رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تتحول جنين إلى غزة ولّا جنوب لبنان

الاستراتيجيات الإسرائيلية هى استراتيجيات «الدوائر».. دومًا لديهم دائرة قريبة من الأهداف وهناك دائرة أكبر.. وكلما «وسعت الصورة» كبرت الدائرة وازدادت الأهداف. 

بتطبيق هذه الفكرة على العملية العسكرية فى جنين، سنفهم ما الذى أرادت إسرائيل تحقيقه، هل فقط الاقتحام وضرب البنية التحتية وتحييد نشطاء كتيبة جنين؟ وضرب التنظيمات فى مهدها؟

نعم هذه هى الدائرة القريبة، لكن ما الدائرة الأوسع؟ دائرة الأهداف الأكبر كانت شيئًا واحدًا: منع تحول جنين إلى غزة ولّا لبنان.

غزة كانت، ولا تزال، وعلى ما يبدو ستبقى إلى الأبد، حائط الواقع القاسى، الذى تتحطم عليه وعود من أقسموا بتغيير الواقع فى الجنوب، غزة فقيرة، عنيدة ومارقة تلقن كل حكومة فى إسرائيل درسًا فى حدود القوة. لا يوجد سياسى فى إسرائيل يريد أن يرى حتى فى أحلامه غزة أخرى جديدة فى الضفة.

خلال العام ونصف العام الماضيين تمكنت حركة الجهاد الإسلامى من إنشاء عدة خلايا مسلحة فى شمال الضفة الغربية، خاصة فى منطقتى جنين ونابلس، كما لاحظت السلطة الفلسطينية زيادة التعاون بين حركة الجهاد وأفراد من كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكرى لحركة فتح، وهو ما سبب قلقًا للأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.

هذه المعلومات ليست سرية، قبل أيام من العملية، زار وفد من الجهاد الإسلامى، برئاسة أمينها العام زياد النخالة، طهران لإجراء محادثات مع القادة الإيرانيين حول سبل تصعيد القتال ضد إسرائيل، وقد دعا المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى بنفسه إلى تصعيد الهجمات على إسرائيل عبر الضفة الغربية. 

بعد لقائه زياد النخالة، كتب آية الله على «تويتر»: «لقد وجدت الجهاد الإسلامى وغيرها من حركات المقاومة الفلسطينية المفتاح الرئيسى لمحاربة النظام الصهيونى، والسلطة المتزايدة لجماعات المقاومة فى الضفة الغربية هى المفتاح لجلب العدو الصهيونى على ركبتيه».

وبشكل مُعلن أشار «النخالة» إلى أن «الجهاد الإسلامى يعمل على تشكيل كتائب مقاتلة فى الضفة الغربية وجميع المدن الفلسطينية، حيث تم التركيز بشكل خاص على كيفية نقل الضفة الغربية من حالة الهدوء إلى حالة المقاومة»، حسب ما قال فى مقابلة مطولة مع صحيفة «الوفاق» الإيرانية.

فى إسرائيل لا يريدون جنين مثل غزة، وأيضًا لا يريدونها مثل جنوب لبنان، حديث ما يدور بين القيادات الإسرائيلية لمنع «لبننة» جنين، ويحاولون ألا يقعوا فى الأخطاء التى وقعوا فيها مع لبنان.

عندما دعا قرار الأمم المتحدة رقم ١٧٠١، الذى أنهى حرب لبنان الثانية عام ٢٠٠٦، إلى نزع سلاح حزب الله ومنع أى قوات مسلحة جنوب نهر الليطانى، باستثناء الجيش اللبنانى واليونيفيل، لم يتم الالتزام بهذه القرارات، وزاد حزب الله ترسانته الصاروخية من حوالى ١٥ ألف صاروخ وقت حرب لبنان الثانية إلى حوالى ١٥٠ ألف قذيفة هاون وصاروخ اليوم.

إسرائيل رأت هذا التسليح التدريجى لحظة بلحظة، وامتنعت عن وقفه بالقوة، حتى لا تفتح جبهة جديدة مع حزب الله، ولكن النتيحة أنه فى الحدود الشمالية توجد صواريخ بإمكانها أن تصل إلى عمق تل أبيب، حيث فهمت إسرائيل أن تكلفة القضاء على هذا التهديد الآن ستكون أعلى بكثير مما لو تمت معالجته قبل ١٠ سنوات.

اليوم إسرائيل لا تريد أن تكرر الأخطاء فى جنين، فهى لن تسمح بالتسليح المتزايد للكتائب حتى لا تتحول إلى جنوب لبنان، ولن تسمح بزيادة التنظيمات وسيطرتها حتى لا تتحول إلى غزة.