رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يحتفل الكاثوليك بذكرى رحيلها.. من هي القديسة تريزا بنديكتا للصليب الشهيدة؟

القديسة تريزا بنديكتا
القديسة تريزا بنديكتا للصليب الشهيدة

تحتفل الكنيسة الكاثوليكية في مصر اليوم، بذكرى رحيل القديسة تريزا بنديكتا للصليب الشهيدة.

من هي القديسة تريزا بنديكتا للصليب الشهيدة
 بدأت قصّة القديسة تريزا بنديكتا للصليب الشهيدة في "يوم كيبور" أيّ يوم الكفّارة، الثاني عشر من أكتوبر سنة 1891 فقد ولدت في هذا اليوم.  
وانتهت حياتها الأرضية في فرن الغاز ومحرقة "أوشفيتز" على أيدي النازيّين في 9 آب من سنة 1942. فكانت سنوّها إحدى وخمسين سنة، عاشتها اديت شتاين على هذه الأرض.  
ولكنّ قصص الأبطال القديسين لا تنتهي بموتهم بل تبدأ، ومآثرهم تظلُّ حيّة، وعجائبهم تشهد لهم، وشذى عبيرهم لا بدّ له من أن يعبق ويعطّر الآفاق، ذلك لأن يسوع المسيح، يعمل بواسطتهم ومن خلالهم، لذلك نراه "لا يكفّ عن إمداد كنيسته بخصب جديد فيجعل لنا من سيرتهم قدوة ومثالاً، ومن اتحادنا بهم شركة، ومن شفاعتهم سنداً وحماية، كما نقرأ في مقدّمة القديسين في قداس الطقس اللاتيني.  
وتختمُ المقدّمة الصلاة بهذه العبارات: "فإذا ما أحاط بنا هذا الجمع الغفير من الشهود، جرينا مثلهم بعزمٍ في ميدان التجربة، ونلنا معهم اكليل مجد لا يذوي".  

لذلك جاء إعلان إديت شتاين أو تريزا بنديكتا للصليب، قديسة، في 11/10/1998، وكأني بالكنيسة تريد أن تقدّم لنا مثالاً حيّا للقداسة، لأبناء نهاية القرن العشرين، وتؤهّلهم لدخول القرن الحادي والعشرين وأمام ناظريهم، فيلسوفة لم تتوان عن البحث عن الله إلى أن وجدته في يسوع المسيح. فتبعته وكرّست له حياتها بكاملها. ثم ماتت من أجله معلّقةً على الصليب.  
 

طفولة اديت شتاين وصباها الأول
 

اسمها إديت شتاين، وفي الرهبانيّة، اتخذت لها اسم: تريز بنديكت للصليب، ولدت يوم 12 أكتوبر 1891، في برسلو  من مقاطعة كولونيا في ألمانيا، من عائلة يهودية مؤمنة تتعاطى التجارة. إنها الصغرى بين سبعة إخوة، فقدت أباها وهي في الثانية من عمرها، فانبرت والدتها تلقّنها منذ وعيها الأول، تاريخ الشعب اليهودي وديانته وتقاليده وخصوصيّاته.

 وما أن بلغت سنّ الرشد، حتى فقدت إيمانها ولكنّ قلبها وعقلها بقيا يبحثان عن المطلق وعن الحقيقة. ولتحقيق ذلك أكبّت على دراسة الفلسفة على يد معلّمها الفيلسوف هوسرل، علّها تجد فيها ضالّتها المنشودة، وهي التي صرّحت تقول في هذا الصدد: "العطش الى الحققة كان صلاتي الوحيدة".


فيلسوفة تبحث عن الحقيقة

إديت شتاين فيلسوفة شابة نذرت نفسها للعلم وللبحث عن الحقيقة، وفي الوقت الذي كانت تبحث فيه عن الحقيقة، كان الله يبحث عنها، وكان هو السبّاق في وضعها على طريقه، تماما كما وضع يوما بولس الرسول على طريقه، فحوّله من مضطهد متصلّب، الى مبشّر ورسول، فقد كانت اديت يهوديّة ملحدة في شبابها.

