رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأنبا سيرابيون مطران لوس أنجلوس: كان يصف الفقراء بأنهم «مشاعر» لا «حالات»

الأنبا سيرابيون
الأنبا سيرابيون

- البطريرك رجل وطنى رغم خلافه مع السادات والتحفظ عليه

- خلافاته مع الأب متى المسكين فكرية واستمرت علاقاتهما الطيبة
- اهتم بأقباط المهجر وببناء كنائس لهم حول العالم

قال الأنبا سيرابيون، مطران لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، إنه رافق البابا الراحل شنودة الثالث خلال فترة التحفظ عليه فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، بقرار من الرئيس الراحل أنور السادات، مؤكدًا أن البابا الراحل كان تحت حراسة مشددة حتى حادث المنصة الذى جرى خلاله اغتيال رئيس الجمهورية.

وبالتزامن مع مئوية ميلاد البابا شنودة الثالث، حاورت «الدستور»، الأنبا سيرابيون، الذى يتحدث للمرة الأولى ويكشف عن جوانب فى حياة البابا شنودة، خلال فترة التحفظ عام ١٩٨١، وخلال الفترة التى كان خلالها أسقفًا للخدمات الاجتماعية، وأخيرًا مطرانًا للوس أنجلوس.

وأكد مطران لوس أنجلوس أن خلافات البابا شنودة مع الرئيس السادات كانت فى سياق وطنى، فكان البابا مثلًا داعمًا لحراك الرئاسة فى معاهدة السلام، كما كانت خلافاته مع الأب متى المسكين خلافات فكرية مع استمرار علاقة الصداقة بينهما.

■ بداية.. كيف كانت فترة التحفظ على البابا شنودة فى عهد الرئيس السادات؟

- كانت فترة غنية بالتفاصيل ورأينا من البابا شنودة حزمًا وتمسكًا بالكنيسة، وكشفت لنا عن جوانب من شخصيته، وعرفنا كيف كان يواجه المواقف الصعبة، وأحسسنا بما يحمل داخله من سلام وثقة فى أن الله معه.

خلال فترة التحفظ كان الدير محاطًا بالأمن المركزى، وانقسمت هذه الفترة إلى قسمين، الأول فترة حكم السادات، التى انتهت بحادث المنصة فى ٦ أكتوبر ١٩٨١، وتميزت هذه المدة بوجود حراسة مشددة للغاية، مع منع الدخول أو الخروج من دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، إلا بتصاريح، وحينها كنت قريبًا من البابا لمساعدته وللاهتمام بصحته.

ثم تأتى الفترة الثانية، وهى بعد حادث المنصة، وخلالها بدأت الأمور تتحسن بالتدريج، بداية من السماح بزيارة بعض الضيوف.

فى أثناء التحفظ، كان البابا شنودة يحضر معنا صلوات التسبحة والقداسات باستمرار، وكان يزور الرهبان بالقلالى الخاصة بهم، وكان يعرفهم بالاسم، ورغم صعوبة الموقف والأحداث الخارجية كان البابا لا يُشعرنا بوجود أى أزمة خارجية، بل كان حريصًا على نشر السلام والفرحة.

بمجرد التحفظ على البابا شنودة، تحول الدير إلى خلية نحل، فقد اهتم بتعليم الرهبان، وبدأ فى تقديم محاضرة لاهوتية كل مساء.

ورغم أننى لم أدرس فى الكلية الإكليريكية، أعتبر نفسى درست فى كلية البابا شنودة، على مدار ٤٠ شهرًا، هى فترة التحفظ. واستمرت خدمتى للبابا شنودة حتى ديسمبر ١٩٨٣، حين أرسلنى للخدمة فى سويسرا.

كما كانت فترة التحفظ تتميز بالبناء، فقد ظهرت المبانى الجديدة فى الدير، وكان البابا شنودة مهتمًا بالزراعة، وكان يشارك فيها بشكل شخصى.

وخلال تلك الفترة كتب البابا شنودة ١٦ كتابًا، وحينما جرى فتح الزيارات كان يستقبل الضيوف بحفاوة كبيرة.

■ ما أبرز أحداث الفترة التى أعقبت رسامتك أسقفًا للخدمات، بعد عودة البابا شنودة للكاتدرائية؟

- عاد البابا شنودة للكاتدرائية عام ١٩٨٥، واستمر وجودى فى منصب أسقف الخدمات ١٠ سنوات، تتلمذت خلالها على يد البابا، لأن أسقفية الخدمات تابعة للبطريرك.

