رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عطية محمود: صناعة النشر تحوَّلت إلى سوق كبير متعدد المستويات (حوار)

محمد عطية محمود
محمد عطية محمود

ما بين أول الكتب المنشورة وصولا لأحدثها، هناك حكايات عن رحلات الكتاب والمبدعين مع دور النشر، هناك صعوبان ومعوقات مع نشر العمل الأول، وهناك أيضا المشكلات المتكررة والمتشابهة بين المبدعين ودور النشر، سواء فيما يخص تكلفة الكتاب، أو توزيعه، والعقود المبرمة بين الطرفين، أو حتي حقوق الملكية الفكرية وغيرها.

في سلسلة حوارات تقدمها الــ “الدستور” يحكي الكتاب تجاربهم مع عالم النشر.

البداية مع الكاتب والناقد محمد عطية محمود، صاحب مؤلفات: "جمر اللحظة"، “إبحار في رمال متحركة”، “أحوال للروح”، “علي حافة الحلم”، “وخز الأماني”، “في انتظار القادم”، “عيون بيضاء”، “إشكاليات الهامش: تجليات النص” وغيرها.

ــ ما الصعوبات التي صادفتك في طريق نشر كتابك الأول؟

يبدو أن هذه دائما هي بداية الطريق، مع الصعوبات، ولا أعتقد أن كاتبًا حقيقيًا نجا من هذه المصيدة شديدة الوطأة؛ فالإحساس لا شك مراوغ وجديد ومربك بشكل قد لا أستطيع وصفه.. ربما كمنت المشكلة في يقيني أن هناك فرصة سنحت لنشر أول كتاب لي من خلال جهة لها صفة الرسمية بجهود بدأت متواضعة، وكنت شابًا صغيرًا في نهايات الثمانينيات من القرن الماضي، وقد تلقيت وعدًا بالنشر وأنا لا أفقه شيئا في هذا المضمار، وفي قمة سعادتي، لكن هذه الفرصة تضيع لأسباب كثيرة منها حداثة سني وجهلي من جهة، إضافة إلى عدم درايتي بهذه الأمور التي قد تتدخل فيها بعض العلاقات التي لم أكن أملكها، ولأتقاعس بدوري عن تقديم المجموعة إلى إحدى السلاسل التي نشأت حديثًا – وقتها - لكتابات الشباب بهيئة الكتاب.. أضف إلى ذلك انقطاعي عن الكتابة وعن المحيط الأدبي لمدة تناهز العشر سنوات..

لما عدت كان هاجسي الأكبر ورهبتي ورغبتي هي التواجد على الساحة من خلال تلك المجموعة التي كانت مبشرة بكاتب حقيقي، بحسب ما تنبأ به لي ناقد قدير هو الأستاذ الدكتور محمد مصطفى هدارة، الذي قدمها نقديا، وقدمني إبداعيا، قبل انقطاعي؛ فراودتني فكرة إعادة المحاولة بعد كل هذه المدة، برغم معاول الهدم التي انهالت عليَّ عندما طلبت استشارة في هذا الأمر من أحد زملاء قدامى لم يتوقف مثلي عن الكتابة!! لكني ولإصرار نبتة الكتابة على معاودة الظهور على سطح حياتي، غامرت واختصرت الوقت وأصدرت المجموعة في طبعة محدودة على نفقتي الخاصة، وكانت "على حافة الحلم"، أو الحلم الذي تجدد، ثم تبعتها مجموعتي القصصية الثانية التي جاءت استكمالا لروح المجموعة الأولى، ثم المجموعة الثالثة في "انتظار القادم"، وللأسف لم أتمكن إلا من طباعتهم جميعًا بنسخ محدودة على نفقتي الخاصة لأن انتظار الدور في النشر المؤسسي – برغم تفضيلي له – لم يكن في صالح مشواري الأدبي الذي لم أرد له التوقف مرة أخرى.. ثم تبعتهم أيضا روايتي الأولى "دوامات الغياب"، على نفقتي الخاصة، بعدما ظلت حوالي 6 سنوات رهينة الدور في سلاسل رسمية لم يكتب لها النشر فيها!!

