رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيام الثورة والخلاص.. خالد يوسف: «المعزول» غضب منى بشدة لأننى قلت «لولا عبدالناصر لظل محمد مرسى ورا الحمار فى بلدهم بدون تعليم»

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز مع خالد يوسف

مثقف لا يكتفى بالحديث عبر الشاشات عن مواقفه وآرائه، بل كان دائمًا بين الجماهير يعلن رفضه لكل ما يعتقد أنه يمثل خطرًا على مصر، لذا لم يكن غريبًا أن نراه درعًا بشرية تحمى المتحف المصرى يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، ثم نراه حارسًا للذاكرة المصرية وهو يصور أحداث ثورة ٣٠ يونيو العظيمة.. إنه المخرج خالد يوسف، الذى خرج يوثق شهادته للمرة الثانية على أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، وثورة ٣٠ يونيو.

وخلال حواره مع برنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الكاتب الصحفى والإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر قناة «إكسترا نيوز»، كشف المخرج خالد يوسف عن كيف بادرت جماعة الإخوان باستخدام العنف يوم ٢٨ يناير لاختطاف ثورة سلمية، وكيف خدعوا الجميع بشعاراتهم، وأسباب ثقته فى أن المصريين سيلفظون هذه الجماعة المتطرفة، بالإضافة إلى الحديث عن أهمية ثورة ٣٠ يونيو فى تاريخ مصر المعاصر.

■ ماذا تعنى لك ثورة ٣٠ يونيو؟ 

- ٣٠ يونيو أعلى تجليات تجمع إرادة المصريين، ويشبه تجليًا كبيرًا فى حياة المصريين وهو حرب أكتوبر، وهو تجمع إرادات المصريين كى يعبروا، وهو ما بنيت عليه مسلسل «سره الباتع». 

وهناك مقولة عظيمة وكاشفة قالها الكاتب يوسف إدريس، وهى: إن تجمع إرادات المصريين يجعل أجسادهم تفرز إكسيرًا سحريًا قادرًا على صنع المعجزات، وهو ما حدث بالفعل فى ٣٠ يونيو، فالمصريون عندما يجتمعون على أمر ينفذونه مهما كانت التنبؤات والتوقعات والتحليلات.

■ متى تكوّن وعيك وإدراكك بخطر جماعة الإخوان؟

- مبكرًا، عندما خضت انتخابات اتحاد الطلبة ضدهم فى الجامعة فى الثمانينيات، كانت هناك قائمة الجماعات الإسلامية والإخوان، وقائمة الموالين للنظام، وفى المنتصف التيار الناصرى واليسارى والشيوعيون، ولا يكسب الانتخابات، فإما تكسبها الجماعات الإسلامية وإما التيار الموالى للنظام.

وكنت أنا استثناء، فقد كسبت التيارين، وأصبحت رئيس اتحاد طلاب الجامعة، واشتبكت معهم اشتباكات هائلة من أول إعدادى هندسة، والاشتباك فى البداية كان انتخابيًا، وكان لازم أبقى فاهمهم، فبدأت أقرأ أدبياتهم، من «رسائل البنا» لكتب سيد قطب، لأبى الأعلى المودودى وابن تيمية، وكل التيار الفكرى المتطرف.

كانت هناك آراء فى التيار اليسارى، فهم يفرقون بين الإخوان وجماعات التيار الإسلامى المتطرفة، أما أنا فلم أفرق، لأن جملة «جماعة الإخوان المسلمين» تعنى أن ما دونهم ليسوا مسلمين، ومن يزعم أن التطرف بدأ من كتاب «معالم فى الطريق» لسيد قطب وليس حسن البنا، وأن ما قبله هو «دعاة لا قضاة» فهذه ألاعيب سياسية، لأن الجماعة تكونت فى الأصل على أنها الجماعة الإسلامية وما دونها غير مسلمين، أى بالشكل الذى قاله سيد قطب فى كتابه، فقط الإخوان لم يقولوها بنفس الشكل لكن أدبياتهم وممارساتهم تقودنا لنفس الجملة.

■ الراحل خالد محيى الدين كان لديه موقف تاريخى وسياسى وفكرى من جماعة الإخوان.. فكيف أنار لك الطريق؟

- خالد محيى الدين أنار لى طرقًا كثيرة، وكان رأيه فى الإخوان قريبًا من رأيى، وكان يتعامل معهم فى إطار سياسى، ودخل هو وجمال عبدالناصر جماعة الإخوان وتعامل معهم ووثق التجربة فى «.. والآن أتكلم»، وأدرك أن الجماعة ليس لديها مشروع وطنى.

