رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد جلال يكتب: منى زكى لا تلتفت

محمد جلال
محمد جلال

«تحت الوصاية».. كيف تصنع مسلسلًا واقعيًا لدرجة خيالية؟

أسرار منى زكى التى جعلتها ترث سيدة الشاشة العربية: تجاهلت الانتقادات وركزت على أهدافها 

المؤلفان خالد وشيرين دياب عاشا داخل مجتمع الصيادين وتشرّبا كل تفاصيله لينتجا لنا تحفة فنية نادرة

حملة هجوم شرسة تعرضت لها الفنانة بسبب «بوستر» باعتبارها عدوة الإسلام ومحرضة على الانحلال الأخلاقى

ماذا فعلت منى زكى ورفاقها فى مسلسل «تحت الوصاية» حتى تتربع على عرش دراما رمضان؛ على الرغم من الدخول متأخرًا فى النصف الثانى منه؟

سؤال يكمن فى إجابته سر تلك الفنانة 

والإجابة أن منى لم تفعل شيئًا غير «شغلها»

قامت بفعل التمثيل.. وعندما دارت الكاميرات عاشت الدور بالمعنى الحرفى للكلمة.

ببساطة أكثر وإجابة أكثر تكثيفًا

منى لم تلتفت

تعالوا نراجع ماذا حدث

فى اليوم الذى ظهر فيه البوستر الترويجى الأول لمسلسل تحت الوصاية بصورة منى زكى وهى بالحجاب والحواجب الثقيلة.. انفتح كالعادة بركان من الهجوم على منى وصانعى المسلسل على اعتبار أن الجواب بيبان من عنوانه.

وبالتأكيد هذا المسلسل حلقة جديدة من مسلسل كونى ضد الإسلام لتشويه صورة الحجاب والمتدينات ورأس الحربة، كالعادة هى منى زكى عدوة الإسلام وتاريخها يشهد.. وآخرها فيلمها الأخير «أصحاب ولا أعز» وهو الفيلم الذى تسببت به منى زكى وحدها فى خروج ملايين البشر من الإسلام ومئات المظاهرات المؤيدة للشذوذ والانحلال الأخلاقى فى مصر والوطن العربى.

الغريب أن أحدًا من رعاة حملة التقطيع التى انفتحت على منى زكى لم يراجع نفسه، ويقول: نشوف المسلسل الأول لأن الأمر لم يتعد حينها بوسترًا لسيدة مصرية ترتدى الحجاب، ويظهر على ملامحها الشقى والقهر وتتلبسها الهموم، وبالتأكيد أحداث المسلسل سوف تفسر كل ذلك عند عرضه.

أما الأغرب والأكثر إدهاشًا فهو موقف منى نفسها من تلك الحملة المريضة، التى تخطت المسلسل إلى شخصها هى.

ماذا فعلت منى؟

الإجابة قلتها قبل فقرتين. 

منى لم تلتفت. 

وهذا هو سر منى زكى الذى يجعلها- فى رأيى- أهم ممثلة لهذا الجيل.. تقوم مقام فاتن حمامة سيدة الشاشة العربية فى جيلها.

لن تجد تعليقًا أو ردًا لمنى على أى هجوم.. وكأنها تعيش فى بالونة منفصلة عن العالم، فهى لم ترد سابقًا على أعمال عُرضت ونُصبت حفلات التقطيع عليها.. فلماذا ترد الآن والمسلسل لم يكن عُرض من الأساس.

إذن الرد الأنسب هو ترك العمل الفنى يرد عن نفسه.. وقد كان.

وهذا هو رهانها الدائم الذى تكسبه على الدوام.. لن تجد لمنى تصريحًا عنيفًا فى برنامج أو تلطيشًا فى أحد الزملاء مثلما يقع الكثيرون تحت وطأة برامج الترندات، التى ابتلينا بها وتتغذى على استفزاز النجوم وإخراج أسوأ ما فيهم.

منى تعمل وفقط وهنا تكمن عظمتها.

لا ننكر أن جيلها يضج بالمواهب النسائية اللائى يمتلكن مواصفات النجمات، لكن منى لها مذاق مختلف بين بنات جيلها.

منى زكى تستطيع أن تقول وأنت مغمض العينين مرتاح الضمير إنها فنانة من طينة أخرى، وإذا أردت الدليل فلن تعدم أدلة منذ ظهورها الأول كوجه جديد فى مسرحية محمد صبحى «بالعربى الفصيح» بداية التسعينيات، ومرورًا بتاريخ حافل من الإبداع الفنى.. لكن دعونا نتحدث عن الدليل الذى بين أيدينا، تحفتها الفنية الجديدة «تحت الوصاية».

