رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحديات عيد الأضحى.. التغيرات المناخية تربك تجارة الأضاحى فى مصر

أضحية العيد
أضحية العيد

تجارة الأضاحي من أحد المهن المهمة في مصر، خاصة في مناسبة عيد الأضحى، حيث يذبح المسلمون الأضاحي تقربًا لله وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، وتشمل تجارة الأضاحي مجموعة من الأنشطة، مثل تربية وتغذية ونقل وذبح وتوزيع الحيوانات، بالإضافة إلى إدارة النفايات الحيوانية والمجزر الآلي.

وتواجه تجارة الأضاحي في مصر تحديات عديدة نتيجة للتغيرات المناخية والجفاف، التي تؤثر على إنتاجية وجودة وسلامة الأضاحي، مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الترابية؛ مما يؤدي إلى تدهور جودة المراعي والمياه والتربة وانخفاض توافر العلف والماء للحيوانات، كما تؤثر هذه الظروف على صحة ومقاومة الحيوانات للأمراض والآفات، مما يزيد من خسائرها وتكاليف علاجها.

ومن جهة أخرى، يؤدي الجفاف إلى انخفاض مستوى المياه في نهر النيل (المصدر الرئيسي للمياه في مصر)، مما يؤثر على قدرة مصر على ضخ المياه للاستخدامات المختلفة، بما في ذلك ري المحاصيل الزراعية التي تستخدم كعلف للحيوانات، كما يؤدي الجفاف إلى زيادة التصحر في المناطق القاحلة وشبه القاحلة، مما يقلل من المساحات المناسبة لتربية الحيوانات.

ولمواجهة هذه التحديات، تسعى مصر إلى اتخاذ إجراءات على المستوى الوطني والدولي للتكيف مع التغيرات المناخية والحد من آثارها، فعلى المستوى الوطني، تعمل الدولة المصرية على تطبيق استراتيجية وطنية لتغير المناخ 2050، التي تشمل خمسة أهداف رئيسية، منها تحقيق نمو اقتصادي مستدام وتنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وبناء المرونة والتكيف مع التغيرات المناخية، والحفاظ على التنوع البيولوجي والموارد الطبيعية.


أنظمة تكنولوجية

وفي هذا السياق، يقول خبير التغيرات المناخية، يحيى عبد الجليل، إن الإجراءات العملية في دعم تجارة الأضاحي تتم من خلال تطوير وتحسين سلالات الحيوانات المحلية المتكيفة مع الظروف المناخية المتغيرة، وتطبيق ممارسات تربية وتغذية ورعاية بيطرية مستدامة وفعالة للحيوانات، وتوفير بدائل للعلف والماء من مصادر متجددة ومنخفضة التكلفة، مثل الأعلاف المركبة والمياه المعالجة.

ويوضح "عبدالجليل" في حديثه لـ"الدستور" أن الإجراءات الآمنة تشمل أيضًا تطوير وتحديث المجزر الآلي والمرافق المرتبطة به لضمان جودة وسلامة الأضاحي، وتطبيق معايير صارمة لإدارة النفايات الحيوانية والحد من التلوث البيئي، فضلًا عن تشجيع استخدام التكنولوجيا والابتكار في تجارة الأضاحي، مثل استخدام أنظمة التتبع والتعرف على الحيوانات والأضاحي.

أما على المستوى الدولي، يؤكد خبير التغيرات المناخية أن مصر تسعى إلى المشاركة الفعالة في المنظمات والاتفاقيات والمؤتمرات المتعلقة بالتغيرات المناخية، مثل اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ، وبروتوكول كيوتو، واتفاق باريس، وذلك بهدف رفع الوعي بأهمية قضية التغيرات المناخية وآثارها على مصر والدول النامية، ودعم مصالح مصر في التفاوض على التزامات عادلة وشفافة للدول المتقدمة والنامية في مجال التخفيض من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

ويضيف: "نجحت مصر أيضًا في الحصول على التمويل والتكنولوجيا وبناء القدرات من الدول المانحة لدعم جهود مصر في التكيف مع التغيرات المناخية، وتبادل الخبرات والمعرفة مع الدول الشقيقة والصديقة في مجال تجارة الأضاحي والتغيرات المناخية".

 

توعية مطلوبة

"التغيرات المناخية تؤثر على تجارة الأضاحي في مصر بطرق مختلفة، فمن الناحية السلبية، تؤدي إلى تقلبات في درجات الحرارة والهطول والرطوبة، مما يؤثر على نمو وصحة وجودة الحيوانات المستخدمة كأضاحي، كما تتسبب في تدهور الموارد الطبيعية، مثل المياه والتربة والمراعي، مما يزيد من تكاليف إنتاج وتغذية ورعاية الحيوانات"، وفق حديث "عبد الجليل".

ويستكمل: "تؤدي التغيرات المناخية أيضًا إلى زيادة خطر الكوارث الطبيعية، مثل الجفاف والفيضانات والعواصف الترابية، مما يهدد حياة وأمن الحيوانات والمزارعين والمستهلكين، ولكن من الناحية الإيجابية، تسببت التغيرات المناخية أيضًا في زيادة الوعي والتحفيز للتكيف مع هذه التحديات، من خلال اتخاذ إجراءات لتحسين تجارة الأضاحي في مصر".