وقد كنت أدير حملة خالد محيى الدين فى الانتخابات، وكان هناك اشتباك عنيف مع أعضاء الجماعة، ومنهم أقارب لى.

■ كيف كان احتكاك الإخوان بك فى مجال الفن؟

- كانوا يهاجمون جميع أفلامى، وقوموا علىَّ الدنيا بعد فيلم «ويجا» بسبب مشهد لمنة شلبى تزور صاحبها مرتدية الخمار، فاعتبروه إساءة لرمز إسلامى، وأخذوا فتوى من مفتى الديار المصرية وقتها، نصر فريد واصل، بأن هذا خروج على الشريعة.

وفيما بعد، أجرت القناة الثقافية مناظرة بينى وبين المفتى، وقلت له: إن اللص أحيانًا يتخفى فى ثوب الضابط إذن هو يقر بشرف هذا الثوب، فقال لى: نعم، قلت له: إذن لو تتخفى لفعل خطيئة فى هذا الثوب فهى تقر بشرفه، فقال لى: هذا منطق مقبول.

فالإخوان كانوا يختلقون المعارك لاستنزاف وقتى وتضييع طاقتى وتعطيلى عن الإبداع.

■ كيف رصدت مشاركة الإخوان فى ٢٥ يناير؟ 

- عندى مشاهدة قلتها فى مسلسل «سره الباتع»، والبعض رأى أنها جديدة، فقد كنت فى المعركتين على كوبرى الجلاء وعلى كوبرى قصر النيل يوم ٢٨ يناير، والإخوان لم ينزلوا يوم ٢٥.

وفى يوم ٢٣ أو ٢٤ يناير كان هناك اجتماع البرلمان الشعبى ردًا على تزوير انتخابات ٢٠١٠، والتى قال عنها الرئيس مبارك: خليهم يتسلوا، وكنت عضو البرلمان الشعبى، وكان محمد البلتاجى عضوًا فيه وحمدين صباحى وعبدالحليم قنديل، ورموز كثيرة، ومعظم الـ١٠٠ وهم أعضاء البرلمان أحياء.

وتحدثنا يومها عن دعم الشباب الذين دعوا إلى ٢٥ يناير، و«البلتاجى» قال إن مكتب الإرشاد أعلن عدم المشاركة، وقال لن نشارك.

وعهدنا للأستاذ عبدالحليم قنديل بأن يصوغ بيان الاجتماع بلغته الشديدة، فـ«راح لاطش حسنى مبارك بالاسم»، فمحمد البلتاجى صرخ وقال: لم نتفق على هذا ولا علاقة لنا بالرئيس وكلامنا عن ممارسات الشرطة وأن نثمن دعوة الشباب، ونقول قرار جماعتنا بعدم المشاركة، لكن هتقربوا لحسنى مبارك لن أوقع، ورفض «البلتاجى» التوقيع على بيان البرلمان الشعبى وشارك من الإخوان ٣ أو ٤ أعرفهم بالاسم.

وفى يوم ٢٨ يناير، تحركت مجموعتنا من جامع مصطفى محمود وكانت تستهدف الوصول لميدان تحرير، وحصلت معركتان موثقتان، عبارة عن ضرب واحتكاك بين الشرطة والمتظاهرين، وكر وفر.

وشهادتى، وأُسأل عنها يوم القيامة، وقلتها فى «سره الباتع»، هى أننا كنا نتقدم والشرطة معاها الهراوات، لكن عددهم كان أقل منا، فاستطعنا دفعهم للتراجع، وعندها بدأوا الضرب بقنابل مسيلة للدموع بشكل مكثف لنرجع، وفجأة وجدت موتوسيكلات عليها شباب صغار يحملون «مولوتوف» ويقذفونه على عناصر وسيارات الشرطة، واشتعلت النيران فى سيارتى شرطة، وتفحمتا أمام أعيننا، فتراجعت الشرطة.

