رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوسف ندا.. دراما حياة قيادى إخوانى

بجوار منزلنا فى الإسكندرية كانت توجد شعبة من شُعب الإخوان، وذات يوم وأنا أغادر البيت كانت هناك "خناقة" فى الشارع بدأت بشخص سب شخصًا آخر، واسم الشارع هو شارع أبوقير، والآن أعتقد أن اسمه تغير إلى شارع مصطفى كامل، وتحولت الخناقة إلى معركة بين عائلتين، وامتلأ الشارع عن آخره، واحتدمت المعركة وفوجئت بمجموعة من الأشخاص يلبسون ملابس الكشافة يتدخلون، وبدأوا فى فض المعركة وتهدئة الناس وطلبوا مشروبات، وجاءوا إلى داخل مقرهم بالمتعاركين ليُقبّلوا رءوس بعضهم البعض، وأنا أقف من بعيد أتفرج وكأنه فيلم سينمائى، وأثناء ذلك أُذن لصلاة المغرب، وقام الكل يصلى جماعة، وقام المتعاركون باحتضان بعضهم البعض، وانتهت الحكاية، وبدأت فى سؤال نفسى: من هؤلاء؟ ومن يكونون؟ وقمت بالسؤال عنهم وجاءت الإجابة أن هؤلاء "جماعة الإخوان"..
هكذا وببساطة شرح "يوسف ندا" الملقب بالأب الروحى لجماعة الإخوان المسلمين كيف انضم فى طفولته لجماعة الشر، عبر حوار رائع أجراه معه الكاتب الصحفي الرائع شارل المصرى "مدير تحرير المصرى اليوم في تلك الفترة"، والذى ضمنه فى كتاب هام صدر منذ أكثر من 10 سنوات "أسرار حياة يوسف ندا الأب الروحى.. المفوض السياسى للإخوان المسلمين"، والذى تضمنت فصوله مجموعة حوارات مباشرة أجراها الكاتب مع القيادى الإخوانى بمنزله على الحدود السويسرية.
ويذكر "ندا" ما حدث بعد تلك المعركة المفتعلة بأيام قليلة أن "قام هؤلاء الأشخاص بتنظيم محاضرة وحضرتها، وبدأوا فى إعطائى كتبًا لأقرأها، وبدأت أتعرف عليهم أكثر، وكنت كأى شاب صغير أندفع تجاه أى أفكار تأتيني، وازداد الاندفاع للمعرفة والقراءة والمتابعة، لأنهم صنف من الناس فيهم حنان، والكبار فيهم يعطفون على الصغير، ويتكلمون معه ليس على أنه صغير، ولكن على أنه كبير، وشعرت بأننى أجد احترامًا منهم، رغم صغر سنى، وبدأت الحكاية فى التصاعد".
10 سنوات سجنًا مشددًا نالها يوسف ندا، مفوض العلاقات السياسية الدولية فى جماعة الإخوان المسلمين، يوم 15 أبريل 2008 فى القضية التى عُرفت باسم "قضية الإخوان فى المحكمة العسكرية"، وعوقب فيها عدد من قيادات الجماعة بالسجن المشدد، ومن بينهم نائب المرشد خيرت الشاطر ورجل الأعمال حسن مالك.
يوسف ندا ظل شخصية بعيدة عن الأضواء ووسائل الإعلام حتى يوم 7 نوفمبر 2001، عندما تحدث عنه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ووصفه ومؤسسته بأنه أحد داعمي الإرهاب في العالم، وأنه قام بتمويل أحداث سبتمبر.
منذ ذلك اليوم أصبح "ندا" محط أنظار العالم، واهتمام وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة، ورغم أن كلمات بوش عن الرجل خلّفت تبعات شديدة التعقيد، حيث قامت السلطات السويسرية والإيطالية والمخابرات الأمريكية "سى آى إيه" والخزانة الأمريكية والمباحث الفيدرالية الأمريكية بالتحقيق معه واستعانوا باثنتى عشرة دولة أخرى، فلم يثبت عليه شىء..