وفي ختام الحديث، يوجه "عبدالجليل" نصائحه للمزارعين بشأن استخدام سلالات حيوانية أكثر مقاومة للظروف المناخية المتغيرة، أو استخدام أساليب تربية وتغذية ورعاية بيطرية أكثر كفاءة وسلامة للحيوانات، كما يمكن للحكومة والقطاع الخاص دعم تجارة الأضاحي من خلال توفير التمويل والتكنولوجيا والتدريب والإرشاد للمزارعين، أو تطوير المجزر الآلي والمرافق المرتبطة به لضمان جودة وسلامة الأضاحي. 


توابع اقتصادية

ومن جانبه، يقول المهندس أشرف مختار، الخبير الزراعي، إن تجارة الأضاحي في مصر تؤثر على اقتصاد البلاد بطرق مختلفة، منها توفير فرص عمل ودخل للعديد من العاملين في هذه الصناعة، مثل المربين والمزارعين والناقلين والجزارين والموزعين والدباغين وغيرها، كما تحقق إيرادات للدولة من خلال فرض الضرائب والرسوم على هذه الصناعة، مثل ضريبة القيمة المضافة ورسوم التفتيش البيطري ورسوم التصدير والاستيراد وغيرها.

ويتابع: "تشجع هذه الصناعة أيضًا التجارة الخارجية لمصر من خلال تصدير بعض الأضاحي أو اللحوم إلى بعض الدول الإسلامية، مثل السودان والأردن والكويت وغيرها، أو استيراد بعض الأضاحي أو اللحوم من بعض الدول الموردة، مثل أستراليا والبرازيل وغيرهما، كما تحسن مستوى المعيشة لبعض الفئات الفقيرة والمحتاجة في مصر من خلال توزيع لحوم الأضاحي عليهم في عيد الأضحى، سواء من خلال المتبرعين أو من خلال بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية.

ويؤكد الخبير الزراعي في حديثه لـ "الدستور"، أن تجارة الأضاحي في مصر تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر سلبًا على اقتصادها، منها ارتفاع أسعار الأضاحي أو اللحوم في مصر نتيجة لارتفاع تكاليف إنتاجها أو نقلها أو ذبحها أو تخزينها أو توزيعها، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها أو التحول إلى بدائل أرخص، بالإضافة إلى انخفاض جودة أو سلامة الأضاحي أو اللحوم في مصر نتيجة لسوء التغذية أو التربية أو التخزين أو التداول أو التفتيش، مما يؤدي إلى زيادة خطر انتشار الأمراض أو التسممات بين المستهلكين.

ويوضح: "تشمل تجارة الأضاحي أيضًا إنتاج وتجارة وذبح وتوزيع الحيوانات المستخدمة كأضاحي، مثل الخرفان والماعز والبقر والجمال، وهذه الصناعة ترتبط بصناعات أخرى، مثل صناعة الأعلاف والأدوية البيطرية والمجازر والدباغة".

ويشير "مختار" إلى أن هذه الأزمة البيئية تتسبب في زيادة المنافسة من بعض الدول الموردة للأضاحي أو اللحوم إلى مصر، التي قد تقدم منتجات ذات جودة أو سعر أفضل، مما يؤدي إلى انخفاض حصة مصر من سوق هذه المنتجات، فضلًا عن زيادة التلاعب أو الغش في تجارة الأضاحي في مصر، من خلال بيع الأضاحي المريضة أو المنتهية الصلاحية أو المغشوشة، أو استغلال بعض الجمعيات أو المؤسسات الخيرية لأموال التبرعات في غير موقعها، مما يؤدي إلى خسارة المتبرعين أو المستهلكين.

ويختتم: "المجتمع المدني والإعلام يلعبان دورا مهما في رفع الوعي بأهمية تجارة الأضاحي في مصر، وتشجيع المستهلكين على اختيار الأضاحي المستدامة والصحية، في ظل الظروف المناخية التي طرأت على كافة دول العالم".

 

تجارة الأضاحي في مصر تتأثر بعوامل عديدة، مثل الإنتاج والاستهلاك والتجارة والأسعار والمواسم والظروف الاقتصادية والصحية، ومن بعض الإحصائيات الحديثة عن هذه الصناعة:
 

  • حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ التقدير السريع للناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2023 حوالي 1.4 تريليون جنيه، بزيادة قدرها 5.6% عن نفس الفترة من عام 2022، وبلغ حجم إنتاج قطاع الزراعة حوالي 0.2 تريليونًا جنيه، بزيادة قدرها 3.7% عن نفس الفترة من عام 2022.
     
  • حسب الهيئة العامة للإحصاء، بلغ متوسط سعر كيلو لحم خروف طازج في مصر في شهر مايو 2023 حوالي 200 جنيه، بزيادة قدرها 14.3% عن نفس الشهر من عام 2022، وبلغ متوسط سعر كيلو لحم بقر طازج في مصر في شهر مايو 2023 حوالي 140 جنيهًا، بزيادة قدرها 16.7% عن نفس الشهر من عام 2022.
     
