رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تهدد إكسير الحياة.. تأثير حرب السودان على إنتاج الصمغ في العالم

الصمغ
الصمغ

على خلفية الحرب الدائرة التي يشهدها السودان حاليًا، التي لا يُعلم كيف ومتى ستنتهي، هناك منتج هام تميز به السودان عن نظرائه من الدول لعقود طويلة، يوشك أن يهدد بالانهيار بسبب تلك الحرب ذلك هو الصمغ العربي.

والسودان تحتل المركز الأول في العالم في إنتاج الصمغ العربي إذ يأتي حوالي 70% من إمدادات العالم من هذا النبات "الذي لا توجد له بدائل كثيرة"، من أشجار "الأكاسيا" في منطقة الساحل السوداني الذي يمزقه القتال الدائر بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع.

وعلى الرغم من أن إنتاجية السودان من الصمغ العربي التي كانت قد شهدت ارتفاعًا في العام الماضي حسب ما أوضحه المدير العام للهيئة القومية للغابات الاتحادي أنور عبد الحميد إبراهيم، الذي أشار إلى أنها فاقت خلال العام 2022 الـ60 ألف طن، متوقعًا حينها أن ترتفع خلال هذا العام لتفوق 80 ألف طن إلا أن الحرب الأخيرة الدائرة في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني، قد جاءت لتخالف كافة هذه التوقعات، وتشير إلى تهديد صريح غير متوقع لهذا المنتج الذي كان السودان مسيطرًا على إنتاجه.

والصمغ العربي، هو مستحلب مستخلص من أغصان وجذوع شجرة تدعى "الهشاب"، وهي مادة شفافة بيضاء تميل إلى البني والبرتقالي، وتتحول إلى قطع صلبة تتكسر كالزجاج، وإذا تم حفظه بطريقة مناسبة يظل الصمغ لعقود من الزمان دون تغير ويعود استخدامه إلى حوالي 6000 سنة فى الماضي.

يصف الكثيرون هذا الصمغ بأنه إكسير الحياة وذلك لكونه يستخدم فى كافة النواحى الغذائية والصحية والجمالية، إذ يعتبر مكمل غذائي فائق الأهمية للجسم كما أنه يستخدم في تحضير الحبوب والحبيبات وكعامل رابط في المضغوطات وفي صناعة مستحضرات التجميل وصناعة الحلويات والمنتجات الغذائية الأخرى، و يستخدم كذلك كمثبت كيميائي وهو عنصر أساسي تقليدي في الطباعة الحجرية وفي طباعة وإنتاج الطلاء، والغراء، ويستخدم في حالات الفشل الكلوي وغسيل الكلى كمحلل اصطصفاء وفي صناعة ملمعات الأحذية ويستعمل كمادة لاصقة في الطوابع البريدية كما أنه يدخل في حوالي 82  صنفاً من الصناعات الغذائية والدوائية، الأسلحة، الطائرات، السيارات، الدهانات، مستحضرات التجميل، وورق البنكنوت.

عرف السودان إنتاج الصمغ العربي قبل 6000 سنة، وكان يساهم في الاقتصاد القومي بنحو 15 في المائة، وتعتبر ولايات كردفان ودارفور من أكثر الولايات إنتاجًا، حيث تساهمان بنسبة 74 في المائة من الإنتاج، تليهما ولايات النيل الأزرق والنيل الأبيض والقضارف.

ويتصدر قائمة الأصماغ السودانية صمغ الهشاب من حيث الأهمية الاقتصادية وحجم القطاع، يليه صمغ الطلح، واللبان، ثم القوار والكاكاموت، ويتركز إنتاج الصمغ العربي في السودان في منطقة تدعى حزام الصمغ العربي الذي يحتل خُمس مساحة السودان، ويغطي 11 ولاية، ويعمل في إنتاجه أكثر من مسة ملايين مواطن. 

وتنمو 80 في المئة من الأشجار في منطقة حزام الصمغ غرب السودان طبيعياً، من دون استخدام أي مواد كيماوية، بينما يُزرع حوالى 20 في المئة، وتفرض الدولة بالقانون على كل المزارعين بحزام الصمغ، زراعة 10 في المئة من مساحة أراضيهم بأشجار الصمغ التي تحسّن التربة وجودة المزروعات الأخرى، فضلاً عن محاربة ظاهرة الزحف الصحراوي.