ووصفته وسائل الإعلام بالرجل الغامض.. كما أنه ليس مجرد رجل أعمال مشهور أو رئيس لبنك "التقوى" الذي اتهمه رئيس الولايات المتحدة بدعم الإرهاب، ولكنه لعب طوال الـ25 سنة الماضية دورًا مهمًا فى جماعة الإخوان المسلمين.. فهو الذى رتب العلاقة بين الإخوان والثورة الإيرانية، وتوسط بين السعودية واليمن، والسعودية وإيران، وبذل مجهودًا غير عادى فى حل الأزمة بين الحكومة الجزائرية وجبهة الإنقاذ.
لم يلعب يوسف ندا تلك الأدوار فقط، ولكنه قام بإمداد اليمن بوثائق مهمة ساعدته فى حل نزاعه مع إريتريا حول الجزر، إضافة إلى ارتباطه بعلاقة صداقة بالملك إدريس السنوسى ملك ليبيا، الذى قامت ضده ثورة الفاتح من سبتمبر بقيادة العقيد القذافى، الرئيس الليبى الذى قتله الثوار بعد ذلك بطلقة واحدة فى الرأس، وزاره "ندا" فى مقر إقامته، وله أدوار أخرى فى تونس والعراق وتركيا وكردستان وماليزيا وإندونيسيا.
يوسف ندا يحمل الجنسية الإيطالية، وحصل على الجنسية التونسية فى عهد صديقه الرئيس التونسى الحبيب بورقيبة فى الستينيات.
ويذكر "ندا" أن حياته عبارة عن تراكمات، يقول "وأنا طالب فى الجامعة كنت شريكًا فى مكتب تصدير، وكان لدى معمل لصناعة الجبن، وكان بالمصنع قسم للألبان، ووصل الأمر إلى حد أننى واثنين آخرين كنا نتنازع على كل كميات اللبن الذى تشربه الإسكندرية، واحد منهم مصرى اسمه سلام، وأنا، والثالث سويسرى، واسمه لاندرت، وهو أول من قام ببسترة اللبن فى مصر، وحتى خروجى من مصر لم يكن هناك سوى مصنع لاندرت، وكان اسمه     "سيكلام"، وقبل خروجى بقليل كان هناك أستاذ فى كلية الزراعة أنشأ مصنعًا حكوميًا للبسترة، ولكن يظل لاندرت هو الرائد فى هذا المجال، وكانت علاقتى به جيدة، وانقطعت بعد أن خرجت من مصر، وبعد 12 عامًا، وعندما كنت فى فيينا بالنمسا، كان من الأشياء التى اشتغلت بها مواد البناء والمواد الغذائية، مثل الشعير والذرة والقمح والأسمدة، وكان مطلوبًا منى طلبية كبيرة حوالى 200 ألف طن أسمدة، وكانت هناك شركة سويسرية قوية فى هذا الشأن، وطلبت منها عرض أسعار وأنا في فيينا، وجاءنى الردـ ليس بالعرض- ولكن كان مكتوبًا بالإنجليزية: "هل أنت مستر ندا بتاع الإسكندرية؟! وإذا كنت أنت.. أرجو الاتصال، التوقيع: لاندرت.. ورقم تليفونه".. وقمت بالاتصال به ورحبت بعودة العلاقة معه.
وفى الواقع أن تفاصيل حياة "الأب الروحى" الممتدة لحقب كثيرة وهامة وعبر محطات تاريخية خطيرة فى عمر الإخوان تشكل ملامحها وتشابكاتها المحلية والإقليمية والعالمية موضوعًا لدراما مثيرة قادرة على تصويب الكثير من الأخطاء التى يروج لها إخوان الشر الكذبة، وبالتالى تضيف استضاءات تنويرية لعودة الوعى الجماهيرى بأبعاد مخاطر وجود تلك الجماعات المناهضة لكل جهود التنمية والكارهة للتحضر والخير والجمال فى كل حيز مكانى يشغلونه، وفى أى زمن يحلون بدعواهم ورسائلهم الشيطانية فيه.
وأعتقد أن كل الأعمال الدرامية التى تناولت حواديت كوارث تلك الجماعة لم تتناول دور هذا الشقى الخطير بالشكل المناسب لحجم أدواره وتداعياتها الخطيرة، فهل يقبل دعوتنا كبار صناع الدراما وفي الصدارة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بعد أن وعد الرئيس عبدالفتاح السيسي بدعم كل الأعمال الدرامية التى من شأنها استرداد الوعى الجماهيرى بواقع التحديات التى واجهتها وتواجهها دولة 30 يونيو وبشاعات تلك الجماعات الخائنة؟