ــ ما المشاكل التي واجهتها بخصوص حقوق النشر والملكية الفكرية؟

كالمعتاد والطبيعي يكون التعاقد مع دور النشر سواء الرسمية أو غيرها مرتهنا بالحقوق التي تأتي في الغالب لصالح الناشر، وتنحصر من جهة أخرى في بعض حقوق مادية رمزية تمنحها الجهات الرسمية مع بعض النسخ التي يمنحها للكاتب سواء في أول التعاقد أو بعد انتهاء فترة التعاقد - بالنسبة للجهات الأخرى- وهو أمر ملزم لكل الكتاب في الغالب، إلا من تخطى هذه المرحلة من الوجود وسط الغالبية منهم الذين لا تميزهم دور النشر الخاصة!!

لكن ما يدور بعد ذلك فأعتقد أنه أمر بعيدة عن الكاتب معرفته، حتى وإن كان من حقوقه!! المسألة تنتهي على الورق بانتهاء التعاقد أو عدم تجديده، فمصير الكتاب مبهم، وقد يطبع طبعات أخرى دون علم الكاتب، وهذا قابل للحدوث مع كثير من الكتاب، وبالتالي من النادر أن تصل المشكلة إلى التقاضي أو المثول في ساحة المحكمة.. المسألة مربكة إلى حد بعيد في ظل حقوق غائبة أو مغيبة للكاتب، وهذا أمر لا يثار إلا في حالة من حالات التعدي الصارخ على تلك الحقوق أو الذي يكشف عن ذاته أو تكشفه الظروف!!

ــ ما الذي حلمت به لكتاب من كتبك ولم يتحقق وتأمل أن تتداركه مع مؤلف جديد؟  

لا أستطيع إنكار أن أغلب كتبي قد تحقق لي فيها ما حلمت به على مستوى المرحلة، سواء من انتشار أو جوائز أو إعادة طبع، أو متابعات نقدية متعددة ودراسات نقدية ورسائل جامعية تناولتها، إلا أن هناك من هذه الكتب ما كنت أتوقع له المزيد من هذه المتابعات، وهذا طبيعي، أو إعادة الطبع، أو الإدراج في مستوى طباعي أرقى، بالرغم من أنني في مراحل لاحقة على المرحلة الأولى، قد تخطيت النشر الخاص إلى النشر المؤسسي والخارجي، وأعدت طباعة كل كتبي التي طبعتها على نفقتي سابقا، مرة أخرى في دور نشر خاصة على نفقتها، وأصدرت أيضا مختارات منها سواء داخل مصر وخارجها، وما إلى ذلك من وسائل الانتشار، إلا أنني مازلت أرى جديدًا أتمناه لبعض الكتب التي تمثل اكتمالًا وتطورًا لمساراتي الأدبية سواء في الإبداع أو النقد، بصورة أفضل، ومن خلال منابر ومؤسسات ثقافية أخرى، واهتمامات نقدية أخرى تمنحها ميزات جديدة على مستوى النشر والانتشار، وتحقيق القيمة.

ــ في رأيك صناعة النشر في تقدم أم تراجع؟

لا يمكن الجزم إن كانت صناعة النشر بمعنى الصناعة أو الصنعة/ الحرفة في تقدم أم تراجع، المسألة نسبية في اعتقادي، في ظل فوضى عارمة تجتاح صناعة النشر التي تحوَّلت إلى سوق كبير متعدد المستويات المادية والأدبية، ومزدحم بأصحاب الخبرة والعراقة والمسئولية الثقافية من جهة، إلى جوار العديد والمزيد من أصحاب رؤوس الأموال التي تعتمد على جيوب المؤلفين الطامحين في تقديم أعمالهم الأدبية دونما ضابط ولا رابط، والأهم في المسألة هو الناحية المادية بغض النظر عن المحتوى الفني ولا جدارة الكتاب والكاتب بالنشر، فضلا عن قصور مؤسسات رسمية عن معادلة تقديم الجاد والرصين من الكتب والإصدارات وبأسعار مناسبة، تستطيع مواجهة سوق النشر البديل غير الرسمي الذي يفرض شروطه وقوانينه الربحية في ظل حالة عدم الأمانة الثقافية ولا المهنية التي يتعامل بها طرف ثالث دخيل على الحالة الثقافية يجترح عملية النشر ويظهر في مناسبات المعارض بشرائح مادية يزعم أنها تتناسب مع إمكانيات الكاتب المادية، وهو قمة العبث!!