رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

5 يونيو «2-3»

هل الحرب اختيار، أم أن قرار الحرب هو الذى يفرض نفسه؟ قد يبدو هذا السؤال ساذجًا لدى البعض، لكن مَن يقرأ التاريخ يدرك أن فى الأغلب الأعم تفرض الحرب نفسها على الجميع. ينطبق الشىء نفسه على حالة ٥ يونيو، التى قد يدهش القارئ إذا قلنا إن الجميع، العرب وإسرائيل، وربما أيضًا أمريكا والاتحاد السوفيتى، لم تكن لديها الرغبة فى إثارة هذه الحرب، والحق أنه وفى خضم الأزمات السياسية، ربما تتدحرج كرة الثلج من الجميع، ليقع العالم فى آتون الحرب.

إذا ألقينا نظرة على الجانب العربى آنذاك، لا سيما الموقف المصرى، سندرك تمامًا أن مصر لم تكن تريد الحرب، بل الأكثر من ذلك أن مصر لم تكن مستعدة عسكريًا لخوض الحرب. وقد تسربت أنباء عن حشود إسرائيلية على الجبهة السورية، وأنه ربما تستعد إسرائيل لعملية خاصة واسعة النطاق ضد دمشق، لكن ثبت بعد ذلك عدم مصداقية هذه المعلومات. وحاول عبدالناصر أن يمارس لعبته المفضلة: الشطرنج، والقيام بعملية «كش ملك» من خلال قراره سحب قوات الطوارئ الدولية فى شرم الشيخ، وهو قرار يعتبر فى القانون الدولى بمثابة إعلان حرب. لكن ناصر لم يكن ينوى حقيقة تصعيد الأمور إلى حالة الحرب، كان يلعب لعبة سياسية خطرة هى سياسة حافة الهاوية، على أمل أن يسعى الرأى العام الدولى إلى تبريد الأزمة سريعًا قبل حدوث حرب، وهنا تبدأ المحادثات حول صورة وشكل الأوضاع الجديدة فى المنطقة. وعلى الجانبين السورى والأردنى لم يكن أحد يسعى لتصعيد الأمور إلى حالة الحرب.

أما على الجانب الإسرائيلى، فكان الرأى السائد فى أروقة الحكم فى إسرائيل عدم الدخول فى حرب جديدة، نظرًا للكلفة الاقتصادية والسياسية لهذه الحرب على إسرائيل. لكن كانت هناك أقلية تدعم مسألة الدخول فى الحرب.

وعلى الجانبين الأمريكى والسوفيتى، وفى ظل أجواء الحرب الباردة، لم يكن أحد يسعى إلى تأزيم الأوضاع الدولية، خاصة فى منطقة شديدة التوتر مثل الشرق الأوسط.

لكن كرة الثلج تتدحرج من جديد لتقع الحرب. ويشير بعض الباحثين إلى رواية تاريخية تقول إنه تسربت معلومات إلى إسرائيل أن الدول العربية فى أضعف لحظاتها، والجيوش العربية لا تُخطط للدخول فى الحرب، بل ليست مستعدة لها، وبالتالى إذا تم توجيه ضربة عسكرية سريعة، لا سيما بسلاح الجو الإسرائيلى، ستكون الفرصة الذهبية لتسديد ضربة قاصمة للعرب، لن يفيقوا منها لسنوات طويلة، وكان قرار الحرب، هذا القرار الذى عرفته القيادة العربية متأخرًا، وكان عليها تلقى «الضربة الأولى» ثم القيام بهجوم مضاد، لكن الضربة الأولى فى ظل الأجواء التى تكلمنا عنها سابقًا كانت بمثابة الضربة القاضية.