رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضد التزييف.. خبراء وأثريون: كليوباترا بيضاء من أصول يونانية و«الأفروسنتريك» تُحرف التاريخ لأغراض مشبوهة

كليوباترا
كليوباترا

 

جدل كبير أثاره إعلان إحدى المنصات الرقمية العالمية عن عرض وثائقى جديد عن شخصية الملكة كليوباترا، التى حكمت مصر منذ وفاة الإسكندر الأكبر فى عام ٣٢٣ قبل الميلاد، وحتى دخول الرومان عام ٣٠ قبل الميلاد.

المثير للريبة فى هذا العرض أن الفيلم الدرامى الوثائقى يقدم كليوباترا على أنها إفريقية صاحبة بشرة سمراء، فيما يبدو محاولة لتعزيز توجه الـ«Afrocentric» أو المركزية الإفريقية، حيث يؤمن أصحاب هذا التوجه بأن المجتمع العلمى الغربى وتحت تأثير انحيازه لأصحاب البشرة البيضاء تعمد إغفال أو طمس الإسهامات الإفريقية فى مختلف الحضارات.

وانتقد الكثيرون تقديم الملكة الشهيرة ببشرة داكنة وهى من أصول مقدونية، فى اتساق مع أفكار حركة «الأفروسنتريزم»، وسط اتهامات للشبكة البشرية بالعبث بتاريخ مصر القديم وتغيير الوقائع المؤكدة تاريخيًا.

وللرد على هذا الادعاء قال الدكتور زاهى حواس، العالم الشهير وزير الآثار الأسبق، إن الملكة كليوباترا كانت يونانية ولم تكن سمراء البشرة إطلاقًا، ومن المعروف أن والدها كان أبيض البشرة.

وأضاف، لـ«الدستور»، أن الفيلم محاولة من أصحاب البشرة السمراء، خاصة من المقيمين فى الولايات المتحدة، لإثبات أنهم أصل الحضارة فى العالم، لكن الحقيقة هى أن الحضارة التى صنعها أصحاب البشرة السوداء ليس لها صلة بالحضارة المصرية، ولم يحكموا مصر سوى فى الأسرة الخامسة والعشرين خلال حقبة مملكة كوش، أى فى أواخر حقبة الأسرات.

وأوضح أنه لا يمكن التثبت من مدى جمال كليوبترا الحقيقى، خاصة أن بعض المحللين أشاروا إلى أنها كانت قبيحة الشكل، لأن لديها أنفًا كبيرًا كما كان مرسومًا على عملات نادرة تعود للزمن الذى حكمت فيه مصر.

وتابع: «بإمكاننا أن نشكك فى هذه الفرضية، لأنه كيف لامرأة كان يتنافس على الظفر بقلبها أقوى رجلين فى العالم وقتها- يوليوس قيصر ومارك أنتونى- أن تكون قبيحة، ولماذا يتصارعان على امرأة متواضعة الجمال، فى حين أنهما يملكان الوصول لأجمل الفتيات فى أى أرض روما؟».

وأشار «حواس» إلى أن كليوباترا لم تحب يوليوس قيصر أو مارك أنتونى، لكن كانت تتمتع بشخصية قوية، وكانت تريد غزو العالم باسم مصر، لذلك حاولت استغلال أقوى اثنين فى العالم لإنشاء إمبراطورية كبيرة باسمها.

وقال خبير الآثار الدكتور عبدالرحيم ريحان، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إن الفيلم المنتظر عرضه يُعد إهانة للحضارة المصرية، ويدعم ادعاءات «الأفروسنتريك» التى تحاول تجريد حضارتنا من أصولها المصرية القديمة ونسبها إلى إفريقيا.

وأضاف أنه لا يوجد أى دليل علمى يثبت أن بشرة كليوباترا سوداء، وكل التماثيل الموجودة سواء داخل المتاحف المصرية أو خارجها تظهرها ببشرة بيضاء كبشرة غالبية المصريين، كما أنها ملكة من أصول يونانية، لذا فمن الممكن أن تكون شقراء، ولكنها فى كل الأحوال بعيدة كل البعد أن تكون بشرتها سوداء.

وناشد «ريحان» وزارتى الخارجية والسياحة والآثار والهيئة العامة للاستعلامات بالاحتجاج رسميًا، والمطالبة بتعديل صورة بطلة العمل وإظهار كليوباترا بشخصيتها وشكلها المتعارف عليه، وحظر عرض الفيلم باعتباره محاولة لتشويه الحضارة المصرية.

بدوره قال الدكتور مجدى شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إن الملكة كليوباترا تنتمى لمقدونيا الإغريقية، بلد مؤسس مصر الحديثة، محمد على، والإسكندر الأكبر، وبطليموس الثالث عشر، فكيف أن يكون كل هؤلاء من أصول إفريقية، مؤكدًا أن الحقائق التاريخية والجينية المتعلقة بالملكة كليوباترا تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنها لم تكن صاحبة بشرة سوداء.

وأضاف، لـ«الدستور»: «صحيح أننا لم نجد مومياء كليوباترا حتى وقتنا الحاضر، لكن لدينا تاريخ نشأتها وأصولها وبعض التماثيل والعملات والنقوش الموجودة على المعابد، التى تظهرها ملكة بارعة الجمال ببشرة بيضاء».

وندد «شاكر» بتوجه ما يعرف بـ«الأفروسنتريك»، حيث يصر المنتمون إليه على تزييف التاريخ وإثبات أن المصريين الأوائل كانوا من أصحاب البشرة السوداء.

وتابع: «صحيح أن أصول الملكة كليوباترا لم تكن مصرية، لكنها حكمت مصر وأحبتها وهو ما يدفعنا للدفاع عنها، وهو ما بدأت اليونان فعله لأنها رمز تاريخى مهم».

وشدد على أهمية أن تتصدى مصر لمثل تلك المحاولات الخبيثة لتشويه تاريخها وسرقته بكل ما لدينا من قوة.