رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أكاذيب الإخوان وبريطانيا.. من ثوابت التاريخ


ما أشبه الليلة بالبارحة، مع اختلاف النفاصيل.. لكن يبقى الهدف واحدًا: كيف يمكننا تشويه صورة الحاكم في مصر، أمام شعبه أولًا، وفي مواحهة الشعوب العربية ثانيًا.. ويبقى في كل الوقائع، هناك عاملان مشتركان، أو حليفان أساسيان للقيام بتلك المهمة، وهما بريطانيا، والإخوان، ذراعها في المنطقة.. فالحلم الدائم للإخوان نحو السلطة في مصر لم يتوقف، والكيد البريطاني للمحروسة لم يقف عند كونه ثأرًا قديمًا.. وهذا يجعلنا ندرك أن ما يروجه أهل الشر من أكاذيب حول القيادة السياسية ومشروعاتها القومية العملاقة، أو النيل من جيشنا العظيم، ليس بحادث عرضي، بل هو متأصل في الجذور، وسعي ليس له نهاية، وكذلك تفعل بريطانيا ومن يدور في فلكها.
كشفت الوثائق السرية التي أفرجت عنها الحكومة البريطانية مؤخرًا، أنَّ لندن استغلت شعبية وتأثير جماعة الإخوان في مصر، لشن حروب نفسية ودعائية سرية على أعدائها، من أمثال، الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، خلال العقد السابع من القرن الماضي.. وحسب الوثائق، فقد روَّجت بريطانيا منشورات موقعة باسم الجماعة، تُهاجم فيها بقسوة سلوك الجيش المصري خلال وجوده في اليمن، الذي كان ساحة للصراع بين نظام عبدالناصر الجمهوري الجديد من جانب، وبريطانيا من جانب آخر.. وهو ما أكدته الوثائق، التي صُنِف بعضها على أنَّه «بالغ السرية».
من الثابت تاريخيًا، أنَّ رئيس الوزراء البريطاني، دوجلاس هوم، أمر في يوليو 1964، وزير خارجيته، راب باتلر، بالانتقام من عبدالناصر، بعد أزمة السويس وتدَّخُل مصر العسكري في اليمن، بما يُهدد مصالح بريطانيا النفطية بشكل خاص، عن طريق «جعل الحياة جحيمًا بالنسبة له.. باستخدام المال والسلاح».. وطُلِب من الوزير العمل على أن يكون التحرك سريًا وأن «يُنكَر ذلك إن أمكن»، في حالة انكشافه.. وبعدها تشكَّلت لجنة عمل سرية، بمشاركة مختلف الأجهزة والوزارات المعنية لإدارة السياسة البريطانية تجاه اليمن، التي كان نظام عبد الناصر قد أرسل عشرات الآلاف من قوات الجيش المصري إليها، بداية من سبتمبر 1962، تلبية لطلب الدعم من عبدالله السلال، الذي قاد ثورة على نظام الإمامة «الملكي» المُؤيَّد بريطانيا، التي شاركت، في الفترة بين عامي 1962 و1965، في عمليات سرية، دعمًا للقوات الملكية في مواجهة الجمهوريين اليمنيين الذين تولوا السلطة في صنعاء، سبتمبر 1962.. ورفضت بريطانيا الاعتراف بالنظام الجمهوري، وقدمت مساعدات عسكرية للإمام البدر في مواجهة الجمهوريين المدعومين من الجيش والنظام المصريين.. واستمر الصراع السياسي والعسكري والإعلامي بين مصر وبريطانيا في اليمن طوال عقد السبعينيات.
جاءت مشاركة الجيش المصري بين عام 1962 و1967 في حرب اليمن، حين أرسل عبدالناصر القوات المصرية إلى اليمن، وقِيل حينها إنَّ إقامة نظام جمهوري في اليمن مسألة استراتيجية لمصر، التي كانت حريصة على السيطرة على البحر الأحمر.. وبعد انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن وإعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.. وفي أوائل عام 1968، انتصر الجمهوريون على الملكيين وتمكنوا من كسر حصار صنعاء.. وخلال الشهور الأخيرة من وجودها في اليمن، تردد أنَّ القوات المصرية استخدمت الغازات السامة، مما أدى إلى قتل عدد كبير من اليمنيين، لكن مصر نفت هذا الاتهام، وقالت إنَّه جزء من «حملة نفسية بريطانية ـ أمريكية» عليها.. وفي فبراير 1967، أعلنت القاهرة ترحيبها بتحقيق أُممي، غير أنَّه في الأول من الشهر التالي، قالت الأمم المتحدة إنها «غير قادرة» على التعامل مع هذه القضية.. وانتهزت بريطانيا الفرصة، واستغلت اسم وتأثير الإخوان، في إطار حربها السرية، لتأليب المسلمين في مختلف الدول، على عبدالناصر ونظامه.
