رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسة تجيب على السؤال.. كم تكلفت مصر بسبب «الإرهاب»؟

الدكتور خالد عكاشة
الدكتور خالد عكاشة

٢٠٧ مليارات جنيه خسائر السياحة فقط فى عقدين

ترسيخ الانقسام وتهميش الآخر كلفة اجتماعية ناتجة عن أفكار متشددة ترفض المواطنة

دفعت مصر ثمنًا باهظًا جراء انتشار ظاهرة الإرهاب فى العقود الثلاثة الماضية، لم يكن ذلك الثمن اقتصاديًا فحسب ولكن كان لانتشار تلك الظاهرة آثار عديدة ما زالت الدولة المصرية تعانى منها حتى الآن وتحاول جاهدة التغلب عليها. من هذا المنطلق وعلى مدار ثمانية عشر شهرًا من التعاون بين وزارة التضامن الاجتماعى والمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية تم إجراء هذا البحث الذى يتناول ظاهرة الإرهاب والتكلفة الناتجة عنه، معتمدًا المنهج العلمى والبحث الاجتماعى لتحليل تلك الظاهرة بما يسهم فى مواجهة الإرهاب مواجهة شاملة.

تأتى أهمية هذا البحث من أنه جهد مصرى خالص يقدم رؤية بديلة لتلك الظاهرة بدلًا من الاعتماد على الدراسات الغربية فقط، لا شك أن تلك الدراسات كانت جادة ومهمة ولكن السردية الغربية لظاهرة الإرهاب تفترض أن الإرهاب يحدث فقط كنتيجة لأوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية تعانى منها بلادنا، وأن معالجة تلك الظاهرة لا تحتاج سوى إرادة سياسية للتغيير والإصلاح فإن توفرت تلك الإرادة فالقضاء على الإرهاب يصبح ممكنًا، بالطبع لا يمكن الاختلاف حول تلك الأسباب وضرورة تحليلها وعلاجها ولكن تلك السردية تغفل شرطًا أساسيًا للإرهاب وهو وجود قيم وثقافة وأفكار تبرر الإرهاب وتعطيه الشرعية، تلك الأفكار لا تشجع الإرهاب فقط بل إنها أيضًا تعوق أى مسيرة للإصلاح.

ولذلك فالبحث يحاول تجاوز السردية الغربية لما هو أشمل من ذلك، فإذا كان تحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية لانتشار الإرهاب ضروريًا فى علاجه فإن تحليل وتصحيح الكثير من المفاهيم والأفكار التى تعطيه الشرعية لا يقل أهمية عن ذلك. 

يرصد البحث ملامح تطور الإرهاب فى مصر على مدار ثلاثة عقود، بداية من التسعينيات من القرن الماضى والذى شهد أعمالًا إرهابية تصدرتها الجماعة الإسلامية وقتها، وشملت تلك العمليات استهداف السياح والمسئولين واستهداف الأقباط خاصة فى الصعيد، ثم تراجع العمليات الإرهابية فى السنوات الأولى من القرن العشرين لتعود للظهور بقوة بعد سقوط الإخوان فى ٢٠١٣ لتسجل مصر فى ذلك الوقت أعلى معدلات العمليات الإرهابية التى وصلت ذروتها فى ٢٠١٥ وتركز معظمها فى شمال سيناء مما وضع مصر فى قائمة الدول الأكثر تعرضًا للإرهاب.

يحلل البحث عدة عوامل تساعد فى انتشار الإرهاب بين قوى الدفع كانتشار الفقر والتهميش الاجتماعى وارتفاع نسبة البطالة خاصة بين الشباب أصحاب التعليم العالى، فتلك عوامل تدفع أصحابها إلى طريق الإرهاب ولكنها لا تتمكن من ذلك سوى بوجود قوى الجذب التى يحاول البحث تحليلها أيضًا وتتمثل فى انتشار الأفكار والقيم التى تعطى شرعية للإرهاب وجمود الخطاب الدينى على مدار سنوات وعدم استحسان التجديد فى بعض من الأحيان.

كما يرصد البحث التكلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التى تكبدتها مصر فى السنوات الأخيرة، ويوضح البحث بالأرقام الدقيقة حجم الخسائر التى حدثت فى عدة قطاعات «خسائر قطاع السياحة على سبيل المثال وصلت إلى ٢٠٧٫٥ مليار دولار خلال العقدين الأخيرين»، كما يحلل البحث من خلال دراسة ميدانية لعدد من قرى الصعيد فى محافظات المنيا وقنا حجم التكلفة الاجتماعية التى تحملتها مصر بسبب ترسيخ مفاهيم تدعو للانقسام وتهميش الآخر والتعامل مع الأقباط من خلال أفكار متشددة ترفض المواطنة وتهدد نسيج المجتمع ككل. 

ولأن الإرهاب بات ظاهرة دولية فقد اهتمت الدراسة بالتطرق لتجارب الدول الأخرى مع الإرهاب وحجم التكلفة التى تحملتها تلك الدول خاصة دول العالم الإسلامى، وقد ركز البحث على نيجيريا وباكستان كنماذج لذلك، فقد تعرضت الدولتان لخطر الإرهاب ودفعتا تكلفة غالية فى محاولات القضاء عليه، رغم اختلاف الظروف التى تحيط بكل تجربة ولكن دراسة تلك التجارب ومعرفة حجم ما تعرض له كل من نيجيريا وباكستان تؤكد مدى خطورة الإرهاب والتكلفة الناتجة عن انتشاره كما أنها تمثل استفادة حقيقية بالنسبة لمصر فى حربها على الإرهاب فالدراسة توضح كيف تعاملت كل دولة مع الإرهاب وكيف واجهت تلك التنظيمات. 

يقدم البحث فى النهاية مجموعة من التوصيات المتعلقة بالإصلاح الدينى والثقافى وتطوير السياسات الاقتصادية وتكثيف الاستثمار فى رأس المال البشرى وغيرها من التوصيات الهامة والجادة التى تحتاج إلى الكثير من النظر والتدقيق.

لا شك أن ذلك الكتاب يمثل بحثًا فى غاية الأهمية، يرصد ويحلل تلك الظاهرة الخطيرة وتكاليفها الباهظة ويطرح الحلول لمواجهتها وذلك قيمة البحث العلمى الموضوعى الذى إن توفرت له الظروف والعوامل يكون حقًا إضافة هامة تساعد فى التغلب على المشكلات، ولذلك فإن تعاون الحكومة مع مراكز الأبحاث ودعمها بالأرقام والبيانات والمعلومات يكون له أكبر الفائدة والأثر فى إنجاز تلك الأبحاث والاستفادة منها، كما أن نشر تلك الأبحاث يتيح للقارئ والمواطن المتابع للشأن العام فرصة الاطلاع والمعرفة، ففى ظل وجود كم هائل من المعلومات غير الدقيقة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى تكون لهذه الأبحاث أهمية كبرى.