رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السادة المخرجون

دون شك فإن المسلسلات التى حققت نجاحًا كبيرًا هذا العام والأعوام الماضية كان وراءها مخرجون كبار.. دور المخرج فى العمل الفنى من بديهيات الأمور بكل تأكيد لكنه ليس من بديهيات نظم الإنتاج التى تختلف من مرحلة لمرحلة بحسب مقتضيات السوق واقتصاديات البيع والتسويق.. وقد بدأت صناعة الدراما فى مصر معتمدة على التأليف والإخراج بالدرجة الأولى.. وكانت متأثرة فى البدايات بفن المسرح أكثر من تأثرها بأى فن آخر.. وكان من بين تأثيرات المسرح على الدراما أن النص هو أساس العمل فالمؤلف المسرحى يكتب أولًا.. ثم يعهد بالنص لمخرج يثق به.. ثم تأتى مرحلة اختيار الممثلين تالية لذلك.. وقد استمر هذا النظام طوال سنوات الستينيات وتأكد مع السبعينيات والثمانينيات.. حيث برزت ظاهرة المؤلف النجم مع كتاب مثل أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وصالح مرسى ومحفوظ عبدالرحمن ويسرى الجندى وربما محمد جلال عبدالقوى.. وكان المؤلف يشكل ثنائيًا مع مخرج يتفاهم معه ومن خلال هذا التفاهم تتم صياغة ملامح العمل بالكامل.. وهكذا شكل أسامة أنور عكاشة ثنائيًا فى بداياته مع المخرج الراحل فخر الدين صلاح الذى استشهد فى حادث اختطاف طائرة مصرية فى قبرص.. فكرر أسامة فكرة الثنائى مع صديقه وبلدياته إسماعيل عبدالحافظ ليقدما معًا رائعتين متتاليتين هما الشهد والدموع وليالى الحلمية.. إلى جانب محور آخر عمل فيه أسامة مع المخرج الكبير محمد فاضل.. ثم مع المخرج جمال عبدالحميد.. ولا شك أن مرحلة تألق الدراما ارتبطت بنجومية المؤلف والمخرج وتسيدهما العمل الفنى. مهما كانت قيمة الفنان المرشح لبطولة العمل.. وليس سرًا أن أسامة أنور عكاشة رفض إجراء تعديلات على مسلسل أرابيسك طلبها النجم الكبير عادل إمام.. الذى كان المرشح الأول لبطولة العمل.. لكن أسامة رفض إجراء التعديلات قائلًا إنه مؤلف وليس ترزيًا.. وإن العمل وحدة متكاملة وخطوط درامية متميزة لا يجوز الإخلال بأى منها.. وقد تكرر هذا مع الكاتب الكبير صالح مرسى الذى رفض إجراء تعديلات على تتابع الأحداث فى رائعته رأفت الهجان كما طلب النجم الكبير عادل إمام المرشح الأول لبطولة العمل.. ولا يعنى هذا أن اقتراحات عادل إمام غير هامة أو غير مفيدة.. ولكنه يعنى أن العمل كان مسئولية مؤلفه ومخرجه.. وأن جهات الإنتاج كانت تدعم هذا مهما كان حجم شهرة النجم المرشح لبطولة العمل.. ولا شك أن هذا النظام قد تغير مع تراجع دور قطاع الإنتاج فى نهاية التسعينيات.. وانتقال التليفزيون المصرى للعمل بنظام المنتج المنفذ.. وتصاعد دور الوكالات الإعلامية والقنوات الفضائية الخاصة.. إذ أصبح التركيز على الربح لا على المضمون.. وعلى البيع فى الأسواق الخارجية باسم البطل أو النجم.. الذى أصبح هو رب العمل ومديره.. وهو الذى يتولى ترشيح المؤلف