سمح لى البابا شنودة بالإقامة فى المقر البابوى بالقاهرة، وكنت ألتقيه يوميًا وأعطانى بركة خاصة بمصاحبته فى جميع رحلاته خارج مصر، واستمر الأمر هكذا حتى ذهابى إلى إيبارشية لوس أنجلوس عام ١٩٩٥.

كنت أرافق البابا شنودة فى جميع رحلاته، مثل رحلة روسيا، وكنت معه عند اختياره لرئاسة مجلس الكنائس العالمى، وكان آنذاك يسافر دائمًا لحضور الاجتماعات، إضافة إلى رحلاته الرعوية إلى المهجر، وكانت بالنسبة لى فرصة أن أتعلم منه كيف يدير الكنائس وكيف يواجه المشاكل وكيف يبنى علاقات قوية لكنيستنا الأرثوذكسية.

وبعد اختيارى أسقفًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بلوس أنجلوس، حرصت على استشارة البابا شنودة فى كل الأمور، وساعدنى فى قضايا كثيرة، فأى أسقف جديد فى الإيبارشية من الممكن أن يواجه مواقف صعبة ويتخذ الكثير من القرارات غير المناسبة.

■ كيف كانت علاقته بالفقراء؟

- كان البابا شنودة يهتم بالفقراء، من خلال لجنة البر، وكان يحرص على أن يقابل المحتاجين بنفسه.

اهتمام البابا بالفقراء، شمل دراسة الحالات، ومقابلة الأسر المحتاجة، فمثلًا كانت تقدم طلبات لفتيات مقبلات على الزواج، وكان البابا يحرص على أن يلتقى الفتاة وأسرتها، لأنه كان يرى أن هؤلاء أبناء وليسوا مجرد حالات تقدم لها مساعدات مالية.

البابا كان يراعى مشاعر الفقراء، لذلك له مكانة كبيرة فى قلوب الشعب، وكان الفقراء يفرحون بلقاء البابا والتحدث معه.

كان البابا يقدم لهم النصائح كأب، ويلتقطون الصور التذكارية معه.. وكان يقول إن الفقراء ليسوا حالات، بل بشر لهم مشاعر.

■ ما سبب نجاح علاقة البابا شنودة بالطوائف المسيحية الأخرى؟

- كانت علاقة البابا شنودة بالطوائف الأخرى جيدة جدًا، ويمكن رؤية الأمر من زاويتين، الأولى حرصه على بناء علاقات طيبة مع الكاثوليك والبروتستانت والكنيسة الأسقفية، وكانت القيادات الكنسية لهذه الطوائف تربطها علاقات طيبة جدًا بالبابا.

والزاوية الثانية هى مشاركة البابا فى الحركات المسكونية ومجلس الكنائس العالمى والشرق الأوسط.

هذه الجهود أثمرت علاقات وصداقات قوية وطيبة، ولكن فى نفس الوقت كان البابا متمسكًا بالإيمان، وكانت له مواقف واضحة فى إعلان الإيمان الأرثوذكسى، وكان يدخل فى محاورات مع الطوائف الأخرى على المستويين الشخصى والرسمى، وكان يوازن بين المحبة والتمسك بالإيمان، ويرى أن المحبة الحقيقية تعتمد على الصراحة والوضوح.

وخلال إعداد قانون الأحوال الشخصية الموحد، جمع البابا شنودة كل الطوائف ونجح فى إعداد مسودة هذا القانون، وقال وقتها رئيس مجلس النواب: «معجزة أن تتفق الطوائف على قانون». لكن للأسف ظل هذا القانون حبيس الأدراج، ثم تجددت المحاولات.

■ ما أبرز المواقف الوطنية للبابا شنودة؟

- كان البابا شنودة الثالث وطنيًا للغاية، والكنيسة لها تاريخ طويل ملىء بمواقف دعم الوطن، ففى حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ كان للكنيسة موقف قوى، بمساندة البلاد، وزار البابا الجبهة بنفسه.

كما أعد البابا شنودة وقدم محاضرات عن ادعاءات إسرائيل حول الكتاب المقدس، وكانت الكنيسة دائمًا تساند مساعى الدولة فى تحقيق السلام، وتجلى ذلك فى دعم الكنيسة للرئيس السادات لتحقيق السلام، ولم يحدث أى خلاف بشأن معاهدة السلام أو سعى الرئيس لتحقيق السلام.

