحظ صديق رحلتى وجود كتب مدرسية "مستعملة" في الكشك المجاور مباشرة لنا، فسأل صاحبه على كتب "تالتة ابتدائي" فأجابه الرجل قائلًا، آه كتب تالتة موجودة، حضرتك عاوز مواد إيه؟ ثم أشّر له على أحد الأرفف، فتوجه مباشرة إليه وأمسك كتابًا وبدأ بالتقليب فيه، أطال الفحص والمحص والتقليب، ثم تركه وأمسك غيره، وما فعله بالكتاب الأول، فعله بحذافيره مع الكتاب الثانى، شعرت بشىء من الملل، فسألت البائع "الأولاني" هل وجدت الرواية يا "عمنا"؟ فقال مع الأسف مش موجودة، تقريبًا ابني باعها! قلت له على بركة الله، شكرته وعدت إلى كشك الكتب المدرسية لأجد صاحبنا على وضعه الذى كنت قد تركته عليه، واقفًا يتفحص الكتب، ويعيد الفحص والتقليب، ثم يترك الكتاب ويمسك غيره، وهكذا دواليك! لاحظت أن الملل الذي كان قد أصابني بعض منه، نال بائع الكتب المدرسية أضعاف أضعافه، الراجل كان "هيطق"، وبصراحة عنده حق"! حدثتني نفسي بأن صاحبنا ربما يفعل ما يفعله، لأنه يريد "فصال" البائع في السعر، ولكنه يخجل من وجودى، هو رجل ميسور الحال وأنا أعلم، ولكننى أعلم أيضًا أنه شخص متردد جدًااا، يعشق الفصال وكثرة المناهدة! وقد سبق لى من قبل أن نصحته، وذكّرته، بحديث نبينا الكريم "رحم الله رجلً سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى"، ولكن دون أى جدوى تذكر، لأنه طبع فيه، ومادام الطبع غلاب فلا أمل إذًا فى التغيير! على أية حال، حرصًا منى على ما تبقى سليمًا لدىّ من عضو اسمه المرارة، قلت له يا فلان، أنا هسبقك إلى المحطة، خلّص على مهلك وابقى تعالى! وفعلًا تركته وانصرفت، جلست أنتظره بالداخل، ثم أخرجت هاتفي واتصلت على أهل بيتى لأطمئن عليهم، وأسألهم إذا كان هناك شىء يريدون أن أحضره معى وأنا عائد إلى المنزل فأحضره، استمرت المكالمة تقريبًا ربع ساعة، وإذا بصاحبنا قادم يتبختر، يملأ وجهه الإشراق، يحدوه الأمل، وترتسم على ملامحه كل معانى البهجة والسرور، وقبل أن أسأله عن شىء، بادرنى هو قائلًا: تخيل؟؟ اشتريت خمسة كتب، الكتاب بـ٢٥ جنيه..  تعرف الكتاب الواحد من دول بيتباع بكام فى المكتبات، وأنا لسه سائل عليهم إمبارح؟ 
قلت له لا والله يا فلان معرفش، بيتباع بكام.  
قال بـ١٧٠، وبـ١٨٠ جنيه، وهو هو نفس الكتاب! 
فقلت له "طيب دى حاجة عال خالص" عمار والله يا سور الأزبكية! وكانت تلك هى المرة الأولى، التي أعرف فيها أنه فى هذا المكان هناك أكشاك تبيع الكتب المدرسية المستعملة! 
حفظ الله بلدنا وأعانكم وأعاننا.