 ثم غدت فيلسوفة تبحث عن الحقيقة إلى أن وجدتها فأضحت مسيحية كاثوليكية، ومن ثم راهبة كرمليّة حبيسة، وابنة روحيّة لأبويها القديسين الكرمليّين: تريزا الآفيلية ويوحنا الصليب، وشقيقة روحية لمعلّمة الكنيسة الجديدة، تريز الطفل يسوع. ولكنَّ تريزا الآفيلية، كانت السبب المباشر في اهتدائها ووضعها على طرق المسيح، بعد أن طالعت سيرة حياتها، ويوحنا الصليب غدا فيما بعد، معلّمها الروحي في حبّها وعشقها للصليب، فغدت على مثاله: بنديكت للصليب، وتريز الطفل يسوع علّمتها عشق الحبّ الذي اختبرته وعاشته في قلب الكنيسة؛ فإذا بإديت تعشق الصليب وتعانقه، لأنه رمز الحبّ، وتموت عليه كما مات الفادي على الجلجلة، أليست "أوشفيتز" جلجلة القرن العشرين كما صرّح بذلك البابا يوحنا بولس الثاني، يوم زيارته لهذا المعتقل النازي سابقاً، الذي شهد مقتل آلاف الأبرياء! "ولكنَّ نفوس الصديقين هي بيد الله، فلا يمسها العذاب.

 وفي ظنّ الجهال أنهم ماتوا، وقد حُسب خروجهم شقاءً، وذهابهم عنا عطباً، أمّا هم ففي السلام.. لأن الله امتحنهم فوجدهم أهلا له، محّصهم كالذهب في البودقة، وقبلهم كذبيحةِ محرقة". وكما أن تريز الطفل يسوع "لم تمت بل دخلت الحياة" كذلك إديت، لم تنتهِ في فرن الغاز، ولم تُذَرِّ رمادَها رياحُ "اوشفيتز"، بل أنبتت منها شهيدةً، وجعلت منها قديسة تشفع من أجل آلاف المعذَّبين والمضطهدين من أجل البرّ.

إديت شتاين تقف اليوم شاهدةً على عالم عرف قرنه العشرون حربين عالميتين دمّرتا الحجر والبشر. كما تقف اليوم أيضاً شاهدةً على عالم يستعدّ لدخول الألفية الثالثة، فتناشده عبر مسيرتها التي قادتها من الإلحاد إلى الإيمان، ومن الضياع إلى الحقيقة، أن يضع الإنسانَ في أولوياته، أيّ في حقّه في العيش الكريم، والعلم والإحترام، بعيداً عن الحرب والجهل والمجاعة. ولسوف تطبع اديت شتاين القرن الحادي والعشرين بتلك الرسالة الإنسانية والإنجيلية كما طبعت شقيقتها تريز دي ليزيو القرن العشرين بطابعها الروحي و"بتعليمها الصغير".
وتكريماً لتلك التي كانت السبب في اهتدائها إلى المسيح، صممت إديت على ترك العالم ودخول الدير في كولونيا، في 14أكتوبر1933، أيّ في "بيرمون" عيد القديسة تريزا الأفيلية، مجددة الرهبانيّة الكرمليّة.

 وهكذا تحقق حلمها، واطمأن قلبها إلى هذا الإختيار الذي راود نفسها، منذ أن قبلت سر العماد في اليوم الأول من شهر يناير1922، وحتى ولوجها عتبة الدير، أيّ ما يقارب الإثنتي عشرة سنة، أمضت معظمها، تعلّم عند راهبات الدومنيكان في "شباير"، وتطالع من دون شك، سِيَرَ الآباء القديسين، وعلى رأسهم القديس مبارك وتريزا ويوحنا الصليب وتريز الطفل يسوع، وكيف زهدوا بالعالم ومباهجه، واختاروا حياة الطاعة والعفة والفقر وحبّ الصلاة والتعلق بالكنيسة والحفاظ على القوانين الرهبانيّة. وتعلّق إديت على تلك اللحظة من حياتها فتقول: "انفتح الباب اخيراً أمامي، وبسلام عميق، عبرتُ عتبة بيت الربّ"،
لم يكن فضل الآفيلية على إديت يقتصر على اهتدائها فحسب، بل جعلها تدخل حالا في حياة التأمّل والصلاة العقلية والصمت الذي هو "استراحة في قلب الله".

كان عمر إديت عندما دخلت الدير 42 سنة. وكان مستواها العلمي يفوق بكثير مستوى الراهبات جميعهن. ومع ذلك فقد انخرطت إديت في الجماعة بسهولة كلية. فكانت المبتدئة الخامسة مع رفيقاتها الأربع، اللواتي يصغرنها سنّاً بحوالي العشرين عاما. لا شك أن الفارق في السن، وفي المستوى العلمي من شأنهما أن يخلقا متاعب ومشاكل في أغلب الحالات، وفي اعتقادنا أن إديت تعذبت أحيانا من هذا الأمر، دون أن يبدر منها اي تشكّ أو تبرّم.

