رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"استقالة ملك الموت".. رواية  تكشف طقوس الاحتفال بالعيد لدى المصريين

 الكاتبة الروائية
الكاتبة الروائية صفاء  النجار

هناك أعمال إبداعية عالمية احتفت بالطعام وجعلت منه جزءا أصيلا في العمل منها "طعام.. صلاة.. وحب" للكاتبة إليزابيث جيلبرت، وبالطبع لا يمكن لنا أن نفوت أجمل ما وصلنا من تراثنا الكوني "ألف ليلة وليلة" بكل ما فيها من احتفاء بالطعام، نعمة وقربى وصلاة كما تراها  الكاتبة الروائية صفاء  النجار. 

في روايتها الأولى "استقالة ملك الموت" تكشف الكاتبة الروائية والإعلامية الدكتورة صفاء النجار أنواعًا جديدة من الطعام لا يعرفها الفقراء في البلدة تعبيرا عن الصعود الاجتماعي والاقتصادي للشخصية الرئيسية في الرواية، فالشابة التي  نشأت لأب يعمل "تربي" في المدافن لم يكن لديهم القدرة على خبز كحك العيد، ولم يكن لهم كحكهم الخاص الذي يحمل رائحة أو نفس أمها بل خليط مما يبعثه أهل القرية إليهم، وبعد زواجها من "البيه" صار تجهيز الكحك طقسا تحرص عليه وتمارسه كشعيرة تفدي بها عقدها القديمة.

وبمرور الوقت وبعدما ترسخت مكانتها في السرايا الكبيرة تحول تحضير الطعام إلى طقس محبة وتقارب وهي تجهز الأطعمة المختلفة التي أحبها ابنها الراحل وتحرص على إطعام هذه الأطعمة للفقراء مودة وصدقة على روحه. 

وعندما تعبر "حسنة الفقي" عن تغير الأحوال والمجتمع في أواخر أيامها نجدها تقول "طعم السمك تغير".

مقاطع من رواية "استقالة ملك الموت"

 بأي عمر نفتدي عقدنا الصغيرة؟

كعك العيد من ضمن أشياء كثيرة لم تكن ببيتنا، كل عائلة ترسل طبقا أو اثنين فتتجمع لدينا أشكال وأنواع عديدة، فهل يمكن للبنت التي كانت أهم سماتها أنها متفهمة، أن تطلب من أمها كعكا له نكهتهم ودقيقهم وسمنهم ونقوشهم ورائحة أمها؟ لم يكن لها أن تتذمر، وهي تعرف أن تكاليفه يمكن أن توفر لأبيها ثمن "كيلة" قمح أو أكثر. 

وجاء اليوم الذي أصبح لها كعكها، أول عيد يمر بعد زواجها، اشترت كل أنواع النقوش، ولسنوات طويلة تتفنن في عمله وتحشيه بالملبن والعجمية، كانت أول من قرأت عن "المعمول"، وقدمته لضيفاتها والمهنئات بالعيد، وكل واحدة تسألها عن الوصفة.

تجتمع حولها الشغالات، تتأكد من نظافة ملابسهن، وربطة الرأس البيضاء التي تلم الشعر، تبس العجين بيدها، تشرف على النقوش، ومع السنين تشكل حصانين وأقواسا وأهلة لمنير وعاطف، وعروسة ونجوما لراوية وحبيبة، وحينما يخرج أول صاج من الفرن، متوهجا ومتفتحا، ورائحة السمن البلدي تغلف المكان، وتخبر عن جودته تطلب من "أم علي" تذوقه، تراقب وجهها: 

–  بيدوب في البق ياست حسنة تسلم إيدك. 

تجهز طبق الكعك، ترشه بالسكر البودرة، ترفعه إلى فؤاد بينما يرتدي ملابسه استعدادا لقضاء السهرة الرمضانية، تمسك واحدة وتقربها من فمه، فيقبل يدها ويقول: “تسلم يدك”، تلاحقه بكعكة ثانية: “علشان خاطري”، فيقضم نصفها، وبعد أن ينزل، ويغلق الباب تعطي الطبق لإحدى البنات دون أن تتذوقه.