والمخرج والممثلين المشاركين.. ولا شك أن بعض النجوم الكبار كانوا أكفاء جدًا لهذا الدور بحكم سنوات خبرة طويلة.. ولكن لا شك أيضًا أن بعض النجوم لم يكن مؤهلًا لهذا الدور.. فتراجع مستوى التأليف والإخراج لحساب كاريزما النجم.. وقدرته على تسويق المسلسل مهما كان مستواه متراجعًا.. ولا شك أن هذا النظام قد دخل فى طور التغير التدريجى مع ظهور الشركة المتحدة.. كجهة إنتاج عملاقة.. توفر للشركات المتعاونة معها الإمكانات المطلوبة لظهور دراما تليق بصورة مصر وتخدم قضايا الوعى ومحاربة التخلف والإرهاب من خلال دراما ممتعة.. ويمكن القول إن العمل لم يعد يباع بأسماء نجومه فقط كما كان الحال فى بداية الألفية.. فقد تزامن ظهور الشركة المتحدة كجهة إنتاج راسخة مع طفرة تكنولوجية كبيرة فى فنون التصوير والديكور والإخراج عمومًا نتيجة لثورة الديجيتال.. فأصبحت الصورة بطلًا والملابس بطلًا والديكور بطلًا والإخراج بشكل عام بطلًا إلى جانب النجم بطل العمل.. وانفتح جمهور المشاهدين على المنصات العالمية فأصبح أكثر حساسية لإجادة الممثلين فن التمثيل وتقنياته.. على عكس الوضع فى الماضى.. حيث كان مجرد ظهور النجم كافيًا لإسعاد الجماهير بغض النظر عن تقنياته فى التمثيل ومدى إجادته له.. وهو ما تغير حاليًا.. إذ أصبح الجمهور ناقدًا متربصًا للنجوم الذين تفلت منهم خطوط الشخصية.. وأظن أن الشركة المتحدة التى تهدف للارتقاء بفن الدراما وإعادته لسالف مجده.. عليها أن توجه الشركات المنتجة لإعادة الاعتبار لدور كبار المخرجين فى صناعة الدراما.. وهو ما يحدث بالفعل ونرى نتائجه فى أعمال كبيرة مثل «تحت الوصاية» و«جعفر العمدة».. ورأيناه منذ عامين فى مسلسل مثل بـ«١٠٠وش».. الذى أحدث حالة جماهيرية وقت عرضه شبيهة بحالات النجاح التى رأيناها فى دراما هذا العام.. ودون الدخول فى تفاصيل فنية خاصة بالعملية الإنتاجية فإننى أظن أن لدينا مجموعة من المخرجين الذين أضافوا لفن الدراما المصرية منذ عام ٢٠١٠ تقريبًا.. مستغلين ثورة الديجيتال فى التصوير.. التى نقلت إمكانات التصوير السينمائى للتصوير التليفزيونى.. فرأينا أعمالًا مثل «الجماعة وموجة حارة وذات وسجن النساء وتحت السيطرة وبدون ذكر أسماء وبـ١٠٠وش وجراند أوتيل والبرنس وجعفر العمدة وتحت الوصاية».. وأسماء مخرجى هذه الأعمال أشهر من نار على علم بكل تأكيد.. وهم يعملون بالفعل وتظهر لكل منهم أعمال فى توقيتات متفاوتة.. والفكرة التى أطرحها أن يعمل هؤلاء المخرجون الكبار بكامل طاقاتهم.. وأن تتيح لهم شركات الإنتاج الإمكانات اللازمة لكى يظهر لكل منهم عمل أو أكثر كل عام.. فالقاعدة الذهبية هى أن مخرجًا جيدًا يساوى مسلسلًا جيدًا.. وأظنها قاعدة مربحة فنيًا وماديًا لو أحسن تطبيقها كما رأينا هذا العام فى مسلسلات أمتعت الجمهور وأضافت له.. مطلوب التوسع فى تطبيق هذه القاعدة بجرأة وستكون النتيجة رائعة بإذن الله.