المسلسل فى مجمله دليل عملى على أن المقدمات الجيدة دائمًا ما تؤدى نتائج تشبهها.. بمعنى أن هذا المسلسل تم التجهيز لكل تفصيلة فيه بكل دقة بداية من الورق الموزون بالشعرة الذى أبدعه آل دياب «خالد وشيرين».. قصة إنسانية مفرطة فى واقعيتها بشكل لا يصدق.

للوهلة الأولى لا بد أن تتأكد أن شيرين وخالد دياب عاشا فعلًا داخل مجتمع الصيادين وتشرّبا كل تفاصيله الإنسانية، وإلا ما كان الواقع متجسدًا أمامنا بهذا الشكل.

كل موقف، كل جملة حوارية، كل طلة لممثل داخل العمل، كبيرًا أو صغيرًا، كل شىء داخل إطار المصدق والمعقول والعادى، ليس هناك شىء خارج عن مألوف الحياة. 

وصدق أو لا تصدق هذه هى الدراما. 

ليس مطلوبًا منها إلا أن تكون معبرة عن متلقيها.

ولنا فى أسامة أنور عكاشة أسوة حسنة.. الرجل الذى عاش داخل أغوار المجتمع المصرى ليخرج كل ما فيه بمساعدة رفيقه إسماعيل عبدالحافظ.. دون أى افتعال ولا محاولة إبهار بديكورات خيالية غير منطقية ولا «شلقباظات» بالكاميرات؛ حتى نبين أننا «جامدين آخر حاجة».

«تحت الوصاية» ينتمى لتلك النوعية من الأعمال العظيمة فى واقعيتها.. مجتمع مصرى يضج بالمشاعر الإنسانية، فيه المرأة الأرملة التى مات عنها زوجها وسندها بطفلين دون مقدمات؛ لتجد نفسها فى مواجهة المجتمع بكل جنونه وتقلباته وعليها أن تواجه كل ذلك.

تارة تستقوى على الدنيا وتهرب بمركب زوجها الراحل بعيدًا عن الطامعين، وتارة تضعف وتبكى كالأطفال عندما تشعر بأنها لا تستحق كل تلك المعاناة.. وبين الشعورين من منتهى القوة لمنتهى الضعف تسحبنا منى زكى بمرونة فائقة.. تتقلب بين المشاعر تقلب راقصة الباليه المحترفة ونحن معها بأنفاسنا اللاهثة.. نبكى معها ونرقص معها بعيون دامعة هى وأولادها وأختها على المركب بعد أن طردوا من الشقة، ولم يعد لهم ملجأ سوى المركب.

وبالرغم من روعة منى زكى فمن الظلم أن ننسب عظمة «تحت الوصاية» إلى بطلته فقط، ومن الإجحاف ألا نتذكر بقية أبطاله وعلى رأسهم دياب، هذا الفنان الشامل الذى يمتلك فى جعبته أكثر من سبع صنايع بكثير.

دياب فنان ينتمى بروحه وإمكاناته لجيل من الفنانين متعددى المواهب.. ارميه فى أى مكان وأى دور سوف تجد ما يسرك والأهم أنه لا يتكلف فى الأداء، هو السهل الممتنع الذى يجبرك على أن تبقى مشدوهًا له ويخطف الكاميرا دون أن يبذل أى مجهود.

دور صالح الذى يؤديه دياب هو دور مركب على أصعب ما يكون، وفى تصورى أنه يحتاج لفنان ثقيل يجبرك أن تكرهه فى مشهد مع حنان، ثم تتعاطف معه فى مشهد تالٍ مع خطيبته التى يعجز عن إتمام زواجه بها، ثم تبكى معه وهو أمام أبيه على فراش الموت بعد أن تغالبه دموعه.

أما عن باقى أدوار «تحت الوصاية»، فالكلام لا بد أن يطول ليعطى كل أبطال تحت الوصاية حقهم من أول عم ربيع الذى يؤديه وحش التشخيص المظلوم رشدى الشامى حتى الطفلة الرضيعة، التى تظن من فرط واقعية المسلسل أنها ممثلة محترفة، ومرورًا بالبحرية وهم طاقم المركب الذين يلازمون حنان فى رحلتها مع الأمواج، والحاج سيد تاجر الجملة الجشع الذى يحارب حنان.. والأستاذ زكريا المدرس الذى يساعد حنان وأولادها.. كلها شخصيات تنضح بالواقعية تتشابك معًا فى بناء بديع من هندسة مخرج موزون راق هو محمد شاكر خضير يعرف كيف يتخلل بكاميرته داخل أغوار المشاعر الإنسانية ليلتقط أصدقها.

وفى النهاية نحن أمام عمل من النوع الفاخر الذى تستطيع بكل ثقة أن تشاهده بعد سنوات بنفس الشغف والحب مثلما نفعل الآن مع ليالى الحلمية والشهد والدموع وأرابيسك. 

شكرًا منى زكى لأنك لم تلتفتى.. هيا أكملى بناء أسطورتك.