وبعدها، اجتزنا كوبرى الجلاء ثم توجهنا لقصر النيل، واستمر الأمر ٣ ساعات كر وفر، ووجدت نفس الموتوسيكلات تضرب المولوتوف وتحرق سيارات الشرطة، وكنا سلميين، ونهتف «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، و«الشعب يريد إسقاط النظام»، ولم يعرف أحد هوية هؤلاء، لكن أقدر أقول، وبنسبة ١٠٠٠٪، إنهم «إخوان مسلمين»، لأنهم كانوا منظمين جدًا بيضربوا ويختفوا.

وهذه قناعتى وشهادتى، فلم يكن معنا بلطجية ولا تنسيق لاستخدام العنف، وكنت فى قلب مطابخ التحضير، واتفقنا أن النضال سلمى، مثل «غاندى»، حتى لو أطلق علينا الرصاص، فقد كنا فنانين وفنانات وناس من الطبقة الوسطى وليس الطبقات الدنيا.

وبعد نجاحنا فى دخول ميدان التحرير، اتصلت بأخى وكان وقتها عميد شرطة ومأمور قسم الخصوص، وقلت له: خلى بالك هيكون فيه هجوم على الأقسام، وسألنى: دى معلومة ولا اجتهاد؟ وبالفعل تم الهجوم على أقسام الشرطة.

وتوجهت بعدها إلى المتحف المصرى بميدان التحرير ووقفت أمامه قبل دخول القوات المسلحة للميدان، لأنه كان هناك عدد من الشباب قد حضروا الأحجار لضرب الجيش بها، ووقتها تم توزيع القوى السياسية والشخصيات العامة لقيادة المتظاهرين لاستقبال الجيش بالاحتفاء.

وظل شقيقى، رحمه الله، لمدة ١٠ سنوات، يتحدث عن تحذيرى له قبل الهجوم على أقسام الشرطة، وعن ثوار الميدان الذين كنت معهم صباحًا وكانوا يضربون أخى فى القسم ليلًا.

■ كيف اختطف الإخوان الثورة من المتظاهرين السلميين؟

- بعد عصر يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، رأيت أعدادًا هائلة تابعة لجماعة الإخوان حضرت بعد أن تأكدوا من نزول الشعب، لكن الحضور الأكبر كان للشعب، والإخوان اختطفوا الثورة بسبب سذاجة الثوار، وتخطيط محكم منهم، وكانوا لطاف جدًا، خاصة مع رموز الحركة السياسية والفنية.

وطلبنى عصام العريان والتقينا فى مكتب خالد الصاوى ومعنا علاء الأسوانى، وطلبوا بكل تذلل أن يدخل يوسف القرضاوى للميدان ويؤم المصلين يوم الجمعة، ولو رفضنا ما تمكن من الدخول، وكلنا وافقنا عدا الفنان أحمد عيد، الذى قال: الإخوان يريدون اختطاف الثورة مثل مشهد «الخومينى»، وكنت أكثر شخص عداءً للإخوان، ورغم ذلك تأثرت بلطفهم ولم أصدقه، وظننت أنهم فى مرحلة الاستضعاف.

وكان لى مشهد مع الرئيس الراحل محمد مرسى، فى أول لقاء يجمعنا بعد هروبه من السجن، فقد جاء إلى ميدان التحرير، وقال لى: «أنا عرفت إنك خريج هندسة جامعة الزقازيق وأنا كنت أستاذ هناك، إنت خريج دفعة كام؟»، وطلب منى التقاط صورة معه بحجة أنه يريد أن يريها لأبنائه.

وبعدها كان هناك لقاء آخر، عندما دعا المثقفين والفنانين فى قصر الرئاسة بعد فوزه بالانتخابات، ونظر إلىّ بغضب طوال اللقاء، لأنى فى وقت سابق خلال برنامج تليفزيونى قلت: «لولا جمال عبدالناصر لظل محمد مرسى ورا الحمار فى بلدهم بدون تعليم».

■ لماذا ظهرت القوى السياسية وكأنها مستسلمة لما يحدث؟ 

- أنا فعلًا انخدعت فى الإخوان، و«هما عرفوا يمثلوا المسكنة كويس»، فلا أحد رأى كيف تعامل «البلتاجى» و«العريان» معى بود مبالغ فيه، وموقف الساسة والمثقفين وقتها هو أنهم شعروا بأن الإخوان عندما رأوا عظمة الشعب حدث لهم تغير نوعى، لأنهم كانوا مثل الملائكة لمدة شهور.

