رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحكومة وإدارة الأزمات

كلما تغيرت الظروف ازددنا للحاجة إلى المرونة السياسية.. العلاقة بين الحكومة والمواطن يجب أن تتغير كل يوم.. الأداء فى وقت العُسر يجب أن يختلف عنه فى وقت اليُسر.. الأداء فى وقت الرخاء يجب أن يختلف عن الأداء فى وقت الأزمة.. العمل والإنجاز فى صمت قد يكون مطلوبًا جدًا فى وقت ما.. لكن البراعة فى الحديث والمناورة السياسية قد تكون هى المطلوبة فى وقت آخر.. الحكومة تشبه أحيانًا زوجًا أو زوجة يتخيل أنه يقدم كل ما يجب وأنه يعمل بكد للحفاظ على المنزل ومواجهة الظروف.. لكن مشكلته أنه لا يجيد التعبير عن نفسه.. لا يخبر الطرف الآخر بحقيقة ما يفعله.. لا يعبّر له عن التقدير والاحترام الواجبين.. يظن أن العمل يكفى.. وأن التعبير عن المشاعر نوع من التزلف لا يليق به.. عادة ما تكون هذه بداية الخرس العاطفى.. الذى يقود بعد ذلك للانفصال العاطفى.. العالم كله فى أزمة.. ونحن فى قلب هذه الأزمة.. الشىء الإيجابى أننا مستمرون فى العمل ونحاول الوصول لمرحلة جنى الثمار.. الشىء السلبى أن أداء الحكومة فى مرحلة ما بعد الأزمة هو نسخة طبق الأصل من أدائها قبل الأزمة.. هذا ضد طبائع الأمور.. وضد طبائع السياسة.. وأثره ليس إيجابيًا.. فى أوقات الأزمات يحتاج المواطن لخطاب يرفق به ويمنحه الأمل.. لا بد أن تخطط الحكومة لمزيد من الترفيه عن المواطن العادى.. لمزيد من إشاعة البهجة فى المجتمع.. لمزيد من الضحك.. لمزيد من الغناء.. لمزيد من التعامل الرقيق.. هذه كلها أمور غير مكلفة وتساعد فى تخفيض درجات الحرارة فى الجو.. زيادة درجات الحرارة لها آثار ضارة وتجعل الجميع يعانون.. لكن الحقيقة أن الحكومة تشبه ذلك الزوج الذى يظن أن عليه أن يعمل فقط ولا يجد ما يضر فى أن يقابل أفراد أسرته بوجع متجهم ما دام يعمل لمصلحتهم فى النهاية.. إن هذا الزوج يفهم واجباته خطأ.. إن أفراد هذه الأسرة بشر.. البشر لا يحتاجون للطعام فقط.. ولا للإنجازات المادية فقط.. البشر يحتاجون للتقدير وللترفيه وللاقتناع بأن هناك أملًا فى الغد.. وبأن الحكومة لم ترغمهم على تضحيات كان يمكن تلافيها.. أزمات مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار السجائر لا بد من أن تجد لها الحكومة حلولًا فورية.. السيطرة على أسعار الذهب ووقف ارتفاع الدولار نماذج لإمكانية إدارة الأزمات ببراعة.. إذا كان الحل فى إعفاء بعض السلع من الجمارك فلنفعل هذا.. المثل يقول «الخسارة القريبة ولا المكسب البعيد».. لا نريد أن تبعدنا ظروف ضاغطة عن المكسب الذى هو فى مصلحة الجميع.. أعرف أن البرلمان فى إجازة صيف.. لكننى أظن أن اللجان المعنية يمكن أن تمارس دورها فى مناقشة أداء الحكومة فى موضوع الكهرباء وأسعار التبغ.. الناس تحتاج للتنفيس عن غضبها.. نحن أيضًا فى حاجة للاطمئنان بأن الحكومة قامت بما يجب للسيطرة على الأزمة.. لو اتضح أنه كان بالإمكان تلافى الانقطاعات بشراء المازوت.. فمن حقنا أن نسأل ولماذا لم نفعل هذا مبكرًا؟ مفهوم طبعًا أن مصر تتعرض لضغوط خفية ومعلنة وأن سيرها فى طريق النمو لا يعجب الجميع.. ولكن يجب ألا تصل هذه الضغوط للمواطن وإلا يكون المتآمرون قد نجحوا فى هدفهم.. الهدف هو أن يصل المواطن لدرجة الغليان ويشعر بالندم على تأييده ثورة ٣٠ يونيو.. دور الحكومة أن تلعب دور الطبقة العازلة بين المواطن ورياح الضغوط.. أن تتلقى هى الصدمات وتفسد تأثيرها.. استمرار أى حكومة فى عملها له مميزات لا شك فيها.. لكن التغيير أيضًا له مميزات كبيرة جدًا فى أوقات الأزمات.. أهمها أن يشعر الناس بالأمل وأن تأتى حكومة أقرب لطبيعة المرحلة.. إذا كانت تحديات المرحلة اقتصادية وسياسية بالأساس فيجب أن تأتى حكومة كفاءات اقتصادية وسياسية.. هكذا ببساطة.. ليس مطلوبًا أن تكون القيادة السياسية فى «وش المدفع» ليل نهار، ولا منطقيًا أن تتحمل أخطاء فنية فى إدارة الأزمات.. منصب الوزير منصب سياسى وفنى بالأساس.. وفى النظم البرلمانية يكون سياسيًا فقط.. والمعنى أنه يجب أن يحسب التبعات السياسية لأى قرار يتخذه وأن يقدم تقديرات منضبطة للقيادة السياسية.. إذا لم يحدث هذا فهو يحمّل القيادة تبعات كان يمكن تجنبها فى وقت حساس وخطير.. الأطباء ينصحون الإنسان السليم بالتبرع بالدم بين وقت وآخر.. الحكمة من هذا هى تجديد الدماء.. الدم الذى نتبرع به هو دم سليم ولكن خروجه من الجسم يعطى الفرصة لإنتاج دم جديد أكثر إفادة للجسم.. إنها سنة الحياة.