جاءت تلك الحرب السرية في عقدٍ شهد صراعًا مريرًا بين نظام عبد الناصر وجماعة الإخوان.. ففي أغسطس 1965، قام الإخوان بتدبير مؤامرة للإنقلاب على الحكم في مصر، ثم اعتقل الآلاف، وبعد عام، أُعدِم عدد من الإخوان، بينهم سيد قطب، أحد أبرز مُنظِّري الجماعة.. في هذا السياق، كانت الأجواء مواتية لتمرير المنشورات البريطانية باعتبارها صادرة فعلًا عن الإخوان.. وقال أحد المنشورات، نقلًا عن الإخوان، إنَّ القوات المصرية في اليمن «ليست مُسلِمة»، لأنها تقتل المسلمين بالغاز.. وتساءل «من يستطيع أن يُقاوم الصعقة، عندما يصف شاهدو العيان العرب، كيف قُتِل مائة وعشرون من الرجال والنساء الأطفال دفعة واحدة، بعد أن أمر القواد المصريون الأشرار، طياري الجمهورية العربية المتحدة في قاذفات القنابل التي صنعها الشيوعيون السوفييت المُلحِدون، بإلقاء خمس وعشرين قنبلة غاز، من صنع الشيوعيين أيضًا، على قرية شمال شرقي صنعاء؟».
وروَّج المنشور، الذي أُصدِر باسم «جمعية الإخوان الدولية»، للانتقادات والحجج داخل مصر وخارجها ضد التدخل العسكري المصري في اليمن، والذي كان له دور في هزيمة مصر في حرب 1967 أمام إسرائيل.. وقال إنه «إذا كان لابد للمصريين أن يخوضوا غمار الحروب، فلماذا لا يوجهون جيوشهم ضد اليهود؟».. ولوحظ أنَّ المنشور كُتِب، أولًا، بلغة عربية عالية المستوى، ثم تُرجِم إلى الانجليزية لأصحاب القرار المسئولين عن الحرب السرية قبل الموافقة على توزيعه.. وأضاف المنشور أنَّ «القنابل التي أُلقِيَت على اليمن خلال الحرب التي تستعر نيرانها في هذا البلد المسكين لأربع سنوات، كانت تكفي لتدمير إسرائيل تدميرًا تامًا».
وكان لجوء عبدالناصر إلى الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية للتسلح، قد أثار غضب البريطانيين.. لذا، ركز المنشور على أنَّ الجيش المصري «استخدم أسلحة السوفييت الشيوعيين في قتل اليمنيين المسلمين»، ووصف المصريين بأنهم «كفرة وأبشع من النازيين».. وقال «أيها الإخوان المؤمنون، إنَّ هذه الجرائم الفظيعة المُخيفة التي تقشعر لها الأبدان، واستعمال هذا السلاح البغيض المُحرَّم استعماله دوليًا في الحروب.. هذا السلاح الذي لم يستعمله حتى هتلر المجنون ضد أعدائه في الحرب العالمية الثانية.. هذه الجرائم لم يرتكبها المُلحِدون أو الاستعماريون أو اليهود الصهيونيون، بل ارتكبها المصريون، الذين من المفروض أنهم مؤمنون».
وقد استخدم فريق الحرب الدعائية البريطاني مفردات مشابهة، لتلك التي استخدمها الإخوان.. وقال « إنَّ الحرب لها ما يبررها، إذا كان العدو غير مؤمن أو من عبدة الأوثان.. لكن أبناء اليمن إخواننا في الدين الحنيف.. وحيث إنَّه لا يوجد أي مبرر لقتل إخواننا،  فإنَّ الجريمة بكل تأكيد تصبح أبشع وأفظع، إذا هم قُتِلوا بأقذر وأحقر سلاح دون ريب، ألا وهو الغاز السام».. ووصف المصريين بأنهم «مستعمرون يتمادون في ارتكاب جرائم مُروِّعة دون عقاب؟».. وطالب المنشور المسلمين بأن «يُدِينوا المصريين الكفرة، ويرفضوا التعاون معهم في جميع الأمور، لكي تظهروا تضامنكم مع شعب اليمن المُستَعبَد في مصيبته الكبرى».
وتكشف الوثائق أنَّ فكرة إصدار المنشورات الصادرة عن الإخوان، جاءت بعد زيارة مسئول بالخارجية البريطانية إلى واشنطن.. وفي إحدي الوثائق، يقول المسئول، بعد عودته، «تشاورت مع الآنسة ستيفنسون، ووافقت على أنَّه من المرجح والطبيعي، أنَّ مثل هذا التنظيم ـ تقصد الإخوان ـ يرسل هذا المنشور».. وكانت أجهزة الحرب السرية البريطانية تنشر المنشورات من نقاط توزيع مختلفة، شملت دولًا عربية، مسلمة وغير مسلمة، في إفريقيا وآسيا.. وأرسلت المنشورات إلى صحفيين وكُتَّاب ومراكز بحثية وتعليمية ومنظمات دينية مسلمة، وجمعيات أهلية ومؤسسات حكومية ووزراء في هذه الدول.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.