رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي السوري زياد حمامي: الكاتب لا يعيش بعيدا عن هموم وطنه (حوار)

الروائي السوري زياد
الروائي السوري زياد حمامي

أصدر الروائي السوري زياد حمامي عددًا من الأعمال ما بين القصة القصيرة والرواية؛ ففي مجال القصة صدر له ثلاث مجموعات قصصية هي "سوق الغزل"، و"احتراق الحرف الأخير"، و"سجن العصافير"، وفي مجال الرواية صدر له "الظهور الأخير للجد العظيم"، و"الخاتم الأعظم"، و"قيامة البتول الأخيرة"، و"قطط إسطنبول"، الصادرة حديثا عن دار "نون 4". 

حصل حمامي على عدد من الجوائز مثل الجائزة الأولى للرواية العربية، لدورتين متتاليتين في القاهرة عام 1993، وفي الكويت عام 1994، عن روايته "الظهور الأخير للجد العظيم". 

قطط إسطنبول

في هذا الحوار، يتحدث حمامي عن روايته الجديدة "قطط اسطنبول"، ومعاناته الخاصة ككاتب وصلته بالقضايا المطروحة بأعماله، فضلًا عن طقوسه بالكتابة ورؤيته لفن الرواية. 

 كشف الحقائق الإنسانية

يرى زياد حمامي أن الرواية التي لا تكتشف جزءًا من الموجود الإنساني الذي ما يزال مغيبا ومجهولا، بل ومسجونا في الأقبية المظلمة، هي رواية تقليدية ولا أخلاقية، وإن كشف الحقائق الإنسانية والإبحار في أعماقها بأدق تفاصيلها المكبوتة هي ثيمات الرواية الإبداعية، وفي هذا العصر، لا مكان ولا انتشار إلا لكل نص إبداعي جديد، يعالج قضايا إنسانية غير مستهلكة. 

التغريبة السورية

تتماهى رواية "قطط إسطنبول" مع ما سبقها في ثلاثية "التغريبة السورية" عن المأساة و التراجيديا الإنسانية في أزمنة الحرب، ويوضح حمامي أن رواية" قطط إسطنبول " تأتي في منعرج فارق وكبير تجتازه شعوب المنطقة العربية، فمحاولة تجسيد هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا السياسي و الاجتماعي العربي هي بحد ذاتها مؤشر على أن الفنان أو الأديب لا يمكن بحال من الأحوال أن يعيش بعيدا عن هموم وقضايا مجتمعه ووطنه.  

ويتابع: برأيي، هي رواية تدعو إلى مواجهة فيروسات العنصرية والكراهية والحروب ومآسي اللجوء، وتفضح عصابات الإتجار بالبشر، حيث تعري الرواية أساليبهم الدنيئة في إيقاع الصبايا العربيات والأفريقيات في حبالهم المخادعة الاحتيالية، ولا يعاني الإنسان فقط من فقدان هويته، بل بعض الحيوانات الأليفة مثل القطط، وكذلك الكلاب، تلك الحيوانات التي أصبح لها جوازات سفر وبطاقات صحية وتأمين على الحياة، وهذا ما تمثله القطة هند خاتم في الرواية، وهي شخصية رئيسة في متن النص كله.

أما فيما يخص عنوان الرواية، يشير حمامي إلى أنه يتعلق بالمفارقة بين الوضع البائس للاجئين غير الشرعيين المفتقرين إلى الأوراق الرسمية التي تثبت كيانهم وتؤكّد هويّتهم، وبين قطط إسطنبول والعالم التي تحظى بقيود رسمية كاملة. 

الخاتم الأعظم 

عالم المهمشين

وفيما يتعلق بإظهار عالم المهمشين في الرواية، تناقش الرواية ما يمارس ضد المهمشين من أسوأ الأساليب العنصرية والكراهية، وحرمانهم من أبسط حقوقهم المعيشية، ويعتبر المؤلف أن مجتمع اللجوء قاس ومؤلم وعصي على التدجين والدمج القهري.

 ويتابع: "لقد حاولت في الرواية الاقتراب من هذا العالم. فأن تكون لاجئا مسلوب الهوية والحقوق، وغير الشخص الذي أنتَ هو، وترى نفسك مهمشا، ملاحقا أو سجينا بلا جريمة، يرمقك الناس بازدراء وأنت الأعلم والأمهر والأغنى والأجمل، فلا وسيلة أمامك لتقديم ذاتك مساويا في الواجبات والحقوق، هذا ما يمكن أن يواسيك كقارئ عبر رواية "قطط إسطنبول"، التي تذوب فيها المأساة ويتدلى عنق المجتمع من حبل الكراهية والعنصرية، ولا بأس من بعض السخرية والتمرد والفكاهة كثيمة تؤطرها الشخصيات، وأنت كقارئ جالس على كرسي تحس أن المجتمع يموت تحت مقصلة الفساد.

