رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بقى معنا من رمضان

انقضت أيام وليالي شهر رمضان الفضيل، ربح فيه من ربح، وفات من البركات من قصّر. وكما هي العادة نلتقي في أيام الفطر أو نتزاور أو نتراسل وتكون الابتسامة هي شعار اللقاء وزينته.
ولكن تبقى لدينا أمنية ودعاء أن نعود إلى رمضان و يعود إلينا سنوات عديدة وأزمنة مديدة. وأن يأتينا وقد تفضّل الله على وطننا بدوام نعمة الأمن والاستقرار، وأن يزداد ترابطنا كشعب حول القيادة السياسية وأن يعينها الله على النجاة بالبلاد وسط ظروف سياسية إقليمية لا يقدر عليها إلا من رزقه الله الحكمة والبصيرة والتوفيق والرشاد.
   غادرنا رمضان ولكنه ترك معنا أشياء جميلة هي أقرب للروح منها إلى الجسد، وكم نتمنى أن تبقى زادًا لقلوبنا إلى أن نلتقي به من جديد. ترك رمضان فينا حبًا للخير، فجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني تنتظر الشهر الفضيل من العام للعام حتى تعمر خزائنها بقيمة التبرعات المادية والعينية التي يجود بها أهل الخير ابتغاء مرضاة الله، فتكون زادها وبابًا لتمويلها ومصدرًا لنفقاتها على مدار العام. فلماذا لا يبقى معنا من رمضان رغبة دائمة للتبرع للمحتاجين والمرضى والأيتام لا تنقطع بانتهاء يوم العيد؟
ترك رمضان فينا رغبة وتعلقًا بكتاب الله الكريم، وحرصًا على ختم القرآن، وسعيًا لتدبر آياته، وانجذابًا لأصوات هي أقرب لألحان السماء تترنم بآيات الذكر الحكيم فترقق القلوب وتشرح الصدور، وتسعى للتفقه في الدين ومعرفة صحيحه وترك البدع من الشاذ في السلوكيات والمستغرب من الطقوس والمنكر من الشعائر. فلماذا لا نجعل لأنفسنا وردًا من القرآن لا ينقطع مع انقضاء أيام الشهر ولا يرتبط أو يكتفي بالاستماع إليه في المناسبات؟ ولماذا لا نلزم دروس العلم فنتلقى عن الفقهاء الوسطيين الثقات من علماء الأزهر الشريف؟
انتهى رمضان وقد اعتاد الناس فضيلة التردد على المساجد في ليله ونهاره، وتتبّعوا مواعيد الآذان وانتظروها وتهيأوا بالوضوء قبلها وانتظروا الصلاة بعد الصلاة، بل وقضوا ليالي الشهر في قيام لليل وذكر لله كثير. فلم لا نحافظ على هذه الصلة الدائمة التي تربط بيننا وبين السماء فنلبي النداء وقتما رفع المؤذن نداء الحق لنكون ممن أحب لقاء الله فيكتبنا بين من أحب لقاءهم، ولنبقى على صلة دائمة بالمولى سبحانه فنتقرب إليه بالنوافل حتى يحبنا؟
مضى رمضان وقد ترك فينًا تسامحًا يكفي الأرض كلها ويسع الخلق أجمعين. فكم تعرضت لاستفزازات من شرار الخلق خلال أيام الصيام ولكنك كنت تعفو وتصفح إجلالا لتلك الأيام المباركة، وكنت تتسامح انتظارًا لأجر الصابرين من رب العالمين. فماذا لو جعلت هذا الثبات على التسامح خصلة دائمة فيك وطبعًا أصيلًا معروفًا عنك، فلا تنفعل أمام ابتزاز ولا تتأثر بأي من أساليب الاستفزاز؟ 
انقضى رمضان وقد كنا نقاوم خلال أيامه شهواتنا فنكبتها فلا نستجيب لنداء بطن ولا لشهوة فرج ولا لرغبة في إمعان نظر لمحرم، وكنت وكنا كلما غلبت علينا طبيعتنا البشرية نتذكر أننا إلى النورانية أقرب فنتلهى عن الجوع ونغض البصر ونحفظ الفرج رجاء أن يمن الله علينا بلذة النظر إلى وجهه الكريم يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. فماذا لو داومت على هذه الفضائل- إلا ما شرعه الله- حسبة لله تعالى وأملًا في جنته واتقاء عذابه؟
مر رمضان وقد كانت فيه قلوبنا غير وأرواحنا غير. كنت خلال الشهر المعظم أقرب إلى نورانية الملائكة، ذا قلب رقيق وضمير متيقظ وذكر لله كثير. فهلا داومت على هذا أم ستستلم وتقول ما يقوله أهل النار: "قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ" المؤمنون الآية (106)؟  
  وفي الختام ندعو الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يديم علينا نعمه ظاهرة وباطنة وأن يسلمنا لرمضان وأن يسلم رمضان لنا ويتسلمه منا متقبلًا... وعيدكم مبارك.