أقدم كنوز العالم.. أسرار "الذهب" فى بلغاريا بين التاريخ والاقتصاد

في بلغاريا، يمكن للمرء أن يسافر عبر أراضيها وعبر الزمن أيضاً، لا تمنحك الكثير من البلدان حول العالم هذه الوفرة والتنوع من المعالم التاريخية والطبيعة الجميلة، وارتباط الماضي بالحاضر بشكل مذهل.

صناعة "الذهب" في بلغاريا واحدة من أهم الجسور التي تربط الماضي بالحاضر، في الوقت الذي تتجه فيه عيون العالم إلى الذهب باعتباره غطاء نقدياً وذي أهمية اقتصادية، تمتلك بلغاريا قصتها الخاصة جداً معه، التي بدأت في العصور القديمة في التاريخ ووصلت إلى الاقتصاد.

بحسب مجلس الذهب العالمي، ظلت احتياطيات الذهب في بلغاريا دون تغيير عند 40.84 طنًا في الربع الرابع من عام 2022 وكذلك 40.84 طنًا في الربع الثالث من عام 2022. 

وفقاً لتقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، بلغت احتياطيات الذهب في بلغاريا 2.528 مليار دولار أمريكي في يناير 2023، يسجل هذا زيادة عن الرقم السابق البالغ 2.387 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2022.

قصة في التاريخ 

الذهب في بلغاريا يرتبط بالتاريخ على نحو خاص، فهو جزء من الهوية البلغارية والتراث والآثار، في مارس 2019، صدرت الطبعة الثانية من كتاب "الخزانة البلغارية" باللغتين البلغارية والإنجليزية، والذي يضم 450 صفحة وأكثر من 1000 صورة ملونة تكشف عن آثار طبيعية وتاريخية مثيرة للاهتمام وغير معروفة في بلغاريا، للمؤلفين والصحفيين نيكولاي جينوف وروميانا نيكولوفا.

نشر الكتاب صوراً لمنازل تعود إلى العصر الحجري الحديث بالقرب من ستارا زاغورا، فجر الحضارة الأوروبية، والتي يظهر فيه أقدم الذهب المعالج في العالم. قال المؤلفان: أردنا تضمين مجموعة متنوعة من الكنائس، واللوحات الجدارية، وآثار ما قبل التاريخ، والكنوز الذهبية والفضية من العصر التراقي.

واحد من أقدم كنوز الذهب في أوروبا هو كنز "فولشيترون" البلغاري، هو كذلك أكبر كنز ذهبي عرفه علم الآثار البلغاري- إذ يحتوي 12.5 كجم من الذهب الخالص مع سبائك طبيعية من الفضة والنحاس والحديد يعود تاريخها إلى نهاية العصر البرونزي، القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد.

الكنوز الذهبية التي عثر عليها في بلغاريا هي أول دليل على التسلسل الهرمي الاجتماعي، ولا أحد على وجه التحديد يعرف ماذا حدث لتلك الحضارة، لكن الأثار تحكي قصص، وعند الحديث عن الذهب البلغاري فإن "مقبرة فارنا" تتصدر القائمة.

يقول عالم الآثار فلاديمير سلافتشيف، عن المقبرة إنها كانت مدرسة فتيات سابقة مكونة من ثلاثة طوابق بنيت من الحجر الجيري والطوب في القرن التاسع عشر. تمتد مجموعاته إلى آلاف السنين. فيما يوجد ذهب في كل مكان في المقبرة، بإجمالي 11 رطلاً، يمثل معظم الـ13 رطلاً التي تم التنقيب عنها بين عامي 1972 و1991 من مقبرة واحدة.

وفقًا للتأريخ بالكربون المشع، يبلغ عمر القطع الأثرية من المقبرة 6500 عام، مما يعني أنها تم إنشاؤها بعد بضعة قرون فقط من انتقال أول مزارعين مهاجرين إلى أوروبا. ومع ذلك، وجد علماء الآثار الثروات في عدد قليل من القبور، مما يجعلها أول دليل على التسلسل الهرمي الاجتماعي في السجل التاريخي. وهي نقطة محورية في تاريخ البشرية، عندما كان الناس قد بدأوا للتو في كشف أسرار صناعة المعادن.

مقبرة فارنا هي أقدم مقبرة تم العثور عليها، حتى الآن، حيث دفن البشر بزخارف ذهبية وفيرة، حيث يتجاوز وزن وعدد المكتشفات الذهبية في مقبرة فارنا بعدة أضعاف الوزن المجمع وعدد جميع القطع الأثرية الذهبية الموجودة في جميع المواقع التي تم التنقيب عنها من نفس الألفية، 5000-4000 قبل الميلاد، من جميع أنحاء العالم.

وفقاً لتقارير بلغارية فإن ما حدث لتلك الحضارة في تلك المنطقة غامضًا، رغم أن هناك بعض الأدلة على وجود كارثة ذات أبعاد لا يمكن تفسيرها بإمكانية تغير المناخ، أو استنفاد الأرض، أو الأوبئة.

صناعة التعدين

يشكل الذهب أهمية كبيرة في الاقتصاد، كما أصبح له بورصة عالمية للأسعار تتغير كل يوم، صناعة الذهب والتعدين لها مكانة خاصة في بلغاريا، فهي من أهم الصناعات التي تشتهر بها، ومؤخراً أعلنت شركة التعدين الكندية Dundee Precious Metals عن تقديرات منجم Chelopech في بلغاريا (أحد أكبر مناجم الذهب في غرب بلغاريا)، إنه تم مد فترة عمل خطة التعدين في بلغاريا حتى عام 2031 بعد اكتشافها احتياطات تقدر بـ 1.6 مليون أوقية من الذهب و312 مليون رطل من النحاس في بلغاريا. 

الرواتب في صناعة التعدين هي من بين أعلى المعدلات في بلغاريا. في عام 2022، بلغ إجمالي الأجر الشهري للموظفين 2،370 ليفا بلغاري. هذا هو ما يقرب من 40 ٪ أعلى من المتوسط ​​في بلغاريا ويحتل الصناعة في المرتبة الرابعة بين القطاعات الاقتصادية الأخرى من حيث الأجور. 

بلغاريا هي ثالث أكبر منتج للنحاس ورابع أكبر منتج للذهب في أوروبا، بحسب تقارير صدرت عام 2022، في الوقت الذي تستهدف بلغاريا جذب الاستثمارات في هذا القطاع الرئيسي في الاقتصاد البلغاري، والذي يوفر حوالي خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي هناك 120 ألف شخص يعملون بشكل مباشر وغير مباشر في هذا القطاع.

في الوقت الحالي، يحدد الاتحاد الأوروبي 30 نوعًا من المعادن على أنها بالغة الأهمية، ولكن في الوقت نفسه، توفر الصين 98٪ من إمدادات الاتحاد الأوروبي من العناصر الأرضية النادرة وحوالي 62٪ من جميع المعادن الهامة الثلاثين المحددة. 

على الصعيد العالمي، في عام 2020 ، تمثل أوروبا 5 ٪ فقط من إنتاج التعدين العالمي وهي المنطقة الوحيدة في العالم التي تشهد قطاع تعدين متدهور، مما يفتح الفرصة امام لبلغاريا لتكون لاعبًا رائدًا في تنفيذ أهداف الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية في هذا القطاع، بيد أن تكون صناعة التعدين هي النفط الجديد الذي تعتمد عليه بلغاريا.