وفى جولة الإعادة بانتخابات الرئاسة، حدث اجتماع فيرمونت، ومعظم الذين شاركوا فى «مشهد فيرمونت» ندموا عليه، فكيف نخرج لإسقاط نظام مبارك، لكن نتركه يعود ثانية بعد الثورة مباشرة؟ فالأمر كان مؤذيًا تمامًا، وبعد عدة مناقشات مع القوى السياسية حدث انقسام، وقاطع البعض الانتخابات؛ لأن ضميرهم لا يسمح لهم بالتصويت لأحمد شفيق أو محمد مرسى، والبعض قال إن «مرسى» أقل الضررين، وكان موقفى بجولة الإعادة واضحًا، وقاطعت.

■ ما رؤيتك عن المشاهد الأولى عندما كان رئيس مصر من الإخوان؟ 

- بعد فوز «مرسى» بالانتخابات كنت مدمرًا نفسيًا بشكل شامل، وكنت فى حالة غضب كبير، ولا أنسى لحظة سماع اسمه فى الأخبار فلم أسكت، وكنت أفرغ الغضب حتى لا أموت كمدًا، وبعد أسبوع واحد من تولى «مرسى» صرحت مع الإعلامى طونى خليفة بأنه فى ٣٠ يونيو المقبل لن يكون «مرسى» على كرسى الرئاسة، وأنى لا أعترف بأنى فى زمن الإخوان، وكلامى موثق.

وفى العام الثانى بعد سقوط الإخوان استشهد الإعلامى طونى خليفة بكلامى، لأنه كان تحديًا وكسبت الرهان.

ومنذ توليهم الحكم كانت لدى قناعة بأنهم جسم غريب سيلفظه الشعب المصرى، لأنهم كان لديهم مشروع مدمر للهوية المصرية.

■ لماذا لا توجد لدى الإخوان علاقة بالإبداع؟ 

- لأن مبدأ السمع والطاعة ينفى أى علاقة بالإبداع، فلا يوجد شخص لديه إبداع يوافق على السمع والطاعة، لأنهم يحتاجون شخصًا فقيرًا فى التفكير والإبداع والخيال، وليس لديه حلم، لذلك لا يمكن أن يكون لديهم مثقف أو فنان.

وعندما قالوا وقتها إنه سيتم تعيين وزير ثقافة إخوانى، صرحت وقلت إن هذا من المستحيل؛ لأنه لا يوجد لديهم مثقفون وليست لهم علاقة بالإبداع، لذلك لم يكن لديهم روائى ولا شاعر ولا مخرج.

ولما تم تعيين وزير ثقافة إخوانى قمنا باحتلال الوزارة، برفقة مجموعة من المثقفين، ومنعناه من الدخول، وكان فى مقدمة المثقفين سيد حجاب وبهاء طاهر وجلال الشرقاوى وعمر طاهر وغيرهم.

الذى حدث وقتها لتنظيم هذا الاحتلال هو أن التليفونات كانت مراقبة، وكنا لا نعلم هل الشرطة معنا أم لا، ولم يكن هناك تنسيق بين المثقفين، ولكنهم كانوا متحسبين للموقف.

ووقتها ذهبت لمحمد العدل وسيد فؤاد وأخبرتهما بالفكرة، وأن لدى خطة، واتصلت ببهاء طاهر وصنع الله إبراهيم، وقلت لهما أن يذهبا للوزارة فى تمام الحادية عشرة إلا عشر دقائق، وأن يطلبا مقابلة الوزير بدعوى أن لديهما أفكارًا لعرضها عليه، واخترنا يومًا لا يكون الوزير فى الوزارة.

وبعدها اتفقت معهما على أن يكون هناك ١٥ مثقفًا بداخل الوزارة، وكانت هناك مظاهرة للشباب المبدعين بالأوبرا، وتحدثت مع ٣ قنوات بالتليفزيون، واتفقت معها على إجراء مداخلة من قلب المظاهرة بالأوبرا، وعندما اجتمعوا تم الاتصال بالشباب الموجودين بدار الأوبرا، وأخبرتهم بأنه تم احتلال وزارة الثقافة، وأعلنت ذلك على الهواء، ومنعنا الوزير من الدخول.

ووقتها حضر الأمن المركزى وأغلق الأبواب وطلب منا مغادرة الوزارة لكننا رفضنا، وشباب المثقفين قفزوا من على الأسوار وأصبحوا بالمئات، وظلوا بها شهرًا كاملًا، وقالوا إنهم لن يخرجوا إلا فى ٣٠ يونيو.