رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المطلوب من الحوار الوطني

تستعد مصر خلال أيام لحدث سياسى كبير هو بدء جلسات الحوار الوطنى بعد فترة طويلة من الإعداد والمناقشات وعمل اللجان المختلفة، وبقدر أهمية الحدث ودلالته إلا أننا نجد أنفسنا أمام مجموعة من الحقائق.. ولعل أولى هذه الحقائق هى أن «الحوار الوطنى» فلسفة أكثر منه فعلًا معينًا، وأنه روح مستمرة أكثر منه مجموعة من الإجراءات، وأنه حالة سياسية غير محدودة بأشخاص معينين أو قوائم من المشاركين.. مع الاحترام لكل الذين شاركوا وسيشاركون فى الحوار سواء فى الماضى أو فى الحاضر أو المستقبل.. هذه الحالة أو الفلسفة أو الحوار دعا لها بإخلاص الرئيس السيسى منذ عام وأيام قليلة فى حفل إفطار الأسرة المصرية فى رمضان قبل الماضى.. وكانت الميزة فى الدعوة أنها على أرضية وطنية خالصة.. لم تكن مناورة من مناورات السياسة ولا ألاعيبها ولا تكتيكاتها.. لأن الرئيس يلزم نفسه بإطار أخلاقى للسياسة يتميز به عن غيره.. ويلزم نفسه بمقدار من الصراحة لا يلزم كثير من السياسيين أنفسهم به.. وهكذا مضى الحوار كحالة من الوسطية السياسية أولًا ومن بناء الثقة ثانيًا.. ومن البناء على المكتسبات ثالثًا.. ومن أمثلة «البناء على المكتسبات» أن أحد الذين أفرج عنهم ضمن نشاط لجنة العفو الرئاسى انضم هو نفسه للجان الحوار الوطنى ضمن آخر مجموعة من الشخصيات السياسية أعلن مجلس الأمناء عن انضمامها للحوار الوطنى أمس.. والمعنى أنه هو وكثيرون غيره انتقلوا من الرفض للقبول ومن التفكير فى الهدم إلى التفكير فى البناء المشترك ومن محاولات الهدم إلى خانة الإصلاح من داخل النظام.. وهذا مكسب مشترك للدولة وللقوى السياسية المدنية إذا خلصت النوايا وأظنها يجب أن تكون خالصة لوجه الوطن لا لأى وجه سواه.. وعلى المستوى الشخصى فقد كنت صاحب اجتهاد مبكر يرى الإصلاح من داخل الدولة المصرية بديلًا وحيدًا لا غنى عنه لأى مخلص يعادى الإرهاب ويدرك خطر التطرف على هوية مصر ومستقبلها ووجودها نفسه.. وهكذا نجد أنفسنا بعد عام كامل من المفاوضات والمشاورات والأخذ والرد أمام حالة سياسية ناضجة تغلب فيها المتحاورون على مخاوف «الصقور» من الطرفين وتم التوصل لعدد من المكاسب للمتحاورين، منها مثلًا الإفراجات المتتالية التى تتم استجابة لجهود لجنة العفو الرئاسى، ومنها إقرار الدولة للإشراف القضائى الكامل على الانتخابات الرئاسية القادمة.. ومنها بكل تأكيد القضايا التى تم طرحها على لجان الحوار المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.. ولكن الحقيقة أيضًا أن السياسة نهر جارٍ تتدفق فيه المياه طوال الوقت ولعل هذا هو أساس المثل الذى يقول أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين.. وأظن أن بدء جلسات الحوار فى هذه الأيام بالذات يفرض على الدولة وممثليها فى الحوار أن يتكلموا بأكثر مما يسمعون وأن يصرحوا بأكثر مما يتلقون الطلبات.. وأظن أن محور الحوار يجب أن يكون حول التحديات التى تتهدد وجود مصر جراء اشتعال الصراعات على حدودها الجنوبية والغربية والشرقية وما إذا كان ثمة علاقة بين هذه الصراعات وبين قوى تستهدف استقرار الدولة المصرية.. ليس مطلوبًا بالطبع الحديث فى معلومات تفصيلية.. فهذه لها مجالاتها الاحترافية ومساراتها الأمنية.. لكن المطلوب أن نعرف حجم التحديات التى تواجهنا جميعًا.

وأظن أن جلسة افتتاح الحوار الوطنى هى المكان المناسب للحديث عن هذه التحديات التى نجت منها مصر لأن التحديات التى تواجه مصر تستهدفنا جميعًا، والتصدى لها يجب أن يكون قضية كل مصرى وطنى مخلص.. ولا يعنى هذا أن وضعنا غير مستقر.. إطلاقًا.. نحن بفضل الله آمنون ومستقرون بفضل مصر وجيشها وشعبها ووعى مؤسساتها وتنبهها لما يجرى حولنا منذ سنوات طويلة.. لكن التنبه للخطر لا يعنى اختفاءه، والنجاح فى صد المخاطر لا يعنى انتهاءها ورعاية الله لمصر لا تنفى أنها ستظل مستهدفة.. لذلك مطلوب من الحوار الوطنى أن يضع هذه المخاطر على قمة أولوياته.. وأن نتناقش جميعًا حول كيف يمكن أن نحمى بلدنا وأن نتصدى للمخاطر التى تستهدف هذا الوطن وشعبه، وهو كما نعرف جميعًا يضم المعارض كما يضم المؤيد، ويضم الناس كما يضم الحكومة، ويضم الشعب كما يضم الجيش، ويضم الأحزاب كما يضم مؤسسات الدولة المختلفة، ومن يريد الشر يريد الشر بنا جميعًا.. فماذا نحن فاعلون؟ أظن أن هذا يجب أن يكون محورًا مهمًا من محاور الحوار الوطنى القادم.. حمى الله مصر وجيشها وشعبها.