الخلاف بين الرئيس السادات وبين البابا شنودة لم يكن خلافًا سياسيًا، أما موضوع القدس فقد كان يرفض سياسة التطبيع، كان البابا صاحب مواقف معبرة عن مشاعر الشعب المصرى، والدليل أنه رغم مرور السنوات الطويلة لا يزال التطبيع بعيدًا عن القاعدة الجماهيرية فى مصر.

كما كان البابا شنودة حريصًا على أن يكون أى حديث بشأن مشكلة طائفية، داخل مصر وليس خارجها، وكان لا يتحدث عن أى مشكلات خلال زياراته الخارجية، وكان يقول: «نعم يوجد بعض التحديات التى نواجهها، لكن نحن نعمل على حل المشاكل داخل مصر»، ولم يحدث نهائيًا أن تحدث خلال مؤتمر خارجى بشكل ما ضد الدولة ولم يطالب الأقباط أبدًا باتخاذ موقف ضد الدولة.

■ كيف عمل البابا على إنشاء كنائس المهجر؟

- عندما صعد البابا شنودة على الكرسى البطريركى، تسلم كنيسة فى لندن وكنيستين فى أمريكا وكنيستين فى أستراليا، واهتم بالخدمة والكنيسة فى المهجر، سواء فى أمريكا أو أستراليا أو كندا وغيرها من بلاد المهجر.

واهتم خلال هذه المرحلة بتأسيس الكنائس وإرسال الكهنة، ولم يكن فى المهجر فى ذلك الوقت أن يختار كهنة من بين أبنائه، لذلك كان يختار أفضل الكهنة فى القاهرة والإسكندرية ويرسلهم إلى هناك وكان دائمًا حريصًا على زيارة المهجر بنفسه، ففى عام ١٩٧٧ كانت زيارته الأولى إلى أمريكا الشمالية، وزار لندن فى عام ١٩٧٩، وأجرى ٢٥ زيارة إلى لوس أنجلوس، آخرها فى عام ٢٠٠٥، واستمرت الزيارات من عام ١٩٨٥ إلى ١٩٩٥.

وكان يدشن الكنائس ويقدم العظات، وكان معروفًا عنه أنه يتلقى الأسئلة من الناس خلال العظة. 

كما كان البابا شنودة يحرص على معرفة احتياجات المهجر بشكل شخصى، لذلك انتقل إلى تأسيس الإيبارشيات، وكانت أول إيبارشية جرى تأسيسها هى برمنجهام، ورسم أسقفها الأنبا ميصائيل، ثم إيبارشية فى جنوب أمريكا، ورسم أسقفها الأنبا يوسف، ثم إيبارشية لوس أنجلوس والتى أتولى رعايتها وإيبارشية ملبورن تحت إدارة الأنبا سوريال، ثم سيدنى تحت إدارة الأنبا دانييل.

وبذلك انتقلنا من مرحلة الكنائس إلى الإيبارشيات بالمهجر، وبدأ بعد ذلك البابا تواضروس الثانى يسير بنفس النهج، ويهتم بالمهجر ويؤسس الإيبارشيات الجديدة.

■ فى رأيك كيف كنت ترى علاقة البابا شنودة بالأب متى المسكين والأنبا غريغوريوس؟

- على المستوى الشخصى كانت علاقات طيبة، فالبابا شنودة كان يحب الأنبا غريغوريوس، وعلاقتهما تمتد إلى ما قبل رهبنته، وكان هذا واضحًا فى كلمة البابا شنودة فى أثناء صلاة جنازة الأنبا غريغوريوس.

ونفس الأمر بالنسبة للأب متى المسكين، وكانت علاقتهما تمتد للفترة التى كانا فيها تحت رعاية الأب مينا المتوحد «البابا كيرلس فيما بعد»، ثم فى دير السريان، وهناك تاريخ فى العلاقات الشخصية.

لكن كانت هناك خلافات فى الأمور الكنسية واللاهوتية، والبابا شنودة بصفته أسقفًا للتعليم أولًا ثم بطريركًا للكنيسة، كان عليه واجب أن يصحح مثل هذه الأخطاء، لذلك كانت هناك علاقة شخصية طيبة مع الأب متى.