تجربة اللجوء

يبين حمامي أنه عاش تجربة اللجوء وتجول في البلاد شريدا، وواجه قسوة العالم والغربة القسرية بالمزيد من الإبداع والنضال ضد الإحباط والمعاناة والنسيان، موضحًا: أصدرت ثلاث روايات تعتبر " ثلاثية التغريبة السورية"، ٱخرها رواية" قطط إسطنبول"، ومع ذلك أشعر أنني كلما كتبت، مثلا رواية جديدة، ونشرتها، أحس أنني لم أقدم شيئا، ثمة شيء ما يدفعني إلى الاستمرار في محاولات الكتابة، ولكن في النهاية، أعرف أنني لم ولن أصل إلى المعرفة الكلية، وسأرحل يوما، ولن أصل إلى النص الكلي المتكامل، فنحن أيضا جزء من الكل. 

ويضيف: “ينزف الكاتب عمرا، ولا يتوقف عن تضميد جراح القراءة، وعلى محراب المرايا، رغم شروخها، تترامى أمامه، تغويه، وأحيانا تراوغه، تغرقه، تقتله! ولكن صدى الإبداع ينجيه، أليست الكتابة ملحمة عشق أبدية؟!”.

قيامة البتول الأخيرة 

الإبداع الحقيقي لا يموت

يقول حمامي: “ما لا شك فيه أن الكاتب ينتهي دوره بعد طباعة وإصدار نتاجه الأدبي، وهذا ما يسميه بعض النقاد بموت الكاتب، ولكن الإبداع الحقيقي لا يموت، وهكذا هي، مثلا رواية (قيامة البتول) وكذلك روايتي (الخاتم الأعظم)، تطيران بحرية.. تزوران العالم .. دون إرادة من كاتبهما، وهكذا يكون التكريم الإبداعي الحقيقي، والحياة الأخرى للكاتب، إذ إنني لست مع مقولة موت الكاتب بعد صدور نصه ونشره، ذلك أن اسم الكاتب يتحد مع عنوان الكتاب، وبالتالي يتحول بعد النشر والصدور إلى قارئ آخر، وناقد لما كتبه، وهكذا يتحول الكاتب إلى قارئ جاد ومهتم”.

طقوس الكتابة

وعن طقوسه في الكتابة يقول حمامي: “أعشق الكتابة في هدوء الليل وسكونه، أغوص عميقا في أسراره الملهمة، ولا أستطيع الكتابة إلا والموسيقى تصاحبني، تزيد طاقتي وتبعث أحاسيسي الدفينة، المكبوتة، السجينة في أعماقي”. 

ويضيف: أحيانا أسمع صوت الكلمات ونغمات معانيها حزنا أو فرحا، وأشعر أحيانا أخرى أنها تنظر إلي وأنا أعزفها حروفا، أحس بها وتحس بي، ولا أخجل منها ولا تخجل مني، وهكذا، فإن الليل والموسيقى هما "سيمفونية" الكتابة في ذاتي، وعندما أكتب أحس أنني أعزف الكلمات والحروف، أحيانا بأصوات خافتة، تتعالى، تنخفض، وأحيانا صاخبة، متفجرة، صارخة، طارقة، وإذ ذلك، عندما أعيد قراءة ما كتبت، أحس أنني أقرأ "نوتات" موسيقية مترابطة، تحلق مع الروح في فضاءات ملهمة، تعزف الآلام والأشواق بأحاسيس تعبيرية مختلفة، ربما تكون إبداعية جديدة غير مستهلكة.

رسالة الكاتب العربي 

بعد صدور ثمانية كتب في الرواية والقصة القصيرة، ونشر مئات النصوص الأدبية والحوارات في الصحف والمجلات الثقافية والأدبية العربية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، واختياره ضمن موسوعة "مائة أوائل من حلب"، يشعر حمامي بأن ما قدمه مجرد سراب، موضحا ذلك بقوله: "رغم الاحتفاء بكتاباتي من أقلام كبار النقاد العرب، ورغم كل الجوائز الأدبية والموسوعات والمعاجم وكتب النقد التي احتفت بتجربتي الكتابية، أشعر أن ما قدمته مجرد ذكرى جميلة لكاتب محبط بنفسه وبأمته المنكوبة، مغدور بأحلامه الصغيرة، مغتال بآماله المتشظية، ولعل مئات المبدعين العرب يعانون مما أعانيه، كأن كل ما نقدمه ونحترق من أجله بلا جدوى، وهذه هي الحقيقة".