الدكتورة إديت تنتقل من جو إلى آخر ومن محيط إلى آخر. تنتقل من كتبها وأبحاثها الفلسفية وإلقاء المحاضرات والدروس، إلى حياة الصمت والصلاة والعمل اليدوي، وكأنَّ شيئاً لم يتبدل في حياتها ما خلا طبعا الصلاة التي دخلت بقوّة إلى حياتها منذ اهتدائها، وتواصلت وتصاعدت، حتى آخر يوم من "محرقتها" في فرن الغاز في اوشفيتز.

بدخولها حصن الكرمل، دخلت إديت من دون شك، في "الطريق الصغير" الذي تحدّثت عنه القديسة تريز الطفل يسوع، والذي هو في حقيقته، طريق البساطة والتواضع وروح الطفولة المستسلمة للمشيئة الإلهية، وذلك في حياةٍ مكرّسة، تتجدد كلّ يوم. وفي أعمالٍ بيتيّةٍ وخدماتٍ منزليّة، هي من صميم أعمال كلّ امرأة، ولكنّ الأمر يختلف بالنسبة لإديت. فهي لم تكن معتادة على تلك الأعمال. ولكنّها تنحني هي أيضاً وتمضي في عملها الجديد، وما يحمل إليها من تضحيات فلا تتأفف مثلاً من منع الزيارات عنها، خصوصاً وأن عمرها قد تجاوز الأربعين.

غير أن إديت، برجاحة عقل، وتصميم إرادة، وصلابة فضيلة، تجاوزت تلك الصعوبات والفروقات، سواء في العمر أم العقلية أم المستوى العلمي أم العيش ضمن نطاقٍ ضيّق داخل دير وضمن جماعة. ففي كرمل كولونيا دخلت إديت لتعيش في صحراء الكرمل المليء بالروح وحرية الروح، الذي يُكسب النفس نموا ونضوجا لا يعرفهما إلاّ من ترك كلّ شيء ليتبع المسيح ويتفرّغ للأمر الواحد الأهم: الوقوف في حضرة الله والتأمّل في شريعته ليل نهار.

وما الاسم الذي اتخذته إديت (تريزا بنديكتا للصليب)، إلاّ تعبيراً عن دعوة ومنهج حياة. فتريزا اسمها الأول الذي يذكرها بتلك التي كانت سبباً في اهتدائها وفي قبولها سرّ المعمودية المقدّسة، ودافعها الأول لاختيارها رهبانيّة القديسة تريزا الأفيلية، أمها الروحية... واسمها الثاني بنديكت ليس سوى عرفان جميل للقديس مبارك ولرهبانه وراهباته وقد تأثّرت به وبروحانيته. واسمها الثالث "للصليب" ليس سوى السرّ الذي من أجله ستحيا وتنمّي من خلاله دعوتها وحياتها بكاملها، لذلك، فإن اختيارها لإسمها الثلاثي هذا، يدلّ فعلاً على دعوتها كما على إرادةٍ وتصميمٍ من قبلها، للعيش بمقتضى تلك الدعوة الشريفة والمقدّسة. لذا نستطيع أن نختصر روحانية تريزا بنديكتا للصليب بكلمتين اثنتين: الصلاة والصليب. إنهما الدافع لدعوتها ودخولها حصن الكرمل. إنهما رسالتها في الحياة.

مؤلفاتها:
تنوّعت كتابات إديت شتاين وشملت مواضيع عدّة: من فلسفية الى اجتماعية الى دينية. وقد ساهمت هذه المواضيع، من دون شك، في تعميق الحوار بين الدين المسيحي والدين اليهودي.

اعتقلها النازيون مع اختها التي اهتدت بعدها إلى المسيحية، وساقوهما إلى أمرسفورت، وسيقت القديسة تريزا إلى عدة أماكن من مخيم وستربورك إلى أوشفيتز حتى قتلت في فرن غاز في بيركنا.

في اليوم الأول من شهر مايو عام 1987م أعلنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني طوباوية ومن ثم في 11أكتوبر 1998 أعلنها قديسة في حاضرة الفاتيكا، لذلك جاء إعلان إديت شتاين أو تريزا بنديكتا للصليب، قديسة.