رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من فوائد الحوار

 

 

من فوائد أى حوار بشكل عام أنه يُحدث حالة من الحراك الذى هو عكس الركود، وينطبق هذا بكل تأكيد على الحوار الوطنى كما ينطبق على أى حوار عام أو خاص، ولا شك أن الفائدة تصبح أعظم كلما كان الإعداد للحوار يتم بشكل علمى واحترافى.. وأظن أن هذا ينطبق على الحوار الوطنى الذى انطلق منذ عام وتم التجهيز له عبر اتصالات جادة وجلسات إعداد متواصلة واقتراحات متعددة وكثيرة، سواء من المتخصصين أو من الجمهور العادى المهتم والراغب فى المشاركة فى النقاش العام والحراك السياسى.. وأظن أن الفائدة الأولى للحوار قد تحققت قبل أن تبدأ جلساته.. فقد شهدت مواقع التواصل وبعض وسائل الإعلام حالة من النقاش حول الحوار الوطنى كفكرة ومنهج أولًا.. وحول الكلمات التى ألقيت فى الجلسة الافتتاحية ثانيًا.. وحول بعض ضيوف الجلسة الافتتاحية ممن صنفوا على أنهم «شباب يناير» ثالثًا.. ويمكن اختصار هذا النقاش العام والهام فى أنه يدور بين وجهتى نظر.. وجهة النظر الأولى تمثلها أغلبية عددية مؤيدة للدولة.. لكنها لا تفهم ضرورة الانتقال لمرحلة سياسية جديدة تبدأ بالحوار الوطنى ولا تنتهى به.. لا يدرك رافضو الحوار أنه وسيلة لتقوية الدولة وليس إضعافها.. وأنه مضاد حيوى ضرورى لتحصين المستقبل السياسى لمصر فى السنوات القادمة.. أى جدل بين فكرتين لا بد أن تنتج عنه فكرة ثالثة جديدة كما يقول المناطقة.. هذه الفكرة الجديدة ليست منقطعة الصلة بالفكرتين السابقتين على ظهورها ولكنها ليست هما على وجه التأكيد.. لا يدرك رافضو الحوار أن الدولة وأحزاب الأغلبية لن تلعب فى الحوار دور المستمع والمنفذ لرغبات المعارضة فقط.. لكن السلطة التنفيذية ستطرح ما لديها من إنجازات تحققت ووجهات نظر فى التنمية وتحديات تواجه الاختيار السياسى لمصر بالتحول لمركز قوة إقليمى فى المنطقة.. وبالتالى فإن الدولة ستتحدث كما ستسمع وستؤثر كما ستتأثر وستطالب كما سيطلب منها الآخرون.. وهذه طبيعة أى حوار.. المعارضون للحوار مشكورون على خوفهم على وطنهم ودولتهم، لكن عليهم أن يثقوا فى مجريات الحوار وفى كفاءة المسئولين عنه.. وعليهم أيضًا أن يدركوا أن القضاء على الإرهاب أولًا والأزمة الاقتصادية العالمية ثانيًا والصراع العالمى الحاد ثالثًا وعدم استقرار الشرق الأوسط رابعًا.. كل هذه تحديات تفرض علينا الانتقال لمرحلة سياسية جديدة عبر الحوار الوطنى.. مع الأخذ فى الاعتبار أن أى حوار لا بد أن تكون نتيجته الطبيعية الخروج بموقف موحد بين المتحاورين بعد التفاوض حول وجهات نظر الأطراف المتعددة.. وأظن أننا لا نحتاج لشىء إزاء كل هذه التحديات أكثر من أن نتوحد فى جبهة واحدة ذات ألوان متعددة، وبالتالى فإن الوحدة من خلال الحوار مكسب كبير يجب أن يضعه المعارضون للحوار فى اعتبارهم وهم ينظرون للمكاسب التى ستعود علينا من الحوار ويوازنون بينها وبين مخاوفهم منه والتى لها كل الاحترام.. أما على جانب المعارضين للحوار من غير المؤيدين للدولة.. فالإرهابيون وأبواقهم هم الأعلى صوتًا والأكثر خوفًا وهذا فى حد ذاته مؤشر على أهمية الحوار وفائدته لمصر.. فالإرهابيون لا يعارضون سوى ما يرونه مفيدًا لمصر ولا يؤيدون سوى ما يرون أنه مضر بها.. وأنا لا أثق فى المتطرفين عمومًا ولا أثق فيمن يسمون أنفسهم بالقوى المدنية وتتوحد مواقفهم مع الإخوان فى رفض الحوار ولا أثق أيضًا فى ذوى النظرة الضيقة الذين يتمسكون بمطالب تكتيكية صغيرة تعطى الفرصة لمن يريد أن يفسد الحوار كفكرة.. وأظن أن على القوى المدنية أن تتحلى بسعة الأفق وبالنظرة الكلية للأمور وأن تقدر المصلحة العليا للوطن.. وأن مصلحتها هى كقوى سياسية وحزبية البدء فى الحوار فورًا والانخراط فيه بجدية والسعى للوصول لنتائج هامة لجلساته دون الالتفات لصغائر الأمور والتى تظهر كأعراض جانبية أثناء العمل.. والمعنى الذى أريد أن أقوله إن الحوار مفيد لمؤيدى الدولة ولمعارضيها وإن الفعل أفضل من اللا فعل وإن الحوار أفضل من العداء وإن التواصل أفضل من القطيعة وإن الوحدة خير من الخلاف.. تحاوروا يرحمكم الله.