ويذكر أنه نظرًا لأهمية “الصمغ العربي” كسلعة عالمية، استثنتهالولايات المتحدة من الحصار الذي فرضته على السودان لأكثر من عشرين عامًا لدعاوى تتعلق بإيوائه للإرهاب، كما أنشأت الحكومة السودانية، مجلساً متخصصاً للصمغ العربي يتبع لرئاسة الجمهورية في 2009 للوقوف على أحوال إنتاج وتسويق وتصدير السلعة

مشكلات عانى منها الصمغ العربي قبل الحرب

وقد سبق وأن عانى هذا الكنز الذي تحويه السودان من مشكلات قبل هذه الحرب عطلت إمكانية اعتباره مصدرًا أساسيًا من ثروات البلاد ذو مردود اقتصادي فعال، إذ لم يشكل، سوى 3 في المئة من حجم صادراته، ولم تتعدى نسبة الإنتاج 15 في المئة من إمكانيات البلاد، تُمثل حوالى 90 ألف طن سنوياً، بقيمة 250 مليون دولار.

وبخصوص ذلك سبق وأن ذكر عبد الماجد عبدالقادر، الأمين العام لمجلس الصمغ العربي  الأسبق من قبل في إحدى الحوارات الصحفية و هو أن“السودان لا يستغل سوى 10 بالمائة من الغابات المنتجة للصمغ العربي، لأسباب تعود إلى عمل كبار السن فقط في مجال حصاد الصمغ العربي، أو ما يعرف شعبيا بـ (الطق ) وهجرة الشباب الى المدن" موضحًا أنه يعزو عاملون في حصاد الصمغ العربي، ضعف استغلاله، إلى قصر فترة الحصاد المقدرة بشهرين اثنين، ما يجعله قطاعا غير مستداما للعمالة، كما أن ضعف المعدات المستخدمة في الحصاد، وعدم وجود مصانع تعيد تشكيله وتطور منتجاته، وضعف التمويل الممنوح من المصارف لإنتاج الصمغ العربي، جعل منها قطاعا مهمشًا. 

كما عانى صمغ السودان العربي حسب الأمين العام لشعبة مصدري الصمغ العربي (أهلية) السابق، أحمد الطيب من مشكلة الرسوم الحكومية المفروضة على صادراته التي شكلت عائقاً نحو تصديره للخارج واللجوء إلى تهريبه، مضيقًا أن حدود السودان المتاخمة لدول إفريقية (تشاد، افريقيا الوسطى، إثيوبيا، ارتريا) فضلًا عن الرسوم المفروضة على الصادر، تغري المنتجين بنقله إلى الخارج عبر قنوات غير رسمية.

وحسب إحصائيات حكومية سابقة فإن كمية الصمغ العربي المهرب تصل إلى 45 ألف طن سنوياً، كما رأى المتخصصون أن بين أسباب تدهور إنتاج الصمغ في كثير من الأحيان كذلك أنه سلعة عالمية نادرة، وكذلك تذبذب أسعاره وإهمال مناطقه وحدة الفقر فيها وعدم مساعدة المنتجين في تجهيز المحصول، إضافة الى مشاكل التغير المناخي والجفاف والآفات الزراعية خصوصًا جراد ساري الليل وعدم الاستقرار والنزاعات القبلية،وقد فقد حزام الصمغ العربي الشهير نحو 50 في المائة من مساحته خلال العقود الخمسة الماضية،وسبق وأن ارتفعت كثير من الأصوات التي نادت باستعادة نضارته منها فكرة مشروع زراعة ستة ملايين فدان بشجرتي الهشاب والطلح المنتجتين لثمار الصمغ العربي.

كذلك وعلى الرغم من عمل أكثر من 6 ملايين شخص في منطقة حزام الصمغ ، لكسب العيش وتحسين حياتهم عبر هذا المنتج، لم تتحمل الشركات الدولية المستفيدة، أي مسؤولية اجتماعية تجاههم على الرغم من الحياة المعيشية الصعبة في مناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية، كمياه الشرب الصحية والتعليم والصحة.

أكثر المستوردين

وتستهلك الولايات المتحدة الأميركية 80 في المئة من إنتاج الصمغ في العالم، وعندما فرضت العقوبات على السودان عام 1997، ومنعته من التجارة الدولية استثنت سلعة الصمغ ما دفع السودان إلى رفض التعامل المباشر مع الولايات المتحدة، وأصبح يصدره إلى فرنسا، التي قامت بدورها بتصديره إلى الولايات المتحدة بعد تصنيعه.