  • بلغ سعر شراء خروف كبير الحجم في مصر في شهر يونيو 2023 حوالي 12 ألف جنيه (حوالي 390 دولارًا)، بزيادة قدرها 20% عن نفس الشهر من عام 2022، وبلغ سعر شراء خروف صغير الحجم في مصر في شهر يونيو 2023 حوالي 8 آلاف جنيه (حوالي 260 دولارًا)، بزيادة قدرها 14.3% عن نفس الشهر من عام 2022.
     
  • بلغ حجم استيراد مصر من لحوم الماشية في شهر أبريل 2023 حوالي 0.1 مليون طن، بقيمة 0.4 مليار دولار، بانخفاض قدره 8.3% عن نفس الشهر من عام 2022، وبلغ حجم تصدير مصر من لحوم الماشية في شهر أبريل 2023 حوالي 0.02 مليون طن، بقيمة 0.06 مليار دولار، بزيادة قدرها 20% عن نفس الشهر من عام 2022.

 

أمراض خطيرة

ومن جانبها، توضح مها وائل، طبيبة بيطرية، أن الأمراض التي تصيب الأضاحي في مصر بسبب التغيرات المناخية تختلف حسب نوع الحيوان ومنطقة الإنتاج والظروف البيئية والصحية، وأبرزها مجموعة من الأمراض التي تصيب الجلد والشعر والأظافر للحيوانات، وتسببها عوامل مختلفة، مثل الفطريات والبكتيريا والطفيليات والحشرات. 

وتستطرد: "تزداد خطورة هذه الأمراض بسبب التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة والتلوث، التي تؤثر على المناعة الطبيعية للحيوانات. ومن أشهر أنواع الجلدية التي تصيب الأضاحي في مصر (القلاع، الجرب، القروح، البرص، القمل، البراغيث)".

 

وتشير الطبيبة البيطرية في حديثها لـ"الدستور"، إلى إصابة الجهاز التنفسي للحيوانات بهذه الأمراض، وتسببها عوامل مختلفة، مثل الفيروسات والبكتيريا والطفيليات، وتزداد خطورة هذه الأمراض بسبب التغيرات المناخية، ومنها (الزكام، الإنفلونزا، التهاب الشعب الهوائية، التهاب الرئة، الكزبرة).

وتضيف: "هذه الأمراض تصيب أيضًا الجهاز الهضمي للحيوانات، وتسببها عوامل مختلفة، مثل المغذيات غير المناسبة أو الملوثة أو المتغيرة بسبب التغيرات المناخية، التي تؤثر على نشاط بكتيريا المعدة والأمعاء للحيوانات، مما يؤدي إلى اضطرابات هضمية، ومنها (الإسهال، التسمم، التهاب المعدة، التهاب الأمعاء، الديدان)". 

 

حلول صحية

أما عن أفضل طرق التغذية والتربية للأضاحي في مصر، تؤكد "مها" أنها تعتمد على عدة عوامل، مثل نوع الحيوان والهدف من تربيته والظروف المناخية والصحية والاقتصادية، وأهمها توفير الغذاء المناسب للحيوانات، والذي يحتوي على كمية كافية من البروتينات والكربوهيدرات والدهون والفيتامينات والمعادن والألياف، وذلك بحسب احتياجات كل نوع من الحيوانات. 

وتستكمل: "من الممكن أيضًا استخدام الأعلاف الجافة أو الخضراء أو المخلوطة، بالإضافة إلى المكملات الغذائية في حالات النقص أو الزيادة في بعض المغذيات، فضلًا عن توفير الماء النظيف للحيوانات، والذي يساعد في تنظيم درجة حرارة الجسم والتمثيل الغذائي والهضم والإخراج، كما يجب مراعاة كمية الماء التي يحتاجها كل نوع من الحيوانات، فمثلاً الإبل تستطيع الصمود لفترات طويلة دون ماء، بينما الأغنام تحتاج إلى شرب الماء بشكل يومي".

وتنوّه الطبيبة البيطرية إلى أنه من الضروري توفير المأوى الملائم للحيوانات، والذي يحميها من الحرارة الشديدة أو البرودة الزائدة أو الرطوبة أو الأمطار أو الرياح أو الآفات، ويجب أن يكون المأوى نظيفًا ومضاءً ومريحًا للحيوانات، وأن يكون به مساحة كافية للحركة والراحة.

وفي ختام الحديث، تقول "مها" إنه يجب تطبيق التدابير الصحية للحيوانات، والتي تشمل التطعيم ضد الأمراض المعدية أو المشتركة مع الإنسان، مثل الجلدية أو الجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي، والتي تشمل إزالة الديدان والطفيليات من دورية، وإجراء فحص بشكل دوري للكشف عن أية أعراض مرضية، واستخدام المضادات الحيوية أو المسكنات عند الضرورة.