رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لعبة الأمم

«لعبة الأمم» هو عنوان لكتاب بالغ الخطورة ألّفه مايلز كوبلاند وصدر عام ١٩٦٣، ونفدت طبعته الأولى فى ثلاثة أيام فقط، ويظهر كيف أن الولايات المتحدة تعاملت مع كثير من الدول فى مرحلة ما بعد التحرر الوطنى كقطع من الشطرنج يتم تحريكها على رقعة محدودة تشمل العالم شرقًا وغربًا فى سعيها للسيطرة على النظام الدولى ما بعد الحرب العالمية الثانية.

دكان الكتاب يحوى كثيرًا من الأسرار لا ترقى بطبيعة الحال إلى مستوى الوثائق الفضيحة التى نشرها وليام أسانج على موقع ويكيليكس وهى وثائق احتوت على كثير من أسرار وزارة الدفاع الأمريكية التى تمس الأمن القومى الأمريكى، ومن بينها فيديو يظهر طائرة أمريكية تقصف مدنيين فى العراق فى خرق لكل المواثيق والمعاهدات الدولية وما استقر عليه النظام الأخلاقى العالمى.

«لعبة الأمم» لم تتوقف عنها الولايات المتحدة ولا غيرها من القوى التى تحاول التأثير فى النظام الدولى حتى ولو من خلال التلويح بالأسلحة النووية وهو البعبع الذى تخشاه البشرية منذ أيام هيروشيما وناجازاكى، حيث تمت إبادة عشرات الآلاف من البشر فى لحظات.

«لعبة الأمم» ما زالت سارية حتى اليوم وهو ما قد يعوق الكثير من الدول عن النهوض لصنع معجزتها الخاصة فى النمو والتنمية.

منطقتنا العربية دفعت الثمن غاليًا وما زالت خلال العقد الماضى، ما نتج عنه عرقلة لأمم كانت مستقرة تحاول النمو وفق مسارها الخاص وهو ما حدث فى العراق من الغزو الأمريكى غير المبرر والذى نتج عنه وقوع ضحايا يتجاوز عددهم المليون من المدنيين بدعوى وجود أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت كذبه وانتهاء بكارثة سوريا الكبرى التى ساهمت بعض الدول العربية، مع تركيا وإيران والولايات المتحدة، فى تقطيع أواصرها.

لم يدرك العالم العربى أن مصلحته فى وحدته وأن استقراره فى تعاونه، وأن انشقاقه عن بعضه بدعوى مراعاة المصالح القطرية فيه تدهوره، وقد ثبت بالتجربة أن محاولة تغيير الأنظمة بالقوة لم تنته إلا بخراب فى العراق وسوريا وليبيا والسودان.

ولذا أرى أن زيارة وزير الخارجية سامح شكرى إلى دمشق ومقابلة الرئيس السورى بشار الأسد خطوة فى الاتجاه الصحيح حتى وإن كان هدفها المعلن التضامن مع سوريا فى كارثة الزلزال الذى قتل وشرد عشرات الآلاف من السوريين ليزيد المعاناة معاناة.

كانت السياسة المصرية تجاه سوريا تركز على دعم بقاء الدولة واستمرارها والوقوف بشدة ضد محاولات تفكيكها، وهذا فى حد ذاته مهم لكنه بحاجة إلى حملة دبلوماسية واسعة ينتظرها كثير من الأشقاء العرب الذين ما زالوا مؤمنين بأهمية الدور المصرى فى الإقليم وضد مسألة الانكفاء على الذات. وهذا يتطلب سياسات جديدة تجاه القوى التى تتنافس على الإقليم بمزيد من الاقتراب من العواصم العربية، مشرقها ومغربها، وتجنب الدخول فى منافسات على النفوذ الإقليمى إعلاميًا وإنما العمل على الأرض، وتمتلك مصر هنا، رغم الأزمة الاقتصادية التى تمر بها، الكثير من أوراق اللعب التى تتطلب المزيد من المرونة.

لقد شهدنا استخدامًا واسعًا للمال النفطى فى محاولة اكتساب النفوذ والمكانة، شهدنا أيضًا حركة مروحية واسعة فى الإقليم من خلال قوى دولية: فرنسا، إيطاليا، روسيا، إيران، الإمارات، السعودية، بعض هذه السياسات أدى إلى إحداث تغيير فى مصائر شعوب، لكن ما زال التأثير المصرى والوجود المصرى مطلوبًا من دول عربية عديدة.

ما نراه سياسة نشطة فى الإقليم تغير موازين لعبة الأمم وتحمى مصالح الشعوب العربية، وتغير أيضًا المناخ المسموم.

النظام الدولى سوف يشهد المزيد من التغيرات خلال العام الحالى وسوف يتأثر الإقليم، الحرب بين روسيا وأوكرانيا أدخلت العالم فى دوامة الأزمة الأقتصادية، المؤسسات الدولية تتنبأ باستمرار التضخم فى العام الحالى، إسرائيل لا تسعى إلى تسوية مع الفلسطينيين وتناور من أجل خلق أمر واقع، دول عربية ترى أن بوابة الغرب تفتح فى تل أبيب فأسرعوا إليها، دول عربية ما زالت تئن بسبب مرحلة الربيع العربى.

مصر مؤهلة لاعتبارات لا يمكن تجاهلها لمد الجسور وإعادة النظر فى العلاقات مع الدول المؤثرة فى الإقليم، وأعتقد أن قدرها أن تقود وأن تقدم مبادرات للخروج من الوضع العربى الراهن.