رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رافضون وموافقون على الحوار الوطنى

وائل لطفى
وائل لطفى

بقدر أهمية الحوار الوطنى تكون أهمية المناقشة حوله كحدث فريد وغير مسبوق فى تاريخ مصر الحديث.. ملاحظتى أن هناك أصواتًا رافضة للحوار من المؤيدين ومن المعارضين أيضًا.. كما أن هناك مؤيدين كثيرين جدًا من المؤيدين ومن المعارضين، أيضًا، شاركوا فى الحوار بالفعل.. من المهم جدًا ألا يظن أحد أنه يتفضل بالمشاركة فى الحوار لأن المشاركة قد تكون فرصة حقيقية وأخيرة للوجود السياسى للبعض وللسير فى طريق الإصلاح أيضًا.. على صفحتى الخاصة على «فيسبوك» تلقيت تعليقات رافضة من أشخاص مؤيدين للدولة ورافضين للحوار أيضًا.. قال أحدهم كيف يشارك بعض من وُجهت لهم اتهامات بالتخريب فى أوقات سابقة؟ ألم يقل لنا المسئولون إن كل من خرّب سيعاقب وإن من كسر كوبًا سوف يحاسب بالقانون؟ قلت له إن من ارتكبوا مخالفات حوكموا وسُجنوا بالفعل وإن الحوار جاء بعد أداء العقوبة أو جزء منها.. وبالتالى لا تناقض فى منح العناصر السياسية فرصة للسير فى طريق الإصلاح.. ما داموا قد أعلنوا أنهم غيّروا قناعتهم حول هدم الدولة واختاروا التحاور معها.. هؤلاء انتقلوا من اختيار «الثورة» أو «الحلم بالثورة» أو «ادعاء الثورة» إلى نهج الإصلاح.. والإصلاح معناه العمل من داخل الدولة بالآليات السياسية والقانونية المتاحة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه من إصلاحات.. ميزة الإصلاح أنه يتم بقوة الدولة نفسها بعد الاتفاق عليه.. وأنه لا يؤدى لتخريب المؤسسات القائمة على أمل بنائها من جديد وهو ما لا يحدث أبدًا.. والميزة الثالثة أنه فرصة للقوى السياسية فى النجاح بعد أن فشلت فى اختيار «الثورة».. وبالتالى فهذه كلها اعتبارات يجب أن تضعها الجبهة المدنية والقوى المختلفة فى أذهانها وهى تقدم على الحوار.. عليها أن تدرك طبيعة ما تقوم به من حيث كونه خطوة نحو التحول للإصلاح وبالتالى التحلى بالمرونة واستخدام مهارات التفاوض وقراءة الواقع جيدًا وغلق الطريق أمام الرافضين.. من جهة أخرى هناك أصوات راديكالية معارضة لا ترى أملًا فى الحوار وترفضه من حيث المبدأ.. قابلت صديقًا قديمًا بالصدفة وتناقشنا فقال إنه يرفض الحوار من حيث المبدأ.. وأنا قلت له إننى أختلف معه.. بعد أن افترقنا قلت لنفسى إن صديقى هذا يحتفظ بنفس الشكل ونفس الملابس ونفس الأفكار منذ ربع قرن كامل!! وهذا ضد طبيعة الأشياء.. هذا الرجل مخلص فعلًا ومتسق مع أفكاره لكنه أيضًا جامد.. لا تتغير أفكاره ولا آليات عمله ولا يؤثر فى الواقع من حوله مقدار ذرة.. وهو فى الغالب سيلاقى وجه ربه بنفس الأفكار والقناعات وبنفس القدر من انعدام التأثير فى الواقع.. ما معنى هذا الكلام؟ معناه أن الفضيلة هى الوسط بين رذيلتين كما يقول أرسطو.. وأن الجدل بين فكرتين هو الذى ينتج فكرة جديدة.. وأنه «لولا اختلاف الرأى يا محترم ماكانش حبل الوداد بيننا اتبرم» كما يقول العظيم صلاح جاهين.. والمعنى أيضًا أن القوى السياسية المختلفة يجب أن تستغل فرصة الحوار لتنفتح على بعضها البعض دون تخوين أو تكفير أو رفض مسبق.. على القوى التقليدية أن تتوقف عن رفض أحزاب المعارضة المدنية والتعامل مع أفرادها على أنهم يرددون أفكارًا غريبة عن الواقع «بعضها كذلك بالفعل رغم نبلها»، وعلى القوى المدنية أن تتوقف عن الاعتقاد باحتكار الحقيقة ووصف الأحزاب التقليدية بأنها أحزاب السلطة، لأن الأحزاب التقليدية قوية بالفعل وتعبّر عن تكوينات اجتماعية واقتصادية وعائلية راسخة.. وعلى الأحزاب المدنية أن تستغل الفرصة لطرح مزيد من الأفكار وتوسيع مساحة النقاش وتحقيق مزيد من الإصلاحات، وإلا فإنها ستواصل السير فى طريق الفشل وإضاعة الفرص التاريخية كما تفعل دائمًا.. أو على الأقل هذا ظنى.. والله أعلى وأعلم.